في خطوة لا تخلو من استخفاف كبير بتطلعات الشعب وآماله في اختفاء رموز الماضي من العمل السياسي، أقدم مجموعة من "النوام" في غرفة المستشارين، على بعث رسالة إلى مستشار الملك، محمد معتصم، داعين فيها إلى تأجيل انتخابات مجلسهم "الموقر" حتى غاية عام 2018.
وبطبيعة الحال، فحين يستيقظ السادة "النوام" بالغرفة الثانية، على وقع طرق مزعج للتغييرات الحالية لبابهم، ويقرروا رفع السقف عاليا الى غاية هذا التاريخ بالضبط ، المفروض أن تنتهي فيه ولايتهم، فليس من قبيل الصدفة أو السذاجة كما يظن البعض، ولكن لرغبتهم في أن تبدأ "البورصة السياسية" في المراوحة بين المزايدة والمناقصة كي تغلق، بعد ذلك، عند حدود تاريخ يرضيهم و يقيهم حر وشر انتخابات سابقة لأوانها، قد تعجل بحضور أجلهم، كما هو شبه محسوم الان.
كان الجميع يتنظر أن يرتقي الاداء السياسي ويرتفع إيقاع المنافسة بين مكونات المشهد السياسي البئيس، بعد دخول دستور جديد على زلاته و علاته، فاذا بنا نضطر الى استقبال رسالة من تحت مياه السياسة المتحركة، التي تهدد بإغراق الامل في استكمال الولاية في المؤسسات المنتخبة، أظهر "الممثلون" من خلالها قدرة كبيرة على الارتجال وخطفوا بذلك الاضواء على إثر هذه "القفزة" غير المتوقعة.
المطالبة الجديدة بتأجيل الانتخابات لا علاقة لها بما طالبت به بعض الاحزاب السياسية، التي وضعت شروطا للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، كتعديل اللوائح الانتخابية، و التي، بالمناسبة، لم تشترط تعديلها قبل الاستفتاء على الدستور؟!، أسمى استحقاق سياسي، وضرورة تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على معترك المحطات القادمة. فنداء الاستغاثة الذي أطلقه "الغارقون الجدد"، بعد انقلاب سفينة المؤسسات المفاجئ، جراء تسونامي التحولات الكبيرة الذي وصلت امواجه الى سواحل المملكة المغربية، يعكس حالة من التخوف الشديد التي تنتاب الكثير من هؤلاء الذين اصبح مستقبلهم السياسي مهددا إن لم نقل منتهيا.
فالسلوك السياسي الجديد الذي عبر عنه "النوام" في الغرفة الثانية، يستدعي أن تنتفض الاحزاب السياسية لتُخلص نفسها من عبء امثال هؤلاء النواب و تتخلص هي الاخرى من عجزها المزمن عن احداث ثورة حقيقية من الداخل تسمح لها بأن ترقى إلى حجم الاصلاحات التي انتزعها الشارع بعد هبته البطولية.
واذا كان بعض من الاحزاب السياسية التي ظهر بعض من قيادييها على موقع "يوتوب" في مهرجانات أشبه ما تكون إلى حفلات الرقص، كما تابع الكثير ممن حضروا كلمة القيادي في التجمع الوطني للأحرار ووزير المالية الحالي، نور الدين مزوار، في تاونات، و الذي لم يستطع أن يقاوم تفاعل اطرافه السفلى مع ايقاع شعبي رافقه شعار " الشعب يقول نعم للدستور".
سيكون من الصعب على الكثير من الاحزاب السياسية مواجهة الواقع الجديد الذي افرزه مشروع القانون التنظيمي للأحزاب، الذي سلمته وزارة الداخلية الى زعمائها، فمشكلة الحزب السياسي عندنا تنبع من كونه يعاني من جفاف حاد في القدرة على استيعاب متطلبات المرحلة، ولهذا فنمو فكر رصين في الحقل السياسي سيظل املا بعيد المنال أمام رفض التفاعل الايجابي مع متغيرات المعادلة السياسية الحالية و كذا استماتة "الديناصورات" في الدفاع عن مواقعهم القيادية ومصالحهم المرحلية.
ولن تكون المفاجأة كبيرة اذا ما قررت الاحزاب السياسية ان تزُف لنا ، بمناسبة الاستحقاقات القادمة، اسماء مترشحين لاعلاقة تربطهم بالعمل السياسي، لا من قريب ولا من بعيد، و تستدعي من اجلهم القاموس النضالي المعهود لتزكيتهم و دعمهم دون أي شعور بالحرج.
لقد تبين بما لايدع مجال للشك ان المعركة الحقيقية التي يجب ان يخوضها المدافعون اليوم عن مغرب ديمقراطي لا يجب ان تنحصر في جبهة المطالبة بملكية برلمانية وكفى وانما ينبغي توزيع "محاربيها" على مختلف الجيوب المقاوِمة لمحاصرة مد تيارات الفساد والكساد السياسي على حد سواء.
فالبقاء في الموقع نفسه وترديد الشعارات نفسها التي تطالب بإسقاط الفساد لن يكون ذات فائدة كبيرة وفعالة في مواجهة غير متكافئة يحرص الكثير على اطالة امدها لتشحيم آلته الاعلامية الصدئة!.
ولعل ازمة الفعل السياسي، الذي لم يعد قابلا للصرف في حاضر الدستور الجديد، لا تخص فقط الاحزاب التي باركت الاصلاحات الدستورية وشاركت في حملة الدعوة الى التصويت الايجابي عليها، وانما تشمل كذلك احزابا اخرى عجزت، من خلال مشاركتها المتكررة في استحقاقات سابقة تحت سقف دستوري اكثر انخفاض، عن انتزاع موقع متقدم لها في الخارطة السياسية من خلال العمل التنظيمي والتعبوي والتأطيري المضن، ولهذا نراها اليوم وهي تسعى الى اسهل الطرق وهي الركوب على موجة الاحتجاجات الشعبية، في "نزهة استطلاعية" لعلها تستطيع تعزيز شعبيتها و استشراف مدى قدرتها على الوصول سالمة، وباقل التكاليف، الى مرفأ المصالح السياسية المنتظر.
فأمام هكذا واقع، وحتى في ترسيخ نظام ملكية برلمانية، من المستبعد جدا أن تطرأ تحولات حقيقية على ملامح المشهد السياسي، الذي تزدحم بداخله مختلف الوان الطيف بدون جدوى، بمقدورها انقاذ العمل الحزبي من غرق محقق، ما لم تحصل ثورة حقيقية من داخل الاحزاب السياسية تطيح بالزعامات الخالدة وتزيح القيادات الهرمة التي تعتبر عقبات حقيقية امام رغبة الشباب الجامحة في تأهيل النخب القادرة على تحمل المسؤولية القادمة.
لقد اصبح من العاجل واللازم على الاحزاب السياسية الطامحة والطامعة في انتزاع مواقع متقدمة في الخارطة السياسية القادمة، ان تبدا في تطهير قنواتها التنظيمية التي اعتراها الصدأ جراء غياب تدفق ضروري ومتواصل لدماء سليمة و جديدة.
فحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي رسم بصمات ناصعة على المسار النضالي لعقود خلت، يجد نفسه امام امتحان المرحلة، فالأعيان ولوبيات الفساد، الذين نجحوا في اقتحام مقراته وانتزاع التزكيات باسمه في محطات سابقة، في عملية نصب واحتيال سياسي على المواطنين الذين منحوهم اصواتهم غير ما مرة، يتسارعون اليوم، من جديد، لارتداء قميص "الوردة" من اجل المشاركة في اللعبة القادمة.
لن يكون للعمل السياسي أي جدوى وأي تأثير، على مسار التغيير الايجابي، دون المشاركة الواسعة والنوعية، ولهذا سيبقى هذا الهدف رهين بمدى استعداد النخبة لإحداث منعطف لتخليص الحزب من قبضة "المُمَخزنين" و تعبيد الطريق الصحيح بالكثير من الخطوات الشجاعة التي قد تسهم، في حال ترسيخها، في اعادة بناء جسر الثقة على انقاض غرق سفينة لم يتأخر ركابها، بمجرد احساسهم بالخطر، في بعث رسالة استغاثة من تحت الماء.
التعليقات (0)