أبسط ما يمكن أن توصف به السياسة القطرية أنها فاقدة لبوصلة سر صنعة الاعلام، لاسيما أن من صبغ سياسة الأجندة التي تعمل بها قناة الجزيرة، بايديولوجية لا زالت تمشي خلفها والى يومنا هذا، الكوادر العاملة بها هو نفسه من يأتمره الرأس الأكبر في بلاط الباب العالي القطري ومن خلفهم متلاعبون يرسمون سياسات هذا "الباب"، ليس بسبب إلا أن يستمر حكم الباب العالي لدولة قطر متمثلاً بأميرها وحامل "قفته" رئيس وزرائه ووزير خارجية الدولة الخليجية القطرية الجزيرية الجماهيرية العظمى.
حين ظهرت شبكة الجزيرة الفضائية للتلفزة عام 1996 جاءت بطرح جديد للاعلام في سياق متقولب لا يصلح إلا للاعلام الغربي بسبب أن مجتمعاته تتميز فئاته بحرية الفكر والمعتقد وهي في أغلبها علمانية الطابع والفيصل فيها هو القانون. فعندما تقول أن "فكرة الجزيرة" نجحت في الغرب عن دونها من الدول الأخرى فهذا صحيح وليس بالضرورة أن تنجح في مجتمعات شرقية أوسطية أو حتى آسيوية!
نأتي الآن لسي محمد حسنين هيكل الذي أكن له كل احترام لجزئية أنه الأرشيف المستوعب لحقبة جمال عبدالناصر، تلك الحقبة التي توصف بفترة الهزائم والاحتلال بسبب أن المشروع القومي العربي كان أكبر من أن تستوعبه الشعوب العربية، فما كان منها إلا أنها انكفأت متمترسة حول فكرة القبيلة، التي نشأت وتربت في داخلها، ونبذ القومية العربية التي فشلت أيضاً في تنمية القُّطرية في داخل مجتمعات الدول العربية.
لقد مَّثل جمال عبدالناصر وآلته الاعلامية "هيكل" هاجس مخيف لكل من إسرائيل ومعظم الدول العربية بسبب سياسة حكم الفرد الواحد الذي مثله عبدالناصر في قاهرة المعز وتعداها الى أن يفرض سيطرته على باقي الدول العربية وبما فيهم اسرائيل التي هدد برميهم في البحر كي يقتات السمك عليهم! ولعل أبسط الأمثلة كانت تلك الدول التي تحولت الى الأنظمة الجمهورية بايديولوجية يسارية عنوانها القومية العربية، كما حدث في اليمن وليبيا والجزائر والعراق وسورية اللتان شذتا عن القاعدة لاحقاً.
لقد مارس عبدالناصر أسوأ سلطوية تَحَكُم في تلك الدول تحت ذريعة الوحدة العربية التي كان يسوقها له محمد حسنين هيكل من مؤسسات الاعلام اليساري سواء كانت الصحف، المجلات وحتى القنوات الاذاعية عن طريق أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب الذي انكشف دجله وكذبه بعد الهزيمة ونكسة حرب عام 1967 من خلال البيانات المغلوطة التي كان يصدرها عبر الأثير الى الشعوب ويعلن الانتصار المزعوم الكاذب على جيش الدفاع الاسرائيلي الذي كان بحقيقة الأمر ينتصر في كل الجبهات العربية بل ويحتل أضعاف ما احتله عام 1948.
ومحمد حسنين هيكل جاء من حقبة امتلأت بالأكاذيب والخداع الحزبي بعد أن أجهض ضباط ثورة عام 1956 القيمة الوطنية لتلك الثورة جراء التحرر من الاستعمار، واستبدلوها بكرسي الحكم والتوسع الجغرافي بذاك الكرسي! فهذا عبدالحكيم عامر صاحب الليالي الحمراء وقيس عليه باقي ضباط الثورة بمن فيهم جمال عبدالناصر، لأنه يكفي فقط كي تكون خائناً لأمتك أن تكون غبياً وجاهلاً فما بالك لو اجتمعت العناصر الثلاثة معا... أن تكون عميلاً!؟ نعم أنا لا أصف عبدالناصر بالعمالة لجهة معينة بل هو من الغباء والجهالة ما جعله ربما أن يكون عميلاً دون أن يدري، ولكن من يدري هو محمد حسنين هيكل الذي تشعبت علاقاته غربا وشرقا وجميع أسرار السلطنة الناصرية في جعبته!!
