مواضيع اليوم

رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب

مصعب المشرّف

2011-10-04 20:56:26

0

رفع إسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب

(مأساة الخطاب الدبلوماسي وسذاجة التوقعات)

علي كرتي

تناقلت الأخبار من العاصمة الفرنسية باريس ، تقدم السيد علي كرتي وزير الخارجية السودانية بطلب إلى الحكومة الأمريكية ؛ يرجو فيه بإلحاح رفع إسم السودان من لائحة الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة داعمة للإرهاب ...... وأن الخارجية السودانية تعجب من تلكؤ حكومة الولايات المتحدة في إتخاذها لهذا القرار المنشود .
....
أمر يدعو للدهشة من جانب المواطن السوداني العادي .... والشماتة من جانب المعارضة .. والسخرية من كافة الأوساط الدبلوماسية ... إنها مأساة الخطاب الدبلوماسي وسذاجة التوقعات .... بل وكأنّ الدبلوماسية السودانية قد باتت تتعامل بمنطق وحيلة الترزي المخادع مع جسد الفرعون العاري.
.....

أوكامبو / البشير

كيف يطلب السودان من حكومة الولايات المتحدة (أو يتوقع إبتداءاً) أن يرفع إسم السودان من لائحة الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة داعمة للإرهاب في الوقت الذي يظل فيه الرئيس السوداني نفسه مطلوبا للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية ؛ ومعه أكثر من واحد يحتل الثاني منهم (أحمد هارون) منصبا رسميا في الدولة كحاكم لولاية جنوب كردفان؟ ..... فأي رأي أمريكي عام وقواعد إنتخابية ولائية وتشريعية ستسمح بذلك ؟ .... وكيف سيكون عنف ردها الديمقراطي في صناديق الإنتخابات "الحرة النزيهة" التي تلهب ظهور النواب وكل من يطمح إلى رفعة ومنافع لقب السيناتور في تلك البلاد؟

أحمد هارون - المطلوب الثاني للمثول أمام هيئة محكمة الجنابات الدولية

هل تعي الخارجية السودانية ما تقول ؟ .. أم أنها تتصرف وفق ما تمني به النفس وتشتهي؟
......
إستمعت ذات يوم صدفة من خلال المذياع إلى جزء من خطاب لمندوب السودان في منظمة الأمم المتحدة ، وهو يخاطب جلسة لمجلس الأمن يطلب فيها إلغاء التهم الموجهة ضد الرئيس عمر البشير من جانب محكمة الجنايات الدولية .. وقد شفع طلبه ذاك بقوله أن عمر البشير قد وفى بكافة إلتزامات بلاده في إتفاقية نيفاشا . وعمل بإخلاص لضمان حرية وشفافية الإستفتاء وإحترام رغبة الشعب الجنوبي في الإنفصال ... ثم ختم فقرته تلك بنص من آية قرآنية كريمة بقوله : (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟

جاء المندوب الدائم الدبلوماسي المفترض إذن ليؤذن في مالطا !!! ويحاول إقناع العالم الذي تسيطر عليه المصالح والأكريليكية المسيحية بإيراد آيات قرآنية..... بل وكأنه أراد أن يقول لهؤلاء أن الرئيس عمر البشير لم يحترم شفافية إستفتاء تقرير المصير ويحترم نتائحه إلا لأجل أن ترفع عنه إتهامات ومطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية. بغض النظر عن صدقها وموضوعيتها من كذبها وتلفيقها.
..........
إنها واحدة من ملاحظات وسلبيات سبق لأكثر من كاتب رأي التطرق إليها في معرض إنتقاده الموضوعي للأساليب النمطية والوسائل البدائية ، والقناعات القرمزية الأحادية التي أضحى الدبلوماسي السوداني يتعامل بها مع العالم الخارجي في عصر الإنقاذ .... عصر الإنقاذ الذي جاء لسوء حظه بدوره متزامنا مع صراع الحضارات وعصر المعلوماتية الدراماتيكي القفزات لجهة الشفافية ونصرة حريات الشعوب ورغباتها ؛ والتوسع في البنود والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان.
............
ومن قبيل التفسير البرئ ؛ ينبغي الإحاطة بإن الإحسان الوارد في الآية الكريمة هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضاة الله
وعن خلق الإحسان قولا وعملا ما جاء في الأثر أن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- مر على غلام يرعى أغنامًا لسيده، فأراد ابن عمر أن يختبر الغلام، فقال له:
- بع لي شاة.
فقال الصبي:
- إنها ليست لي، ولكنها ملك لسيدي، وأنا عبد مملوك له.
فقال ابن عمر:
- إننا بموضع لا يرانا فيه سيدك، فبعني واحدة منها، وقل لسيدك: أكلها الذئب.
فاستشعر الصبي مراقبة الله، وصاح:
- إذا كان سيدي لا يرانا، فأين الله؟!
فكان الجزاء الذي قدمه له إبن عمر في الدنيا أنه ذهب إلى سيده وأشتراه منه بمبلغ جزيل ثم أعتقه لوجه الله تعالى.
...............
على أية حال ؛ لا نريد أن نحولها لحصة تربية إسلامية ؛ ولكن نرجو أن يعمل السيد وزير الخارجية وطاقمه الدبلوماسي وفق قناعة أن حكومة الولايات المتحدة الديمقراطية الحالية ؛ أو حكومتها الجمهورية في زمان لاحق ... لا يمكن لمثل هكذا حكومة وحكومات أن تتخذ قراراً يمس توجهات وإرادة قاعدتها الإنتخابية أولا ؛ والرأي العام ثانيا ؛ فضلا عن ضرورة تحقيق السودان لقائمة من الطلبات دونها في الوقت الراهن الـرُخّ ، والسُعْـلاة ، وبرك الغِـماد .....
والملاحظ أنه كلما وفى السودان ببنود قائمة وظن أنه صار بمنجاة ؛ سارعت الخارجية الأمريكية بالتلويح له ببنود قائمة جديدة أشــدّ وطــأةً وأقـوَمُ قـيـلا .....

