قدم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، برنامج حكومته إلى البرلمان في الوقت الذي خرج فيه متظاهرون إلى شوارع الرباط للتعبير عن غضبهم لاستفحال البطالة بين الشباب واحتداد آليات التفقير اتساع دوائر الفقر المدقعل والتهميش. وتعهد عبد الإله بنكيران بخفض البطالة إلى 8 % بنهاية عام 2016. في هذا الوقت أضرم خمسة أشخاص النار في أنفسهم في العاصمة الرباط احتجاجاً على انعدام فرص العمل وانسداد الأفق وظلامية المستقبل.
إن تصريح حكومة المصباح الذي يعتبر ورقة طريق ومرجعية "محاسباتية" للحكومة في إطار الحكامة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية التي ما فتئ يشدد ويؤكد عليها بنكيران بنفسه. ويمكن إيجاز أن ما صرح به رئيس الحكومة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة على التوازنات الماكروقتصادية الضرورية لإعادة كسب ثقة المستثمرين ولتحقيق النمو الاقتصادي والعمل في نفس الوقت على أنسنة المجتمع والرفع من مستوى عيش ورفاهية مختلف شرائحه في نطاق إعادة توزيع الثروات بين الطبقات وبين الجهات والمدن والقرى . إلا أن هذا لا يختلف عن ما صرحت به الحكومات السابقة.
المعارضة تتوعد
يرتقب أن يواجه البرنامج الحكومي الذي عرض أمام البرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين، نقاشا حادا من قبل المعارضة، التي لم تتوقف عن توجيه الانتقادات إلى الحكومة منذ تعيينها في الثالث من يناير الحالي، خصوصا في ما يتعلق بتطبيق بنود الدستور الجديد وتنزيله.
وفي هذا الصدد سبق لأحمد الزايدي، رئيس الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض أن أكد أن المعارضة الاتحادية مهيأة نفسيا للعمل بدم جديد من موقع المعارضة المسؤولة والإيجابية، والمتتبعة واليقظة . كما أقر أنه لن يكون فريقه في صف المعارضة من أجل المعارضة، ولكن سيكون إيجابي إزاء كل قرار وتوجه إيجابي ستتخذه الحكومة ويخدم المصلحة العليا للبلاد.
تمرير البرنامج بـ "الفور يا شيفور"
يتوقع أن يمر بـ "الفور يا شيفور" و أن يحصل البرنامج الحكومي على ثقة البرلمان بسهولة بحكم توفر حكومة عبد الإله بنكيران على أغلبية مطلقة بمجلس النواب تتمثل في 224 مقعدا من بين 395، أي ما يمثل نسبة 57 في المائة من مجموع المقاعد، وهي أغلبية مريحة.
تأخير وهالة حشدت النتظارات
أكد أكثر من متتبع أن عرض البرنامج الحكومي أمام البرلمان تأخر وحاطت به هالة ساهمت في التذمر الذي تم ملاحظته في بعض الأوساط، الأمر الذي كان له تأثير من دون شك على سير المرافق العامة للدولة. وأوضح بعض المحللين الاقتصاديين أن النقاط الأساسية التي ستركز عليها المعارضة أثناء مناقشة البرنامج الحكومي هي الصعوبة الجمة التي من المنتظر أن تواجه تنفيذ الوعود التي يحملها البرنامج، خصوصا في ما يتعلق بنسبة النمو التي حددت بـ 5.5 في المائة، سيما في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى نسبة 7 في المائة مع انتهاء الولاية التشريعية للحكومة، وذلك بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي ستتجلى انعكاساتها بشكل أكبر على الاقتصاد المغربي خلال السنوات المقبلة القليلة. ومن المعلوم أن حزب العدالة والتنمية كان قد وعد برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم في حملته الانتخابية، بيد أنه يرى أنه من الصعب تحقيق ذلك بالنظر إلى أن موازنة الدولة أرهقت بسبب توظيف عشرات العاطلين، إبان الحراك الاجتماعي الذي عرفته البلاد، هذا بالإضافة إلى الصعوبات الكثيرة التي ستعترض الحكومة في المجالات الاجتماعية الحيوية على غرار قطاعات الصحة والتعليم والسكن. إن حكومة المصباح ستكون أمام امتحان حقيقي وصعب حتى تتمكن من تحقيق الشعار الذي رفعه الحزب بخصوص تقريب الدولة من المواطن واسترجاع الثقة بها، علما أن بنكيران ظل يلوح بأن برنامج حكومته عبر يتسم بـالطموح الكبير ويستجيب لانتظارات المواطنين، داعيا أعضاء الحكومة إلى العمل على تنزيل مضامينه وتصريفها على شكل برامج قطاعية.
أولويات فريق بنكيران
ووضعت الحكومة ضمن أولويات برنامجها محاربة الفساد والفقر والبطالة، وتشكل البرنامج من خمسة محاور رئيسية، يتمثل المحور الأول في تكريس الهوية المغربية وكل ما يتعلق بها ثقافيا وإعلاميا، ثم المحور السياسي، ويتعلق بتنزيل الدستور وتطبيق الحكامة والجهوية المتقدمة، والمحور الاقتصادي، ويخص معدل النمو والتشغيل، ثم المجال الاجتماعي، ويتعلق بالسياسات التي ستتخذها الحكومة في القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والسكن والتعليم، أما المحور الأخير فيتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد.
الحذر مع القضايا الاقتصادية
يبدو أن الحكومة تعاملت "بحذر" شديد مع القضايا الاقتصادية، وهذا ما أقره محمد بوهزهاز، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط. وأكد أن معدل 5 ونصف بالمائة للنمو الذي تضمنه التصريح الحكومي يمكن اعتباره "معقولا وممكنا"، لكنه يبقى "متواضعا" بالنظر لإمكانات الاقتصاد الوطني. كما انتقد الحكومة لتقديمها "تصريحا لحسن النوايا والأهداف" عوض "برنامج عمل حقيقي"، باعتباره "لا يحدد الوسائل التي سيتم اتخاذها لتنفيذ الأهداف المقدمة".
فكيف تعتزم الحكومة الوصول الى أهدافها في حين أنها كبلت يديها بعدم استخدامها الأدوات التقليدية للانتعاش، لاسيما ما يتعلق بالميزانية والأداة النقدية. لكن الأستاذ بوهزهاز، من ناحية أخرى، نوه بعزم الحكومة إجراء إصلاحات هيكلية "شجاعة" لا سيما فيما يهم صندوق الموازنة. في حين يرى الأستاذ أن إلغاء دعم منتجات الطاقة، على الأقل، يعد أمرا عاجلا، مشيرا إلى أن الحكومة بإمكانها اعتماد عدة "بدائل" لكي لا تؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين. والأمر السهل، بحسبه، هو تعويض تأثير إصلاح صندوق المقاصة على القوة الشرائية للمغاربة من خلال تخفيض الضريبة على القيمة المضافة. علما أن إصلاح صندوق المقاصة يجب أن يتم في إطار إصلاح عام للنظام الضريبي.
و أكد الأستاذ عبد الرحمن الصديق من كلية طنجة أن تصريح الحكومة ، سيكون بمثابة ورقة طريق ومرجعية "محاسباتية" للحكومة في إطار الحكامة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية التي ما فتئ يشدد ويؤكد عليها عبد الإله بنكيران. وقد أجمل الأستاذ أهم ما جاء في التصريح الحكومي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة على التوازنات الماكروقتصادية الضرورية لكسب ثقة المستثمرين لتحقيق النمو الاقتصادي والعمل في نفس الوقت على أنسنة المجتمع المغربي، أي جعل ظروف العيش أكثر إنسانية بالنسبة لأغلب الشعب المغربي، والرفع من رفاهية شرائحه في إطار إعادة توزيع الثروات بشكليها العمودي أي بين مكونات وطبقات المجتمع، والافقي أي بين جهاته وحواضره وقراه.
حسب الأستاذ إن تحقيق معدل نمو 5.5 % . يعبر عن سيناريو متفائل يتنافى وكل توقعات الاقتصاد العالمي والجهوي والوطني بالنسبة للسنتين المقبلتين. فتداعيات الأزمة المالية وأزمة وعجز ميزانيات الدول وأزمة الديون السيادية لبعض الدول الأوروبية لم تقل كلمتها بعد. سيما وأن هناك تداخل هيكلي وعضوي للاقتصاد المغربي باقتصاديات وسياسات أوروبا سواء كمصدر لتمويل الاستثمارات ببلادنا وكسوق استهلاكية لمنتجاتنا أو كمصدر للسياحة التي تتوجه لبلدنا. ففي الوقت الذي تراهن فيه فرنسا مثلا على معدل نمو 1% ولا تستطيع تحقيقه في ظل هذه المتغيرات، تراهن حكومة بنكيران على معدل اقل ما يمكن أن يقال عليه انه نسبيا مرتفع. هذا في الوقت الذي تتوقع أفضل التنبؤات بمعدل 4.5 % (كما هو الشأن بالنسبة لتقرير صندوق النقد الدولي). أما نائب البنك العالمي, وفي أخر تصريح له هذا الأسبوع, فلا تتجاوز توقعاته 4% في سنتي 2012 و 2013 بحكم الارتباط العضوي مع أوروبا وعملتها . لكن ربما قد تجني حكومة العجالة والتنمية ثمار برنامج "إقلاع" الصناعي والمخطط الأزرق السياحي والمخطط الأخضر الفلاحي وغيرها من المخططات القطاعية.
كما أن حصر معدل البطالة في حدود 8% في أفق 2016 يبقى رهينا بنسبة النمو المحقق وطبيعة الاستثمارات والقطاعات التي ستخلق مناصب الشغل وكذا مدى قوة صمودها في وجه الوضعية الاقتصادية الوطنية والدولية الصعبة جدا. وبذلك سيكون على الحكومة أن تخلق أكثر من 700 الف منصب شغل في السنة (وليس 450 الف فقط كما ورد على لسان احد الوزراء) حتى تستطيع الاستجابة لأكثر من 600 الف طلب عمل جديد في المغرب سنويا وتمتص من المعدل الحالي 9.1 % لتوصله لـ 8% ، علما أن كل هذا سيضل مرتبط بسيناريو نسبة النمو التي سيحققها الاقتصاد الوطني. ويخلص الأستاذ إلى التأكيد أنه إلا أنه لا يخفى على أحد اليوم الوضع الصعب والمتردي، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ومؤسساتي، الذي تحملت فيه حكومة بنكيران المسؤولية بحكم تداعيات الربيع العربي وتدعياته على المغرب ومن شأن استعادة هبة الدولة واحترام مؤسساتها أن تكون هناك استثمارات وتضحيات ليست بالهينة والتي ستؤدي لا محالة إلى جعل هذا الهدف صعب وصعب التحقيق خاصة في مغرب يستعد لأوراش ضخمة تتطلب استثمارات عملاقة وفي ظرفية اقتصادية صعبة جدا بشهادة الجميع.
أقوى موقف ناري تم التعبير عنه إزاء الحكومة
ويعد ما صرح به محمد الساسي، القيادي في الاشتراكي الموحد أقوى موقف ناري إزاء فريق عبد الإله بنكيران، حيث اعتبر أن المخزن هو من حقق فوزا كاسحا في الانتخابات الأخيرة، إلى درجة أن وجود حكومة إسلامية أنسى الجميع المشاكل السياسية الكبرى التي تواجه البلاد، واستحال قضية رفض الدساتير الممنوحة إلى قضية دستور جديد. كما أقر أن رئيس الحكومة لا يتحكم في في مصير الوزراء لأن الدستور الجديد يمنح سلطة إعفائهم للملك وليس لرئيس الحكومة.. ووزراء كهؤلاء، الذين نتفحص وجوههم اليوم، لا يستطيعون قول لا في وجه مستشار ملكي يمثل الإرادة العليا بالنسبة إليهم. إنهم يفهمون أن خذلان بنيكران يوم تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا ملكيا قد وضعهم أمام خيار وحيد لا ثاني له: الرضوخ لطلبات المستشارين الملكيين أو الخروج من الحكومة. إن أعناقهم في الواقع بيد حكومة الظل وليست في يد بنكيران.
التعليقات (0)