مواضيع اليوم

رعاع أم ثوار ... أنه الحول الادراكي

حسنين السراج

2012-02-02 15:33:19

0

 

يقول البرفيسور المختص في علم النفس قاسم حسين صالح :


عقلنا العربي - بشكل عام - عقل مصفوفات وقوالب جامدة، يقسم الناس إلى صنفين : (نحن و هم ) يرى في ألـ(نحن) المزايا الجميلة والصفات الراقية، فيما يرى في ألـ( هم ) ما هو قبيح وسلبي . ويرى في مواقف ( نحن ) إنها هي الصحيحة وإنها الحق بعينه، فيما يرى في مواقف (هم ) إنها الغلط بعينه . والتشخيص النفسي لهذه الحالة، أن هذا العقل مصاب بـ( حول ) إدراكي . فحوله الخارجي لا يريه في ألـ( هم ) أية صفة إيجابية أو سلوكا مهذبا أو شيئا جميلا . وحوله الداخلي لا يريه في ألـ( نحن ) أية صفة سلبية أو سلوكا سخيفا أو موقفا خاطئا . والعلّة في ذلك أن العقل العربي ( السلطوي لأسبابه، والشعبي لأسباب مختلفة ) متشكل من صور نمطية، أو قوالب إدراكية تتضمن تعميمات ساذجة ذات وجهين : ابيض مشرق جميل بخصوص ( نحن ) واسود قاتم بخصوص ( هم ) .(1)

مجرم فاجر أم ملاك طاهر ؟

الشعور بالأنتماء للمذهب وكأنه أنتماء للعشيرة . هذا الانتماء الذي يشعر صاحبه (ان أبناء المذهب مهما بدر منهم فهم على الاقل يعتقدون بعقيدة صحيحة ترضي الله ) التبرير والانحياز نتيجة طبيعية للأنتماء العصبي للمذهب . لو أنتقدنا شخصية دينية او سياسية معروفة بشرب دماء العراقيين حد الثمالة أمام أبناء مذهبه كثيرا ما نسمع هذه الجملة تتكرر ( لولا وقوف هذا الرجل بوجههم لما ابقوا منا أحد على قيد الحياة ) مع أنهم يعلمون أنه قتل أبرياء . الانحياز للمذهب يجعل فلان الفلاني قمة في الفضيلة وعلان العلاني قمة في الرذيلة وقد يكون الاثنان وجهان لعملة واحدة . الأنحياز سمة قديمة في المجتمع العراقي وظهرت بوضوح بعد 2003 خصوصا بعد ترسيخ الأنتماء المذهبي بعد بروز زعماء متعديين (سياسيين ودينيين) يتحدثون بأسم الفئة ومن كل الأتجاهات القومية والدينية والمذهبية . 

حين تحدث أحدهم عن جرائم أرتكبت ضد الانسانية بشكل مجرد دون ذكر اسماء سيستنكرها لكن حين تقول له ان الزعيم الديني أو السياسي الفلاني (الذي يؤيده هو ) مسؤول عن حدوثها , سيقول لك وبأنفعال : ( لا هذا غير صحيح هذه أشاعات من المحتل وأذنابه حتى يشوهون صورته ) وأذا وضعته في زاوية وأعطيته ارقام لا تقبل النقاش سيقول لك ( الرجل لا يدري وأذا عرف يتبرا منهم ) . أما أذا نسبت نفس الجرائم لزعيم ديني أو سياسي اخر (لا يؤيده ويخالفه في المذهب) سيقول لك : ( بالفعل هذا مجرم لعنة الله عليه ) وأذا قلت له : ( ماذا لو كانت هذه الافعال من فعل مدسوسين من المحتل لتشويه سمعته) لن يتقبل هذا الكلام وسيجده منافي للواقع والعقل لانه ليس بحق الزعيم الذي يحبه ويؤيده بل بحق زعيم اخر . 

في العراق وبصورة عامة وليس بالمطلق , المجتمعات (ذات الأغلبية الشيعية) تجد أن طارق الهاشمي مجرم ويجب أن يحاكم في أسرع وقت والمجتمعات (ذات الاغلبية السنية) تجد ان طارق الهاشمي مجني عليه ومدعى عليه ومظلوم وكل ما يحدث معه هو تسقيط سياسي . ولو قلبنا الأدوار وأفترضنا ان المتهم هو ليس طارق الهاشمي بل الزعيم فلان الفلاني (الشيعي) لوجدنا أن حكم المجتمع عليه سينقلب تماما وفي كلا المجتمعين .

ثوار هنا ... خونة هناك 

قم بتجربة بسيطة وأدخل الى الغرف الصوتية العقائدية في الأنترنت وتحديدا (الشيعية والسلفية) ستجد ان أكبر غرفة صوتية شيعية تؤيد نظام بشارالاسد وتقف ضد نظام البحرين (اي أنها تؤيد ثوار البحرين وتقف ضد ثوار سوريا) . أما أكبر غرفة صوتية سلفية فهي تؤيد نظام البحرين وتقف ضد نظام سوريا (بمعنى انها تؤيد ثورة سوريا وتقف ضد ثورة البحرين ) . 