والشئ الأهم الذي ربما يكون قد فات على ذهن وزير الخارجية السوداني ؛ أن قرار إدراج السودان ضمن لائحة الدول الداعمة للإرهاب قد تم بناء على قرار من الكونجرس الأمريكي . وليس بقرار هياجي مزاجي من رئيس أمريكي خلال لقاءٍ جماهيري؛ وفق ما إعتدنا عليه من حكامنا في دول العالم الثالث والرابع ، وما بات يصنف حاليا ضمن مسمى دول "العالم الغائب".

الكونغرس ..

ليت مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين كانا مثل غيرهما من مجالس تشريعية وشورية في دول "العالم الغائب" ؛ الذي ما أن يطلب منها رئيس الدولة شطب قانون أو محو دستور وتعديل مواد دستور (ناهيك عن قرار) حتى يسارع أهلها بالتصفيق الحار والهتاف الملهب للحناجر قبل البصم بالأصابع العشرة على تمرير القرار العبقري ، والمطلب السامي لنصف الإله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
...........
بحت الحناجر والتهبت الأنامل ، وتهالكت الأكتاف وشكت الظهور من وجع الغضروف وهي جالسة أمام شاشات اللاب توب ؛ تكتب عن أن منشأ القرار في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بنحو خاص لا يخضع لمزاج الرئيس ووزير الخارجية بقدر ما يستنير بقناعات وتوجهات الرأي العام للشعب الأمريكي والقواعد الإنتخابية لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ..... وهؤلاء تحركهم في الخفاء أيدي الرأسمالية العملاقة ومصالح الشركات متعددة الجنسية.

ربما كان في السياسة الداخلية للولايات المتحد نظر وبعض مصداقية... ولكن تبقى السياسة الخارجية مرتبطة بخيوط متشابكة لا تفككها الرجاءات واللوم والتقريع ومناشدات تتمثل بآيات قرآنية..... ولو كان الأمر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خاضع للمنطق والصدق والأخلاق وحفظ الجميل ؛ و" جزاء الإحسان بالإحسان" لما إستطاع جورج بوش الإبن تحريك جندي أمريكي واحد لغزو عراق صدام.

وزارة الخارجية السودانية - الخرطوم

على وزارة الخارجية السودانية أن توفر القليل من ملايين الدولارات التي تصرفها ببذخ فارغ غير منطقي ولا محمود على بعثاتها الدبلوماسية في الخارج .... ومن هذه الملايين التي توفرها يمكنها إستئجار خدمات شركات "علاقات عامة" أمريكية متخصصة تدير لها حملات تبييض الجبين والأسنان والوجه واليد واللسان ....
على وزارة الخارجية السودانية اللجوء إلى أدوات العصر ومعطياته. وإستباق تصاعد أنفاسها وحركة قدميها للحاق بعصر المعلوماتية. وتنزع عنها في طريقها روتين وإهاب القرن التاسع عشر الموروث من الخديوية المصرية وغوردون الصين واللورد كتشنر ؛ ومن جاء بعدهم من حكام وسكرتيري الإمبراطورية الإستعمارية التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
عندها .. وساعة أن تتقن الخارجية السودانية فن الحديث بمفردات العصر وبلغة عامة يستحبها ويفهمها الغير .. ربما في ذلك الوقت تكون قد عادت بإسم وموقع السودان إلى المربع رقم واحد الذي كان يحظى به أبان أواخر الثمانينات من القرن الماضي.


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات