الكثير الكثير من الجدل اثير حول الفتوى الاخيرة التي اقترفها فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي والمروجة لمبدأ رضاع الكبير كمخرج شرعي وملائم لمعضلة الاختلاط التي ينوء بحملها رجال العلم والفقه في المملكة العربية السعودية..
ولا ننوي هنا خوضا في الفقه.. فالكثير من السادة العلماء الاجلاء كفوا المؤمنين شر الكلام ولم يبخسوا فضيلة الشيخ حقه من التقريع والتسفيه صراحا بواحا او تلميحا اقرب للجهر..وامطروا رأسه الشريف بالآراء التي لا تعدو مجال الرفض او التنكير او التغريب او الرمي بالشذوذ الفكري حاشا بعض الاصوات المنفردة الخافتة التي جاملته القول أن الامر يمكن عده اجتهاد جانبه الصواب..ولا نحاول مطلقا ان نسئ لفضيلة الشيخ ..وليس من المفيد هنا ولا اللائق الغمز السئ من قناة الخيارات الدينية والمذهبية للشعب السعودي الكريم..
ولكننا لا نملك الا ملاحظة التخارس المريب المداهن من قبل وسائل الاعلام الرسمية تجاه موضوعة كون المتحدث ينتمي الى النظام الرسمي ويتحدث متكئا على الحصانة التي يتمتع بها.. مما يثير التساؤل عن مدى المسؤولية التي تتحملها المؤسسة الرسمية تجاه هذه الفتاوى الصادمة والمخالفة والمعارضة للذوق العام، وللفطرة السليمة، وللعلم، وللقناعات السائدة مجتمعيا..
.فالرجل يجرجر خلف اسمه دائما لقبه الفخم كمستشار وناصح في الدوائر العليا للحكم .وليس هناك من فرصة لنثر ما تساقط من كلماته على اعمدة الصحف ووسائل الاعلام الا اعتمادا واسترضاءً وتملقاً لتموضعه بالقرب من مراكز القرار .. وليس لعلميته او المعيته او عبقرية استنباطاته الفقهية التي وصلتنا منها شذرات تكفي لتقييمها اي دخل في تقييم منزلته..
وحتى تفضيل الكثير من مشايخ الفقه الامتناع عن المبادرة في مناقشة مثل هذه المسائل، من حيث اعتبارها من الأمور التي قد تخل بالدين ومفاهيمه لدى الناس، والتزام تقية الصمت وعدم التعليق مع أخذ موقف الضد..والاكتفاء ببعض الاعتراض الخجول المقنن والمؤطر بخطوط تبقيه ضمن دوائر الامن والسلامة والعافية..لم يكن الا اتقاء لشرور التي قد تصيب من يتحرش بمن هم اولى بالمعروف..
ان التغافل المريب لمؤسسة الحكم وتوقعه المسبق وتواتره وخصوصا تزامنه مع اقالة السيد جمال خاشقجي من رئاسة تحرير الوطن بسبب مقال يتحفظ قليلا على بعض ممارسات المؤسسة السلفية,يؤدي بالتاكيد الى تصور ان المملكة العربية السعودية تبتعد بانتظام عن شكل الدولة الحديثة الذي تروج له وسائل الاعلام المعبرة عن وجهات النظر الرسمية السعودية..ويؤسفنا القول ان استمرار هذه السياسة يعد مقامرة غير مأمونة الجانب بعلاقة الحكم مع المواطن الفرد ومع المجتمع ككل..
ان تعامل الحكم الممالئ والمتساهل مع مثل هذه التفلتات والتعاطي مع المؤسسة الدينية حسب طريقة الفراعنة مع فيضان النيل والتمادي بتقديم الاضاحي من عرائس الحقوق المدنية المشروعة للمرأة والاقليات المختلفة فكريا وعقائديا يبعث على التخوف من تصاعد التقاطع ما بين المؤسسة الحاكمة والشعب وبما يصب في مصلحة المؤسسة الدينية المناهضة لمشروع الدولة المدنية والمبنية على القانون والمصالح الوطنية العليا..
ان الثورة المعلوماتية وتطور التواصل الاعلامي ما بين الشعوب وامتطاء هذه التقنيات من قبل المؤسسة السلفية في نشر الروح المغلقة المتحجرة المغلفة باطار زائف من قداسة ملتبسة ..وتغاضي الحكم عن التصدي لهذه الممارسات تحت طائلة تفادي الصدام مع المنابر المجاهرة بالدعوة بطول العمر للسلطان..قد يعرض النظام الى مشاكل سياسية مع المجتمعات غير الملزمة بوجهات نظر مغرقة بالاحادية والتعنت الفكري..ويدفع الكثير من التجمعات الدولية الى طرح الاسئلة التي تضع الحكم في دائرة الاتهام بالتماهي والتواطؤ مع عملية الترويج لصورة مشوهة متطرفة للفقه الاسلامي وبطريقة مسرفة البعد والتعارض مع الشعار المعلن بانتهاج الانفتاح والحوار والوسطية كمنهج حياة واسلوب للتعاطي مع المنعطفات التي تحكم صيرورة الحراك المجتمعي ..
يقول الاستاذ عبد الرحمن الراشد ان"الاستنجاد المتكرر بالسلطات الرسمية في المملكة العربية السعودية لإنهاء الحظر على المرأة لقيادة السيارة، أسلوب ثبت فشله"نافضا يد الحكم من اي امكانية للتدخل ضد المؤسسة الدينية في المسائل المثيرة للاهتمام الشعبي..ولكننا نشفق على بلاد الحرمين من الخسائر الفادحة والضرر البالغ الذي قد تسببه سياسة الامعان في الركون الى دعم المؤسسة الدينية للجهد السياسي والاعلامي للدولة ولصورة وسمعة البلد في الاوساط الدولية.. ولخطل الاعتماد على شريك متغول متفلت لا يجد مبررا لوجوده الا من خلال التقوت على الحقوق المدنية للفئات الاقل حظوة والاكثر ضعفا..
لقد احتاج الخليفة عمر بن الخطاب"رض"الى اشهر قليلة ليطمئن الى قوة الدولة الفتية ويعلن رفضه اسلوب مجاملة المؤلفة قلوبهم وليخيرهم ما بين السيف او المواطنة الصالحة..ولكن يبدو ان كل هذه السنوات لم تقنع المملكة بصلابة الارضية التي تقف عليها والتي تهددها سياسة الاسراف في اعتماد اسلوب تأليف السنة وقلوب المؤسسة الدينية غير مأمونة الولاء ولا الجانب ..
التعليقات (0)