هذا الشيعي الذي يشكك بثورة سوريا ويعتقد (أن ما يجري تحركه أمريكا واسرائيل وتدعمه تركيا والسعودية وقطر بسبب وقوف سوريا ضد أسرائيل ودعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين ) تحول بطرفة عين الى داعم بكل ما لديه من مشاعر جياشة لثوار البحرين ويتحدث بكل حزن وألم عن القمع الذي تعرضوا له من حكومة البحرين . وهذا السلفي الذي يتحدث عن الثورة السورية (بكل شاعرية ) تحول بطرفة عين الى (شخص يتهم ثوار البحرين بانهم عملاء لأيران وتابعين لها وسيبين لك كيف أن ايران تتدخل في البحرين وكيف ان ولاء شيعة البحرين لايران ) .الشيعي الذي يؤيد ثورة البحرين والسني الذي يؤيد ثورة سوريا كلاهما يدعي أنه يكره الظلم ويكره تعرض أحدهم للاضطهاد لكنه لا ينظر بعين الانصاف بل ينظر بعين الانحياز للفئة . 

من بعثي الى علوي 

لا أدري متى تحول بشار الأسد من بعثي الى علوي في ذهنية المجتمع الشيعي ؟ وكيف تحول نسبة من الشيعة ممن كانوا يلقون باللوم في جزء مما يحصل في العراق من عنف وأرهاب على سوريا (التي تأوي عزت الدوري ويونس الاحمد ) كيف تحولوا الى مدافعين عن (سوريا العلوية) ؟ وكيف عقلوا ان ما يحدث في سوريا هو مؤامرة ضد الشيعة كما أشار لذلك احد الخطباء قبل فترة ؟ 

أعلم ان بشار الاسد علوي واعلم أنه يعطي لنسبة من العلوين مكانة في الدولة وهذه سنة متبعة لدى حكام حزب البعث فكما ان صدام قرب ابناء قريته منه , بشار الأسد أيضا قرب نسبة من ابناء مذهبه منه ليس لأنه طائفي بل لأنه يرى العلويين كأبناء عشيرة يستطيع بهم أن يتسلط على عموم الشعب . والواقع ان لا بشار الاسد يهتم لعقائد العلويين ولا صدام حسين يهتم لعقائد السنة لكن المحافظة على السلطة تطلب منهما أتباع سياسة تقوية الاقلية ( محل الثقة ) على الاغلبية . قد يقول قائل ان حزب البعث السوري غير حزب البعث العراقي . وهذا صحيح جدا لكن لا يوجد فرق بين وليدي ميشيل عفلق كلاهما اخوين شقيقين ورثا نفس الصفات الواراثية ويستخدمان نفس الادوات ( سجون – مؤامرات – غدر – خداع – شعارات – أحتفالات بالثورة – تمجيد بالقائد – مخبرين سريين – ووووو.... ألخ ) 

السعودية صوت المظلومين

لا ادري منذ متى السعودية تدعم الثورات ؟ ومنذ متى تشجع على الخروج على الحاكم الظالم ؟ وكيف وفقت بين قمعها للتظاهرات داخل السعودية ودعمها للثورة السورية ؟ والاكثر من ذلك ان نسبة من السعوديين يتفاعلون مع الثورة السورية ويتحدثون عنها بكل حماس وينتمون اليها بكل جوارحهم ومشاعرهم . كيف تحول هذا الانسان الذي بنيت أفكاره وعقائده على حرمة الخروج على ولي الامر الى أنسان يدعم الثورة على الحاكم الظالم ويدعم ثوار سوريا بكل قوة ؟

أيران صوت المحرومين

ولا أدري كيف تقوم أيران التي قمعت الثورة الشبابية التي طالبت بالحقوق والحريات بتأييد ثورة البحرين ودعمها ؟ منذ متى ايران تنصت لمطالب المحتجين ؟ أيران التي أعتقلت رموز الأنتفاضة السلمية وقادتها وقمعت شبابها اصبحت فجأة (حنينة وشفوقة)على ثوار البحرين وتؤيد حصولهم على حقوقهم . 

ليس ذنب الثائر البحريني الذي يطالب بحقوقه المدنية أن تتخذ أيران من ثورته موقف أيجابي وليس ذنب الثائر السوري الذي يطالب بحقوقه المدنية أن تتخذ السعودية أو قطر أو تركيا من ثورته موقف أيجابي . ومن الاجحاف أن يتهم المحتجين بالعمالة لدول تتخذ مواقف ايجابية منهم وموقفها الايجابي له علاقة وثيقة (بالنفوذ وحفظ التوازن السياسي) وليس لها أي علاقة تذكر بواقع الثورة ومطالبها الحقيقية . 

يقول الأمام علي : (أعرف الحق تعرف أهله ) . ومتى ما كان مجتمعنا ينظر الى المذهب على أنه أحد الطرق التي تؤدي الى الله ومتى ما كان المذهب مجرد طريقة للتواصل مع الله ومتى ما أندثر الشعور بالانتماء للمذهب وكأنه انتماء للعشيرة سيكون هناك أمل في أن نعرف الحق ثم نبحث عن أهله . 

 

المصادر : 1- 

قاسم حسين صالح – الحوار المتمدن – الحول الادراكي – 27/6/2007

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !