حين تحدث الإخوان المسلمون للمرة الأولى عن رغبتهم في ضم عدد من المسيحيين لحزب الجماعة اتجه تفكيري على الفور نحو عدد من الشخصيات المسيحية المعروفة بعلاقاتها القوية مع الجماعة. كان على رأس هؤلاء الدكتور رفيق حبيب لأني رأيت فيه الشخصية الأكثر ملائمة لطبيعة الدور الذي يريده الإخوان من المسيحيين المطلوب ضمهم للحزب. فحبيب ليس غريباً عن الجماعة وقيادتها وأفكارها، حتى أنه أصبح يُعرَف في السنوات العشرين الماضية بأنه الوجه المسيحي للإخوان. وقد كان. إذ لم تكد تمر أيام قليلة على الشروع في تأسيس الحزب الذي أطلقوا عليه ‘الحرية والعدالة’ حتى كانت قيادته تعلن على الملأ عن اختيار حبيب نائباً لرئيس الحزب. تباينت ردود الأفعال على انضمام حبيب لحزب الإخوان. كان استهجان المسيحيين لقبول حبيب بالمنصب رد فعل طبيعي لأن انضمام مثقف مسيحي بارز لحزب الجماعة، التي عُرِفت بمنهجها الإستئصالي الذي ينكر على المسيحيين حق المواطنة، أمر ليس هيناً طالما جاء الانضمام بغرض تمثيل المسيحيين والحديث باسمهم. ولو كان رفيق حبيب انضم إلى حزب الإخوان بصفة شخصية أو لإيمانه بمباديء الحزب لكان الأمر طبيعياً ولكان التعليق عليه أمراً غير موضوعي.
حاول الدكتور رفيق حبيب تبرير قبوله منصبه بالحزب في تصريحات نشرتها صحيفة ‘المصري اليوم’ بتاريخ 30 مايو تحت عنوان "المفكر المسيحى يروى لـ ‘المصري اليوم’ علاقته بـ ‘الجماعة’ وحزبها". قال الرجل أن موافقته "جاءت بناء على عدة أشياء، أولها هى أن البرامج السياسية القائمة على المرجعية الحضارية الإسلامية هى الأكثر تعبيراً عن المجتمع، لأنها القائمة على هوية المجتمع المصرى سواء مسلمين أو مسيحيين، والبرامج التى تعبر عن هذا الجانب الحضارى." وثانيها "أنه عندما تقوم الجماعة مثل الإخوان بتأسيس حزب سياسى لها، فهو مسألة مهمة فى ظل إقرار الجميع بأن الحزب يجب أن يكون مستقلا عن الجماعة." وثالثها "أن مصر مقبلة على تحديات كثيرة ومرحلة انتقالية ووضع دستور جديد." ورابعها وأهمها "هو وجود فجوة حقيقية بين الجماعة المسيحية والتيار الإسلامى." ويصوِّر حبيب الفجوة بين المسيحيين والإخوان المسلمين على أنها وجدت بسبب تصورات وهواجس لا أساس وُجِدت لدى الجانب المسيحي المتخوف من التيارات الإسلامية.
في البداية يجب التأكيد على أنه إذا كان من حق الدكتور حبيب الانضمام إلى الحزب الذي يعبر عن طموحاته ويقترب منه فكرياً، فمن الواجب علينا أيضاً التأكيد على أنه ليس من حق الرجل أن يتحدث باسم المسيحيين وأن يجعل الهدف من انضمامه لحزب الإخوان تقريب الفجوة بين المسيحيين والمسلمين. أما عن الفجوة التي يتحدث عنها حبيب والتي يحمّل المسيحيين مسئوليتها، فالمخاوف التي تعتري المسيحيين لا تقتصر فقط عليهم، إذ أن هناك من المسلمين من يعارضون المشروع الإخواني في مصر. يضم هولاء يساريين وعلمانيين ومدنيين بل ومتدينين لا يثقون بالإخوان ولا يرحبون بمشروعهم. ولا شك في أن إشتراك فئات أخرى من المصريين مع المسيحيين في مخاوفهم من المشروع الإخواني ينفي تماماً مسئولية المسيحيين عن الفجوة التي يتحدث عنها الدكتور حبيب ويعتبرها أحد هم أسباب انضمامه لحزب الحرية والعدالة. المسألة إذن ليست تصورات مغلوطة أو هواجس بلا أساس، المسألة متعلقة بالمنهج الإستئصالي للإخوان الذي يخشاه غير المنتمين للإخوان. هذا المنهج الذي عبرت عنه كتابات منظري الإخوان، والذي يدعو لعزل كل من لا يؤمن بتوجهات الجماعة السياسية والدعوية.
من الاستخفاف بالأمور اعتبار المخاوف من الإخوان مجرد تصورات وهواجس كما يدّعي الدكتور رفيق حبيب. المخاوف منطقية لها ما يبررها إذا أخذنا في الاعتبار تاريخ الإخوان الحافل بالعنف الذي لجأوا إليه لتلبية رغبتهم العارمة في الوصول إلى السلطة. لم يذكر لنا الدكتور حبيب موقفه من هذا التاريخ. ولم يوضح الرجل كذلك أين يقف من كتابات منظّري الإخوان الشهيرين وعلى رأسهم سيد قطب التي تبرر العنف وتكفر من يخرج عن طاعة الجماعة، وتنكر الإيمان بالوطن، وتعتبر أن الحزب الإسلامي الحزب الشرعي الوحيد باعتباره حزب الله وأن الأحزاب الأخرى المنافسة هي أحزاب الشيطان. ولم يحدد حبيب رؤيته للأفكار التي يتبناها الإخوان مثل التروج لفكرة دار الإسلام للمسلمين ودار الحرب لغير المسلمين، والإيمان بالجهاد كوسيلة وحيدة للتخلص من جاهلية المجتمع غير الإسلامي، والاعتقاد بأن الشريعة الإسلامية هي القانون الأوحد الذي يجب إتباعه.
فضلاً عن هذا، يبدو أن رفيق حبيب الذي تشرّب في السنوات الماضية تعاليم الإخوان لم يمنح نفسه أبداً فرصة الاختلاف معهم، إذ راح الرجل يتبنى موقف الإخوان الرافض الاعتراف بالمرجعيات الفرعونية والقبطية للمجتمع المصري. جاء نفى حبيب، بالإغفال، وجود مكونات أخرى للمجتمع المصري بجانب العنصر الإسلامي ليعكس اعتقاده بأن الفترة المقبلة هي فترة العودة للمرجعية الإسلامية التي هي برأيه الأكثر تعبيراً عن المجتمع المصري. ولأن حبيب يرى أن الإخوان هم الحماة الشرعيين للمرجعية الإسلامية، فهم المنوط بهم قيادة مصر في المرحلة الجديدة التي تلت ثورة يناير. وإذا كان أحد لا يختلف مع حبيب بشأن أهمية المرجعية الإسلامية في المجتمع المصري، فمن المهم أيضاً أن نوضح أن الرجل جانبه الصواب تماماً حين أنكر المرجعيتين الفرعونية والقبطية اللتين تعدان من الأصول الأصيلة والراسخة للمجتمع المصري من قبل أن يدخل الإسلام مصر ومن قبل أن تتحول الغالبية العظمى من المصريين للإسلام في ظروف معروفة لسنا بصدد تناولها هنا. ومن المؤسف أن حبيب لم يفطن إلى أنه يتنكر للعدالة وللحرية بإنكاره المرجعيتين الفرعونية والقبطية لمصر.
لم يكن استبعاد نائب رئيس حزب الإخوان للمرجعيتين الفرعونية والقبطية أمراً مفاجئاً لأن أسلوب تفكير الرجل يبدو متسقاً تماماً مع المنهج الإستئصالي الذي تتبناه الجماعة، إذ من المستبعد تماماً أن يعترف الإخوان بالمرجعيتين الفرعونية أو القبطية من منطلق إيمانهم بأن المرجعيتين تعتبران من رموز المجتمع الجاهلي. وإذا كان الإخوان يريدون لمصر أن تكون دار الإسلام، فمن الطبيعي أن يعملوا على أن تكون مصر خالية من كل مظاهر الجاهلية. ولعل هذا يطرح تساؤلاً مهماً بشأن مغزى اختيار حزب الجماعة مفكر مسيحي كنائب للرئيس إذا كان الحزب لا يعترف إلا بالمرجعية الإسلامية وينوي التنكر للمرجعيتين الفرعونية والقبطية. أغلب الظن أن حبيب سيكون نائباً شرفياً لرئيس حزب الإخوان، ومن غير المتوقع على الإطلاق أن يتولى مسئوليات حقيقية. سيصبح حبيب مجرد أداة لتجميل صورة حزب الجماعة أمام الرأي العام في هذه المرحلة الانتقالية، فالإخوان يعون أهمية الظهور اليوم بمظهر الجماعة المنفتحة على كل التيارات وبخاصة المسيحيين والمرأة.
وقد اعترف الدكتور رفيق حبيب بأنه لم يناقش صلاحياته في الحزب، وربما يشير هذا إلى أن الرجل عُيّن في منصبه حتى يكون ممثلاً للمسيحيين ويكون الواجهة المتسامحة التي يريدها الإخوان. الصلاحيات والاختصاصات والواجبات لا تبدو مهمة في تعيين حبيب، المهم كما يبدو لي هو أن يكون لحزب الإخوان واجهة مسيحية تشهد التعددية والتسامح حتى ولو كان بالكلام لا بالأفعال.
من المهم أن يدرك رفيق حبيب أنه لا يمثل إلا نفسه فقط في حزب الإخوان. لا ينبغي أن يتكلم الرجل باسم المسيحيين أو أن يمثلهم لأن المسافة بينه وبين مسيحيي مصر هي نفسها المسافة بين الإخوان والمسيحيين. الرجل يردد ما يردده الإخوان ويعتقد بما يعتقدون ويفكر بنفس طريقتهم. التقرب من المسيحيين مسألة ليست بالسهولة التي يراها الإخوان. لن يستطيع الإخوان ربط الجسور مع المسيحيين بتعيينٍ شكلي لمسيحي في منصب قيادي في حزبهم. ستقام الجسور فور توقف الإخوان عن اتباع منهجهم الإستئصالي الذي يستبعد كل من لا يؤمن بالمشروع الإخواني، وفور التوقف عن ربط الدولة بالدين، وفور التوقف عن اعتبار المسلمين الماليزيين أقرب لهم من المسيحيين المصريين. لست أشك للحظة في أن المسيحيين المصريين يريدون العيش في سلام مع المسلمين شريطة أن تكون هناك مساواة وعدل وحرية. وإذا كان الإخوان غير قادرين على التخلي عن منهجهم الذي سيحول المسيحيين إلى أهل ذمة بلا حقوق، فإن جسور العلاقات بين الجانبين ستبقى مجرد أمنيات.
التعليقات (0)