قوله تعالى : "ويل لكل أفاك أثيم ويل واد في جهنم . توعد من ترك الاستدلال بآياته" . والأفاك : الكذاب . والإفك الكذب . أثيم أي : مرتكب للإثم . والمراد فيما روى : النضر بن الحارث وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة . وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه . يسمع آيات الله تتلى عليه يعني آيات القرآن . ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد ، مأخوذ من صر الصرة إذا شدها . قال معنا
ه ابن عباس وغيره . وقيل : أصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه . و أن من كأن مخففة من الثقيلة ، كأنه لم يسمعها ، والضمير ضمير الشأن ، كما في قوله : .
كأن ظبية تعطو إلى ناظر السلم
ومحل الجملة النصب ، أي : يصر مثل غير السامع .
قوله تعالى : "وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا نحو قوله في الزقوم : إنه الزبد والتمر" ، وقوله في خزنة جهنم : "إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي" . أولئك لهم عذاب مهين مذل مخز . من ورائهم جهنم أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم . وقال ابن عباس : من ورائهم جهنم أي : أمامهم ، نظيره : من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد أي : من أمامه . قال :
أليس ورائي إن تراخت منيتي أدب مع الولدان أزحف كالنسر
ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا أي من المال والولد ، نظيره : لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أي : من المال والولد . ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء يعني الأصنام . ولهم عذاب عظيم أي دائم مؤلم .
جملة " هذا هدى " استئناف ابتدائي انتقل به من وصف القرآن في ذاته بأنه منزل من الله وأنه من آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى ، فالإشارة بقوله هذا إلى القرآن الذي هو في حال النزول والتلاوة فهو كالشيء المشاهد ، ولأنه قد سبق من أوصافه من قوله "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" وقوله"تلك آيات الله "إلى آخره ما صيره متميزا شخصا بحسن الإشارة إليه .
ووصف القرآن بأنه هدى من الوصف بالمصدر للمبالغة ، أي : هاد للناس ، فمن آمن فقد اهتدى ومن كفر به فله عذاب لأنه حرم نفسه من الهدى فكان في الضلال وارتبق في المفاسد والآثام .
[ ص: 335 ] فجملة " والذين كفروا " عطف على جملة " هذا هدى " والمناسبة أن القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكر بها ، فالذين كفروا بآيات الله كفروا بالقرآن في عموم الآيات ، وهذا واقع موقع التذييل لما تقدمه ابتداء من قوله "ويل لكل أفاك أثيم" .
وجيء بالموصول وصلته لما تشعر به الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب .
واستحضروا في هذا المقام بعنوان الكفر دون عنواني الإصرار والاستكبار اللذين استحضروا بهما في قوله ثم يصر مستكبرا لأن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم الانتفاع بالقرآن وهو النعمة العظمى التي جاءتهم من الله فقابلوها بالكفران عوضا عن الشكر ، كما جاء في قوله تعالى "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" .
والرجز : أشد العذاب ، قال تعالى "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون" .
ويجوز أن يكون حرف ( من ) للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض ، أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده .
و " أليم " يجوز أن يكون وصفا لـ " عذاب " فيكون مرفوعا وكذلك قرأه الجمهور . ويجوز أن يكون وصفا لـ ( رجز ) فيكون مجرورا كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم.
بوجمعة بولحية.
التعليقات (0)