خلال نهاية الأسبوع الأخير، وقع حدثان رياضيان بارزان يدلان على أن كرة القدم تتمتع بسلطة كبيرة وتحرك ميزانيات ضخمة تسيل اللعاب.
الحدث الأول جاء من الريف، وبالضبط من الحسيمة التي صعد فريقها المحلي إلى الدرجة الأولى من البطولة الوطنية. مبروك للريف وأبنائه الفخورين بفريقهم المحلي. والحدث الثاني وقع في الدار البيضاء عندما تطلب تنصيب الرئيس الجديد لفريق الرجاء البيضاوي ست ساعات من الصراع والخصام والاحتكاك قبل أن يعتلي هذا الرئيس الجديد منصة الرئاسة.
الرئيس السابق للرجاء ترك فائضا ماليا قدره مليار و200 مليون. والفريق الريفي الصاعد إلى الدرجة الأولى سيرى كيف سيتهافت عليه المعلنون الريفيون الراغبون في ربط أسماء شركاتهم باسم الفريق الكروي لشباب الحسيمة.
وكرة القدم، بالإضافة إلى كونها عنصر تلاحم شعبي ووطني حول فريق ورمزه وشعاره وألوانه، فهي كذلك بورصة مالية تتحرك فيها رؤوس أموال ضخمة. وهذا ما لم يفهمه خالد الناصري، وزير الاتصال، الذي فضل عدم الاعتراف بفشله في ضمان متابعة المغاربة لمباريات كأس العالم وانصرف لمهاجمة «الجزيرة الرياضية» التي اشترت حقوق البث. فهو لازال يعتقد أن عالم كرة القدم لازال فيه مكان للشفقة أو الصدقة. والحال أن قنوات العالم بأسره تتصارع من أجل الظفر بعقود تنافسية لاقتناء حقوق بث مقابلات المونديال إلا وزيرنا في الاتصال، فهو الوحيد الذي لازال يعتقد أنه إذا بعثر ما بين حاجبيه في البرلمان محتجا على الاحتكار فإن العالم سيرق لحاله ويمنحه فرجة مجانية وما على السي الناصري سوى أن «يبرد» خاطره، «والله وما حطيتيهم صحاح أوليدي لا تفرجتي».
عندما نرى كيف يتصارع الناس للحصول على منصب رئاسة الفريق، وكيف ينتقل لاعب من فريق إلى فريق آخر لمجرد أنه يدفع أكثر، وكيف تبيع الفرق ظهور لاعبيها وصدورهم لحمل أسماء شركات كبرى وماركات عالمية، نفهم أن كرة القدم ليست مجرد نشاط رياضي لتزجية الوقت، وإنما هي نشاط تجاري مربح يصنع ثراء البعض، لكنه للأسف الشديد يمكن أن يصنع تعاسة البعض الآخر.
وشخصيا، كنت أعتقد أن الوفاة المأساوية والمفاجئة للاعب رجاء أكادير، الراحل عبد الهادي حداد، ستفتح النقاش واسعا حول ظاهرة الموت الفجائي للاعبين فوق أرضية الملاعب. لكن شيئا من هذا لم يحدث. فقد دفن اللاعب الشاب، الذي لم يكن يتجاوز عمره يوم وفاته 23 سنة، ودفنت معه أسرار وفاته المبكرة.
والمثير للاستغراب هو أن هذا الصمت من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم، والنوادي الكروية، يتكرر في كل مرة تخور فيها قوى لاعب مغربي فوق العشب ويسقط ميتا أمام أنظار الجمهور.
ولعل الجميع يتذكر اللاعب المتألق عادل التكرادي، الذي تخرج من معهد مولاي رشيد ولعب لمنتخب الفتيان والشباب قبل أن يلعب لفريق أولمبيك خريبكة والفتح الرياضي.
هذا اللاعب الشاب باغته الموت المفاجئ خلال حصة تدريبية مع فريقه أولمبيك خريبكة، فأصبح والده أمام مصيبتين: مصيبة الموت المبكر لابنه، ومصيبة تنكر شركات التأمين لمسؤوليتها في التعويض عن وفاة اللاعب. وقد خسرت شركة التأمين على عائلة اللاعب جملة واحدة فقط وهي أنها لا تعوض على الوفاة بالسكتة القلبية.
وخلال مباراة نصف نهاية كأس العرش التي جمعت بين فريقي الوداد والرجاء البيضاويين عام 2001، رأى الجميع كيف سقط اللاعب الدولي يوسف بلخوجة مغشيا عليه. واعتقد الكثيرون حينها أنه سقط نتيجة احتكاك مع زكرياء عبوب، لاعب الرجاء سابقا، قبل أن يتأكد أنه فارق الحياة بسبب السكتة القلبية.
وبعد دفن اللاعب الدولي بدأت أسرته تكابد يوميا مع الجامعة، فحظها لم يكن أوفر من حظ عائلة عادل التكرادي. وبعد طول انتظار وقرع للأبواب، توصلت عائلة بلخوجة بمنح المباريات التي كان الراحل قد خاضها في صفوف المنتخب الوطني.
ولم تتوقف سلسلة الموت الفجائي للاعبين عند هؤلاء الضحايا فقط، بل استمرت وسط صمت مشبوه للجامعة والأطر الطبية للنوادي الكروية.
فخلال مباراة إعدادية بين الرشاد البرنوصي والاتحاد البيضاوي، الذي كان يخوض منافسات فرق الهواة، توفي حميد معادية الذي كان يدافع في بداية مساره عن قميص الوداد البيضاوي، في ظروف غامضة، قبل أن يقال إنه توفي بالسكتة القلبية.
ورغم أن مسلسل الموت المفاجئ للاعبين استمر إلى حدود الموسم الكروي 2009 – 2010، بوفاة عبد الهادي حداد لاعب رجاء أكادير في ملعب الانبعاث الجنوبي خلال حصة تدريبية، فإن المثير للاستغراب والدهشة، والشك أيضا، هو أنه لا أحد تجرأ على فتح هذا الموضوع المسكوت عنه في الكرة الوطنية.. موضوع الملف الصحي للاعبين الذين يلعبون في البطولة الوطنية.
بالنسبة إلى عائلات اللاعبين ضحايا السكتة القلبية المفاجئة، فشركات التأمين تتهرب من تحمل مسؤوليتها عندما تتذرع بأنها لا تؤمّن على السكتة القلبية.
ولعل الخطير في الأمر أن عنصرا مهما آخر داخل المعادلة الكروية لا يستفيد من أي تأمين على حياته أو الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها أثناء أدائه لمهمته، هذا العنصر هو «لاربيط».
وأمامنا مثال الحكم الدولي خالد رمسيس الذي أصابته الكرة ونقل إلى المستشفى وهو في وضع مقلق، ليفاجأ هو وأسرته بأن الحكام لا يؤمَّنون ضد أخطار من ذلك النوع. ولازال الرجل إلى اليوم يعاني وتتدهور حالته الصحية من حين إلى آخر ويواجه مشاكل للدخول إلى مركز الترويض.
لماذا نقرع جرس الإنذار بخصوص موت اللاعبين المفاجئ بالسكتة القلبية الآن؟ ببساطة، لأن أغلب المسؤولين واللاعبين في البطولة، وجزءا مهما من الرأي العام الرياضي، يعلمون بأن لاعبا مغربيا يلعب في فريق يوجد بالدرجة الأولى يعاني هو أيضا من مرض «اختلال دقات القلب»، أو ما يسمى بالفرنسية troubles du rythme cardiaque.
ورغم علم مسؤولي النادي بالمرض الخطير لهذا اللاعب، والذي يهدده بالموت الفجائي أثناء التدريب أو أثناء المباريات، كما وقع لزملائه السابقين، فإن أحدا منهم لا يريد أن يتحمل مسؤولياته.
والمسؤولية هنا مشتركة بين اللاعب وعائلته وإدارة الفريق. فاللاعب يغامر بحياته كل يوم ويتحدى المرض، لأنه لا يريد أن يرى مشواره الرياضي يتوقف، فهو يحلم بالاحتراف في الخارج، حتى ولو كلفه ذلك اللعب بحياته. وعائلته تعرف حالته الصحية جيدا، لكنها تغمض عينيها لأنها تعول على احتراف ابنها في الخارج وتحلم برؤيته يباع بوزنه ذهبا. وإدارة الفريق حريصة على التكتم على حالته الصحية حتى تبيعه بثمن مناسب، فهي تعرف أن الحديث عن مرضه يمكن أن يفشل الصفقة. ولعل غباء بعض النوادي يصور لها أن الفرق الأجنبية المحترفة تشتري اللاعبين دون أن تخضعهم لفحص طبي دقيق وشامل. وفي حالة هذا اللاعب، فإن أول اختبار للتخطيط القلبي سيكشف لها أنه يعاني من اختلال في ضرباته. وأمامنا حالة لاعب الدفاع الحسني الجديدي «باب نداي لاتير»، الذي تم التخلي عن اقتنائه من طرف الإمارات العربية المتحدة بسبب اكتشاف إصابته بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي. وهي الإصابة التي لم يكن فريق الدفاع الحسني الجديدي على علم بها، نظرا إلى غياب ملف طبي دقيق ومتكامل للاعبين.
المصيبة الكبرى هي أن الفرق الكروية تربح الأموال الطائلة على ظهور اللاعبين، لكنها «تتقشح» عندما يتعلق الأمر بتغطية نفقات الملف الطبي الخاص بكل لاعب، وهو الملف الذي لا تتعدى مصاريفه 3000 درهم لكل لاعب. وكثير من رؤساء النوادي يرفضون أداء هذا المبلغ بحجة أن الفحوصات الطبية المعمقة لا طائل من ورائها، والدليل على ذلك أن هناك لاعبين لم يتعرضوا للفحص الطبي طيلة مشوارهم الكروي، وهاهم لازالوا على قيد الحياة إلى الآن.
وحتى لا يصاب الجمهور الكروي بالصدمة مجددا وهو يسمع خبر الوفاة المفاجئة للاعب إضافي، فإن الجامعة والبرلمان مجبران معا على وضع مشروع قانون حول المراقبة الصحية للاعبين، ويجبر رؤساء النوادي على جعل الفحص الطبي الدقيق مرحلة ضرورية قبل قبول اللاعبين في صفوفهم.
يجب أن يسقط هذا الصمت المتواطئ والذي تزهق بسببه أرواح اللاعبين الأبرياء. في الوقت الذي تغتني فيه النوادي و«تلعب» بالملايير.
التعليقات (0)