مواضيع اليوم

رسالة مفتوحة الى الزعماء العرب

نور حمود

2009-01-09 20:22:13

0

 

لحظة واحدة، أوقفت القلم عن الكتابة وإختلطت معها كل مشاعر السخط والألم والغثيان من هول آلة الرعب الاسرائلية التي تلتهم بتلذة طفولة غزة البريئة، اللحظة كانت صورة طفلة، رأسها مرفوع وجسدها واقف تحت أنقاض بيتها الذي قصف وكأن تفاصيل وجهها تشي بالاصرار على الصمود رغم عنف القصف برا وبحرا وجوا.

كسرت عظامها الغضة، الضعيفة بجدار الدار وغمرت أتربة الهدم عينيها وضرج شعرها بالدماء والتراب لكنها بقيت واقفة، صارخة في وجه العالم بأن جريمتها الوحيدة، أنها حلمت بفجر مشرق لصبح جديد.

الصورة زلزلتنا وحجرت الدموع في أعيننا، ووسط نوبات من السخط، دار جدال ثائر بين فريق تحرير القسم السياسي لـ "العرب العالمية" حول ضرورة نشر الصورة الصادمة أو التغافل عنها.

واستقر الرأي على عدم النشر، أتعلمون لماذا؟ أولا، لأن ضميرنا الصحفي يأبى إنتهاك حرمة جسد شهيدة انتهكته آلة الطغيان الاسرائيلي بوحشية لامثيل لها، إلى جانب إحساسنا بأن نقل الصورة إلى العالم كأنه عقاب للشهيدة بعد موتها.

ثانيا، لأننا مازلنا نحرص على مشاعر القارئ العربي الذي بات ينتفض دون أن يمتلك ولو لمرة واحدة "فعلا" حقيقيا يضمد به جرحه الغائر في تفاصيل الجسد العربي.

ثالثا، لإعتقادنا بأن جنوح المؤسسات الاعلامية العربية والغربية في نقل صور الرعب والمجازر البشعة وتكرارها عنوة، بدأ يؤثر سلبا في المشاهدين الذين تجمدت مشاعرهم وبدوا غير مكترثين بما يجري حولهم إلى حد صار الغرب "ثائرا" أكثر منا على مآسينا ودمائنا المبعثرة على إسفلت غزة.

رابعا، وهي الأهم في نظرنا، لأننا لا ولن نستطيع المتاجرة بدماء شهداء غزة الجريحة وبصور ملائكتها، وكان ترفعنا عن نشر الصورة من باب قناعتنا الصحفية الراسخة بأن القضية الفلسطينية لا تحتمل مزايدات إعلامية أوتحريضية، بل تحتاج الى استنهاض مشاعر الزعماء العرب والباقي من كرامتهم، كي يوقفوا مجازر الكيان العنصري ويحقنوا دماء إخوانهم العزل الذين يتعرضون لأبشع قصف وطحن وإبادة في ظل حصارخانق وأزمات إنسانية صادمة.

إستفاقة زعماء العرب، التي ننتظرها من بعيد، ستغير "الواقع على الأرض" لا كما تريده ليفني، بل كما يريد صناع القرار السياسي في وطننا العربي، ولنا في رئيسي تركيا وفينزويلا المثال على أن آلة الدمار الاسرائيلية بدأت "تخسر" بعضا من أصدقاءها بوجهها البشع والوحشي.

فينزويلا مثلا، قابلت الهجمة البربرية بطرد السفير الاسرائيلي في كراكاس غير آبهة بسطوة اللوبي الاسرائيلي والغضب الامريكي وهو موقف طبيعي في نظر الرئيس هوغو تشافيز أمام "الابادة" و"الانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي" التي تقوم بها الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني.

تشافيز تجرأ ووصف إسرائيل بالدولة الـ"قاتلة" والضالعة في إبادة من لا يملك وسائل الدفاع بل"نائما" و"بريئا"، لكن حكامنا العرب أشاحوا بوجوههم عن المحرقة، متعللين بأن الوقت حان لـ"الاعتدال"، فيما دوى الموقف التركي "الوقح" "بالمعايير الأمريكية- الإسرائيلية" بكل طلاقة رافضا خنوع العرب وخزيهم المعهود، محركا بعضا من نخوتهم المطموسة بين التطبيع والكراسي، فالدولة التركية العلمانية - كما ترون- أدارت ظهرها لمصالحها وهي المهرولة دوما للانضمام الى الاتحاد الاوروبي ودخول بيت الطاعة الاوروبي.

وحتى في بريطانيا الحليف التقليدي لإسرائيل، صرخت صحفها مطالبة بـ"وقف تسليح إسرائيل"، كإدانة على الفعل الهمجي والمرعب والعابث بالانسانية بعد أن حصد بعبعها النازي آخر ضحاياه الأبرياء في هجوم على مدرسة تابعة للأمم المتحدة، مقرين بأن الأساس الذي نشأت عليه دولة إسرائيل ليس دينيا ولا وطنيا بل هو تجربة الظلم والقتل في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في أوروبا.

إقرار الغرب بتواطئه، إشارة مشفرة إلى الزعماء العرب الحالمين بالسلام بأن فكر العصابة الحاكمة في الدولة العبرية لم يتغير ولن يتغير ولهم الخيار في بيع أنفسهم وشعوبهم للشيطان الاعظم "إسرائيل وأمريكا" أو "النفخ" في قراراتهم لتنتفض على عجزهم، وتمضي بشجاعة على قرارات جماعية مثل طرد السفراء الاسرائيليين المعلنين وغير المعلنين وقطع دابر إتفاقيات التطبيع وإرغام الدولة العبرية على فتح المعابر دون قيد أو شرط أمام أبنائنا في غزة، ففي هذه المطالب البسيطة والمنطقية ردع لإسرائيل وتقليص لسقف طموحاتها الموغلة في الدموية.

والاكيد، أن التظاهرات الاحتجاجية التي شهدها العالم العربي والغربي منذ بداية الهجمة، هي لائحة اتهام للمجتمع الدولي ورسالة مفتوحة للزعماء العرب الذين يصرون على التباكي في "غرفة مغلقة"، متناسين أن الرفعة التي تنهض على أكتاف الذل هي مذلة أحط من الذل، وأن من يعاشر الذئاب لابد أن يتعلم العواء، ولكن صوت زعمائنا أصابه التكلس، فهل من إستفاقة توقف هدر دمائنا يا حكام العرب؟
العرب








التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !