من أجل بناء مغرب حداثي ديمقراطي
إلى
جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب
جلالة الملك
كما تعرفون الوضع العام الذي يعيشه المغرب من أزمات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وتضييق على الحريات وحقوق الإنسان، وكما لا يخفى عليكم معاناة الشعب المغربي من وطأة الإستبداد والجور وتآمر بعض اللوبيات عليه، قررنا رفع هذا المقال لسدتكم من أجل التذكير والإحاطة ومن أجل بناء مغرب ديمقراطي حداثي يحترم المساواة والعدل والحرية ويضمن للمواطنين كرامتهم
إن المخاض الذي يعيشه المغرب في الوقت الراهن من حركات إحتجاجية ونضال جماهيري، هو يعبر بالأساس عن واقع السخط الشعبي على طريقة تدبير مؤسسات الدولة، هذا المخاض الذي بادرتم في إطاره إلى تعديل دستوري، وللأسف أن هذه المبادرة أيضا خضعت لنفس قوانين وسلوكات الماضي، وكما تعرفون أن أخطاء الماضي التي أرتكبت منذ إستقلال المغرب إلى غاية توليكم عرش المملكة، لا زلنا ندفع ثمنها في الحاضر، لأن الشعوب لا تنفلت من ماضيها بقرار سياسي وحسب، بل عبر سيرورة وبناء مستمر، ولكي لا تتم إعادة نفس أخطاء الماضي بحذافيرها، نحاول في هذا اليوم أن نتطرق إلى بعض الأمور التي تبدو ضرورية وعاجلة من أجل بناء المغرب المنشود
جلالة الملك
إن إصلاح أوضاع المغرب يبدأ من إعادة النظر في طبيعة المحيط الملكي وعلاقاته بالشعب وبمؤسسات الدولة، وإن كنا لا نتهم كل المحيط الملكي بالفساد وبتمويه الحقائق وبالهيمنة اللامشروعة على كل دواليب الدولة، إلا أننا نشير إلى أن بعض هؤلاء هم المسؤولون عن هذه المأساة التي يعيشها المغرب من فساد سياسي وإقتصادي وديبلوماسي وإجتماعي، ولا يمكن للمغرب أن يتقدم إلى الأمام بدون قراءة نقدية صريحة لهذا المعطى الحساس وإتخاذ قرارات جريئة ومتقدمة بخصوص هذا المحيط الملكي، التي من شأنها أن تقلب الموازين من سيء إلى أحسن
لا يمكن بناء دولة مغربية حديثة بدون القطع مع الإختطافات والتعذيبات والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المعتقلات السرية للإجهزة الإستخباراتية المغربية، ولا يمكن طي صفحة الماضي بدون محاسبة ما يعرف بسنوات الرصاص وعقاب الجلادين الذين لا زالوا يتربعون إلى وقتنا هذا على عرش القرار الأمني في البلاد، ونخص بالذكر الجنرالات ك حسني بنسليمان وحميدو لعنيكري وعبد الحق البناني وبوشعيب عروب وغيرهم من ديناصورات المؤسسة البكماء، والمسؤولين الذين تبث تورطهم في ملفات إنتهاكات حقوق الإنسان ك حفيظ بنهاشم وعبد اللطيف الحموشي ... واللائحة طويلة، أما مسألة اللقاءات التشاورية والتواصلية والمجالس فلن تؤتي بأكلها ولا تعتبر سوى ذر الرماد في العيون، وهنا نعيد طرح موضوع معتقل تمارة السري الذي يُعتبر نقطة سوداء في تاريخ المغرب، ونناشد شخصكم بإتخاد قرار شجاع ينص على إغلاق هذا العار المعتقل السري بشكل نهائي وتقديم إعتدار رسمي إلى ضحايا هذا المعتقل، لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تضحك الحكومات على المنتظم الدولي والحقوقين بإنكار وجود هذا المعتقل
تنحي المؤسسة الملكية عن الهيمنة على الحقل السياسي، وذلك بإعلانها الصريح والتنصيص على ذلك قانونيا، لأنه لا يعقل أن تُدار دواليب السياسة بنفس ممارسات القرون السابقة، إن الدولة هي تعاقد بين أفراد الشعب لضمان مصالحهم وليس من أجل مصلحة طبقة أو عائلة واحدة، إن الملك هو فرد من أفراد الشعب وليس مالكا لهم، بل الشعب هو الذي يحق له وحده أن يختار النظام السياسي الذي يمثله، وحتى لو كان النظام ملكيا فيبقى الملك موضفا عند الشعب يتقاضى أجره المعقول من ضرائبهم كما هو الحال في كل الدساتير والدول الديمقراطية في العالم، ومن هذا المنطلق، ينبغي أن يتجرد الملك من كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية، وأن تُسند هذه الوضائف للمؤسسات التابعة لها والمنتخبة شعبيا
إن إمارة المؤمنين التي يتشبت بها الملك من أجل إخضاع الأمة عن طريق توضيف الدين بشكل رخيص في السياسة أصبح من الأمور المتجاوزة جدا، إن علمانية الدولة المغربية أمر لا بد منه من أجل ضمان كافة الحقوق والواجبات لكل المواطنين بشكل متساو، إننا لسنا ضد الدين الإسلامي، بل نحن ضد خلط الدين بالسياسة من أجل أغراض ومصالح شخصية ضيقة، الدولة شخص معنوي عليها أن تضمن لكل مواطنيها حرية معتقداتهم، وهذا الأمر لن يكون في دولة يتمسك ملكها بلقب أمير المؤمنين من أجل السيطرة الكاملة عليها وتخدير وإستعباد مواطنيها، وفي هذا الباب نطالب بإلغاء المجالس العلمية التي تم دسترتها مؤخرا لكي تضمن الولاء الديني لشخصكم، فهؤلاء المنافقون الذين يظهرون بالمظهر الديني لا يمكنهم أن يشاركوا في تقدم البلاد، بل بالعكس، فدورهم محصور في النفاق والتملق وكسب الثروة والمناصب بإسم الإسلام
جلالة الملك
إن الأحزاب السياسية الرجعية والمنظمات التي تُزور لكم الحقائق من أجل أن تربح مناصب حكومية ووزارية لا تُساهم إلى في تأزيم الوضع المغربي، ولعل موقف المغاربة من مقاطعة الإنتخابات لهو خير دليل عن فقدانها شرعيتها وأي تواصل مع الشعب، فالعلاقة التي تربط هذه الأحزاب بالشعب لا تتعدى بضع أيام تسبق كل إنتخابات تشريعية أو محلية، إن هته الأحزاب والمنظمات الوصولية ساهمت بشكل رئيسي في الوضع الكارثي الذي وصلت إليه بلادنا، لذلك ينبغي إعادة النظر في طريقة التواصل بينهما وحتى في مسألة الدعم المالي الذي تتلقاه من ضرائب المواطنين المغاربة الفقراء من أجل ملأ جيوب قادتها وزعمائها
إن الوضع الإجتماعي الذي يُنذر بإنفجارات بسبب غلاء المعيشة وٱرتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية ونسبة البطالة وٱنتشار إقتصاد الريع والمحسوبية والزبونية وسرقة شركات الدولة، وتفشي الرشوة في كامل القطاعات تتطلب تدخلا حاسما وجذريا من أجل إجثتاث الإشكالية من جذورها، وليس فقط وضع مسكنات ومهدئات، وهذا يأتي كأولوية قبل أن يتعرض بلدنا لبراكين إجتماعية لن تفيد المسار الديمقراطي والحداثي الذي نطمح إليه جميعا كمواطنين مغاربة
إننا نأمل من شخصكم أن نطوي صفحة المعتقلين السياسيين تماما، ونبدأ صفحة جديدة ترسم ملامح الحرية والإنسانية والكرامة، لسنا هنا في باب عتاب أو لوم لجلالتكم على تقصير منكم في إدارة الحكم، ولكننا من واجبنا كمواطنين مغاربة أن نقوم بنقذ لما نرى أنه لا يخدم الصالح العام، وبنية وطنية نطمح إلى تشييد صرح ديمقراطي محض بعيدا عن أية حساسيات من شأنها عرقلة جهودنا من أجل أهدافنا الوطنية
جلالة الملك
نشهد الله أننا لا نرجو من رسالتنا هذه إلى شخصكم جاه أو سلطة أو مالا، وإنما هي قناعتنا وأفكارنا الوطنية نعبر عنها في إطار ديمقراتي، وبإيماننا أن النصيحة تساهم بشكل أو بآخر في إصلاح البلد، وأن ما أفسد الحكام إلا نفاق الشعوب، نأمل أن تتقبلوا رسالتنا بمنطق نقذ بناء ليس هدفه التجريح أو الإخلال بالإحترام والواجب للملك
حرر في مليلية المحتلة
الإثنين فاتح غشت ألفين وإحدى عشر
إمضاء : اللاجئ السياسي هشام بوشتي
التعليقات (0)