رفقاً بنساء الوطن
الكاتبة ليالي الفرج
بلغة يُدركها الجميع، تُحاط المرأة العربية عامة والسعودية خاصة بهالة من الخصوصية، و بِفهم جلَّي يُدرك الجميع أنَّ الدِّين و العُرف هما مُرتكزان لهذه الخصوصية من حيثُ المَصْدريَّةُ أو المرجعيَّة.
و رغم أننا نعيش العقد الثاني من الألفية الثالثة التي انبثق مع بدايتها مفهوم العولمة، و نتفاعل في المنظومة المُكتظة برياح الانفتاح على الثقافات و المجتمعات الأخرى،خصوصاً الغربية،إلا أنَّ قضية تعد من الثوابت الراسخة و العناوين المتجذرة التي لا يمكن تجاوزها أو المساس بحيثياتها كائناً ماكان، ونعني بها طريقة التعامل مع المرأة في ثقافتنا والمحافظة على رمزية قيم المروءة والغيرة والكرامة نحوها، إذ يجب أن لا توضع في أي موقف يمتهنها أو يحقرها أو يذلها أو يستفزها ...،ويستمد ذلك من منهجية إسلامية وإنسانية لا يمكن أن تُزعزع المُتغيرات تلك الحقيقة .
و لا مجال للشك في أنَّ مسلمات صفات الرجل السعودي التي يفترض أنها مؤسسة على قيم التربية الإسلامية والأخلاق العربية الأصيلة، إذ لا يمكن فصل قيم المروءة والشيم العالية والغيرة على نسائه أو على كل امرأة في وطنه وبين واقعه ويقينياته، كما لا يُمكن لأحد بأي وجه أو شكل محاولة فَصْلِ تلك الشمائل و الخصال العربية والإسلامية المرتكز على إطار غريزي مرجعيِّ منبثق من النسق الإسلامي الكُلِّي ورؤيته المكرِّمة للمرأة وحضورها الإنساني في الصورة الأكثر إلفاتاً في ثقافتنا.
و على الامتداد التاريخي منذ قبل الإسلام و حتى يومنا المعاصر، نجد تراثاً ضخماً نستقرئ فيه كم هو حافل بالشواهد التي جميعها تحمل مضامين المروءة العربية كثابت إنساني،إذ تدعو هذه المضامين وتوجه نحو كينونة إعزاز للمرأة، بحيث يكون مرفوضاً تماماً التعريض بها أو وضعها في معقل لا يتناسب بالمقام الذي خصها به الإسلام، و هذا واجب كل رجل مسلم حر أن يمارس ذلك عقيدةً وسلوكاً، حتى و إن كانت تلك المرأة ليست من أهل بيته أو ليست على مذهبه و طائفته.
مضمون مقالي هذا ليس من باب التعميم بقدر ما هو التفاته صارخة لسلوك غير مسؤول، بل و مُخجل و منتهِك للخصوصية و الكرامة، خاصة أنه صادر من أفراد ينتسبون لجهة من المفترض أنها قبل استلامها لزمام الأمور الوظيفية أقسمت القسم المعهود على الالتزام بالأمانة في أداء هذه المهنة و التعاطي مع الجمهور بحيادية و عدالة .
وما نلحظه منذ أن عُسْكِرت وطُّوِقَت منطقة القطيف شرق السعودية بنقاط التفتيش، و مسلسلات الاستفزاز مُستمرة ضد الأهالي، و المواقف التي تضمنت تعديات لفظية أو عنيفة منتهكة من إجراءات واستفزازات حدثت لبعض الأشخاص أفراداً أو عوائل لا يمكن حصرها في هذه المقام لكثرتها وتنوعها.
وهنا استميحكم عذراً أيها الأخوة ,إذ لن أتناول في مقالي هذا التعديات التي تتعرضون لها، ليس تجاهلاً و لا استنقاصاً من شأنكم، لكنني خصصتُ هذا المقال لعرض بعض المواقف التي تمس خصوصية و كرامة المرأة سواء بحضور ولي أمرها معها أو ما تعرضت له وهي مع من يوصلها إلى عملها أو مكان تعليمها.
و تأتي كُبرى المصائب عندما يتجرع الرجل مرارة الموقف و يلتزم الهدوء و السكوت، ليس ضعفاً أو انعدام غيرة، لكن رجال القطيف يُدركون مدى مسؤوليتهم في المحافظة على عدم التصادم الذي قد يؤذي المنطقة بأكملها بتداعيات قد لا تُحمد عقباها.
وهنا تأتي مجموعة شواهد تتمثل في مواقف مقززة ومُغضِبة حدثت لنساء، وهي أمثلة من عشرات المواقف:
-حدثتني بعض الأخوات قائلة: "بينما كنتُ و زميلاتي الموظفات عائدات من دوامنا الليلي من مستشفى القطيف المركزي، أوقفنا العسكري في أحد نقاط التفتيش و كان السائق من أبناء البلد..جرى حديث طويل بين السائق و العسكري، حيثُ قام العسكري بالتفوه بكلمات غير لائقة ضد المذهب و المتظاهرين، و كان مصراً أنَّ السائق له حضور في المسيرات التي تخرج في منطقة القطيف، رغم نفي السائق لذلك.. لم يترك مجالاً لخصوصيتنا كفتيات، إذ فتح باب الحافلة بشكل مفاجئ و دون أي إنذار.. تعجبنا من سلوكه و ماذا عساه أن يفعل؟ .. هل سيقوم بتفتيش المقاعد و إنزالنا من الحافلة؟، أم سيتبادل الحديث معنا و نحنُ فتيات! .. كان التصرف صادماً للجميع!"، وتمضي محدثتي في سردها لهذه الواقعة:"ترك الباب مشرعاً، و نادى السائق ليقف معه عند باب الحافلة، وقام بمحاورته و كأن من في السيارة لا حرمة لهم إذ تقصد في ترك الباب مفتوحاً."