لماذا المملكة الأردنية الهاشمية التي يشن عليها هيكل جُّب مذكراته الآن؟! سؤال يطرح نفسه في خضم تحولات خطيرة محتملة خلال فترة الخمس سنوات القادمة. وبالطبع قطر ليست مستثناة من هذا الأمر ولا نستطيع درء الشبهات عنها فهي أداة طيعة في يد من يريد رسم جغرافية جديدة للمنطقة وهيكل أيضاً نفسه أداة طيعة بيد القطريين! بالنسبة للقطريين ومن يقف خلفهم من وراء الباب الموارب قليلاً، لأننا نعرف من يقف وراء الكواليس، أن الملك الشاب عبدالله الثاني أخطأ حين صرح للاعلام أن المملكة يحاك لها أن تكون الوطن البديل للفلسطينيين وأنه يتوجس خيفة من الخطر الداهم لحكم الهاشميين لشرق نهر الأردن بعد أن أجبر عبدالله الأول خسارة حرب 1948 بسبب الأسلحة الفاسدة فخسرت المملكة ربع أراضيها، وحين ترك الأردن وحيداً في حرب 1967 التي باغتت اسرائيل الدول العربية بها خاصة مصر التي أبيدت جميع طائراتها العسكرية وأسر أو قتل عشرات الآلاف من جيشها الذي تاه في صحراء النقب وسيناء ومنهم من قتله العطش قبل اسرائيل!
يتهم "هيكل" الملك حسين بأنه عميل أميركي - إسرائيلي متعدد المواهب!! فتارة يقول أن الملك حسين على علاقة مع غولدا مائير وأن الملك أخبر سراً بموعد حرب اكتوبر 1973، وتارة يجتمع شهرياً مع الاسرائيليين، وأنه عميل للسي آي إيه ويقبض مليون دولار شهرياً، والكثير مما قيل ويحاك على شخصه الكريم وهو كله افتراء ودلس نابع عن حقد دفين من "هيكل" لطرف العائلة الهاشمية بسبب موت جمال عبدالناصر الذي يحمل هيكل مسؤوليته لطرف الملك حسين!! ومما روج أيضاً أن الملك حسين هو من وضع السُّم أو أوصل السُّم الى جسد عبدالناصر كما أشيع كذبا وبهتاناً!! في ذلك الوقت من عامي 1970 و1971 بعد وفاة زعيم القومية العربية جمال عبدالناصر.
ما يحزنني أن هيكل من بعد حقبة عبدالناصر انكفأ واكتفى بالقلم كي يبث عبره سمومه، تارة على شخص الرئيس الراحل أنور السادات، وتارة أخرى على الملك حسين وفي أوقات كثيرة على النظام السعودي وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة على تذكرهم. وبما أن هيكل متعود منذ القدم على كيل التهم والأباطيل من دون أسانيد تدعمها، فقد ادخرته قناة الجزيرة وحكام امبراطورية قطر العظمى ومن يقف من خلفهم وراء الكواليس الى الوقت الذي يأتي لاظهاره لتحقيق الغاية والهدف المنشود من وضع هكذا شخصية اعلامية اكتسبت خبراتها من حقبة نشأت بالأساس على الكذب والافتراء، بدءاً من رمي اليهود في البحر وإلى محاولة الاستيلاء على حكم الهاشميين في الأردن من خلال منظمة التحرير وحركة فتح فيما يسمى بمعارك "أيلول الأسود" 1970 التي حدثت برعاية "ناصرية" وإعلامية "هيكلية"!.
سالم أيوب - كاتب وصحفي أردني
التعليقات (0)