-تخبرني أخرى قائلة : "كنت متوجهة مع زوجي إلى مناسبة خاصة في منزل أحد الأقارب.. أوقفنا الضابط في إحدى نقاط التفتيش المكتظة بعدد مهول من السيارات، و كنت أُخبر زوجي أنهم لن يوقفونا لأننا عائلة و لابد من أنهم سيحترمون وجود امرأة في السيارة .. خاب توقعي و تم إيقافنا!،و ما حدث لم يستوعبه عقلي، إذ طلب العسكري من زوجي النزول من السيارة و أخذ الإثبات منه، و تفاجأت من العسكري الآخر لمجيئه للباب الذي من جهتي، و قام بفتحه بشكل مخيف بقبضته الغليظة و كأنه يبحث عن شيء.. صرخت في وجهه دون شعور، فنلت نصيبي من السب قبل أن يقفل الباب و يتوجه لمقره.
-كانت إحدى الأمهات ذاهبة مع صغيرها لأحد المستشفيات الأهلية، و كان السائق أسيوي، و قد نسي استمارة السيارة في سكنه الخاص، تقول : "طلب العسكري من السائق أن يركن السيارة جانباً رغم علمه بوجودي و صغيري في السيارة و أن وجهتنا هي المستشفى، لكنه أصر أن يبقينا لمدة تجاوزت النصف ساعة، ثم حرر مخالفة للسائق لعدم حمله إستمارة.
- مواقف كثيرة تكررت ومعظمها ركز في أن العسكري يتعمد أن يخاطب السائق من جهة باب الراكب الأمامي الذي تكون فيه العائلة، وهذا مما يعد مؤشراً خطيراً.
- ولكن لعل من المواقف التي تبعث النفس على السخط والغضب هو أن أحد سائقي سيارة عائلة مروا في نقطة التفتيش، فطلب العسكري الرخصة والاستمارة، فناوله السائق الأسيوي الوثائق.. نظر العسكري شزراً في وجه السائق وسبه وشتم وعرض بالعائلة بكلام بذئ جداً.. لماذا كل ذلك؟!، فقط لأن هذا الأسيوي ناوله الوثائق باليد اليسرى التي كانت الأقرب إلى العسكري..
- الناشطة الأستاذة إنعام العصفور كان لها نصيب من هذه السلوكيات الفردية غير المسؤولة, و سوء التعامل مع المرأة التي كرمها الإسلام بمنزلة لا تُضاهى، فبعد طرح الأسئلة على سائق الأجرة و الأستاذة العصفور.. طلب العسكري من السائق ركن السيارة جانباً متفوها بعبارات و بأسلوب تحدي و كأنه يشفي غليلاً قد ضاق بصدره، و بلهجته المحلية قال: "اسفط جنب" .. "وربي لطلّع روحك وروح أبو اللي جابها"، وكم من المخجل أن يتفوه من هو من منسوبي جهة من المفترض أن تكون بوابة أمن المواطن و المقيم في أرجاء هذا الوطن بمثل هذه العبارات، و بمثل هذا السلوك الشائن والمهين في التعامل .
لم تتوانى العصفور عن القيام بما يمليه عليها عقلها الواعي و شخصيتها السويَّة و المُدركة لحجم هذا التعدي و الاستنقاص المُتعمد، فترجلت من سيارة الأجرة التي كانت تُقلها قائلة:"ما هي مشكلتك، ولماذا تقوم بالسب وأنت ترتدي الزي العسكري..أنت عندما ترتديه لا تمثل شخصك،بل بلادك.. لذلك احفظ لسانك.."
فما كان من المسؤول إلا أن راح يقنعها بعدم تقديم أي شكوى متعللاً بأن هذا العسكري صغير لا يفهم .. السؤال المطروح هنا: هل توظف الدولة صغاراً غير مؤهلين في وظيفة يفترض في من يقوم بها أنه يتوفر و لو على الحد الأدنى من مهارات و فنونالتعامل؟، وانتهى الموقف حينما أمره رئيسه كما أقنعه زملائه بتقيدم الاعتذار تفادياً لأي إجراء، كتقديم شكوى.
الكلمة المهمة هنا أن جميع العقلاء على يقين بأن هذه التصرفات و التعديات على خصوصية و كرامة المرأة لا يرتضيها رجل أو إنسان يحمل من الأخلاق الإسلامية و الحميَّة العربية الأصيلة و من المبادئ التي غرسها فينا ديننا الحنيف، كما أن من يحاول الإساءة لطائفة أو مذهب ، مما يعد حرمة المساس بذلك من أول المسلمات،فرفقاً بنساء الوطن، فهن عماد و شمعة هذا الوطن.
التعليقات (0)