سيدي الرئيس،
لو سألتـَني عن تمنياتي لـَما ترددت أنْ أقول لك بأنها تنحصر في رغبتي الشديدةِ أنْ أعرف تفاصيلَ أحلامِك وكوابيسِك رغم التشابه بينها!
شاب، وطبيب عيون، ودانت له دولة العروبة، وأعطاه شعبها من الفرص ما يخجل الشيطانُ لو أعطاه إياها الشعبُ السوري العظيم لعله يتوب عن وسوسته.
ما الذي دهاك وجعلك تظن أنَّ تكرارَ مذابح حماة سيجعل شعبـَك يصمت ثلاثين عاماً أخرى؟
كل الجزّارين والسفاحين والدمويين والدراكيوليين تراهم بين الفينة والأخرى أقل شراسة، أو زاهدين في التعذيب لساعة أو بعض الساعة أو تنتهي مهامُهم عند قتل الضحية أو دفنه أو القائه في بئرغير ذي قرار، إلا جنودك الأوفياء لعرينك المتهاوى فالذئاب والضباع والكلاب المتشردة أكثر رحمة ورأفة ولطفا منهم.
تعترف لغتي العربية أنها عاجزةٌ عن الإتيان بأوصاف لجنودك، خاصة هؤلاء الذين رقصوا فوق جثث أبناء بلدهم، وأولئك الذين قطعوا العضو التناسلي للطفل حمزة، ثم ثقبوا جسدَه الغضَّ تماما كما فعل رفقاء الدم في العراق عندما ثقبوا رأسَ الشابة الصحفية أطوار بهجت!
إذا راجعتَ مقالاتي كلها في العشرين عاما الفائتة فلن يخلو مقال واحد من تأكيدي أن أي رجل أمن أو جندي سوري يعذب مواطنا فهو على استعداد أن يـُبلغ عن كل جيرانه إذا دنس جنود الجيش الاسرائيلي أرض سوريا الحبيبة.
جيشك، سيدي الرئيس مصاص الدماء، لم يعد حُثالة من المجانين والقساة والجفاة والمخادعين والمتعصبين والعدوانيين فهذه الصفات كنسمات رقيقة إذا قارنتها بالعبث والظلم والدمامة والعار والحقارة والوقاحة والاشمئزاز والتقزز والغثيان والقرف الذي ظهر فيه على كل الفضائيات.
لو اقتحمتْ الأقدامُ الهمجية للجيش الصهيوني قلب العروبة النابض، وروَّعت، وأفزعتْ سكان درعا واللاذقية ودمشق وحمص وحماة لما وصلت جرائمُها لنصف جرائم ثلة صغيرة من حثالتك العفنة.
ألم أكتب لك ولوالدك خلال سنوات طويلة بأن في أجهزة أمن نظامكم الدموي روح إيلي كوهين؟
عندما يسقط نظامك قريبا، ويتنفس شعبنا السوري نسائم الحرية، سيكون اقتحام الباستيل قزما مقارنة باجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي، فرع دمشق الأسد، وسيتصبب العرق من المؤرخين وهم يبحثون في تاريخ الأسدين عن مساحة صغيرة لا تراها العين المجردة ولا توجد بها نقطة دم واحدة.
من أين اكتسب جنودك تلك الدموية المفزعة والمعاقة والحمقاء التي تصمت أربعين عاماً وهي تتلقى الاهانات من الإسرائيليين، حتى وطائرات العدو تحلق فوق قصرك وتبصق على ضعفك ومهانتك أمام جيش الاحتلال، لكنها تستعرض عضلاتها، وتستقوى بعجزها الجنسي على سوريات عفيفات ارتكبن إثم حب الوطن فحقت عليهن قسوة أوامرك باغتصابهن أمام أزواجهن وآبائهن وأشقائهن؟
أي جيش في العالم يتلقى الأوامرَ بافتراس أبناء شعبه، أي زوجات وبنات وأبناء حراس الوطن، تعثر أحيانا على بقايا شهامة تطل على استحياء، إلا جيشك الكوهيني الذي يتنقل من مدينة باسلة إلى مدينة صامدة فيثبت لأهلها أن الإنسان هو أدنى مخلوقات الله، وأن الشهامة في جيش العروبة خرجت ولم تعد، وأن الهضبة السورية لم تكن هادئة احتراماً لمعاهدة، ولو ظالمة لشعبنا السوري، لكن الجيش تحول إلى حمايتك وحماية أسرتك، أسمائك وبشراك وماهرك، فأضحى سداً شماليا منيعاً لحماية الدولة العبرية!
سيدي الرئيس مصاص الدماء،
الطاغية الأحمق لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، وطبيب العيون الغبي يرى الدوائر وفتحاتها ولا يشاهد اللوحة، والشاب الذي كان يمكنه أن يجعل اسم عائلته مرادفاً للعزة والكرامة والوطنية وعلى رأسه أجمل تيجان الملوك .. أي محبة الشعب، يتلذذ بصراخ الأطفال، واستغاثات النساء، ورجاء الشعب من السماء أن تلعنك وحزبـَك وعائلتـَك وكلابَ قصرِك.
الحقد نوع من التشوهات النفسية، وهو آفة تصيب المغضوبَ عليهم، ولعنة تفرز شياطين تتراقص فوق أكتافها نجوم ونسور وقردة، فما بال رجالك المشروخة شهامتهم، والنتنة أدمغتهم، والسوداء قلوبهم يظنون أنَّ غداً لناظـِره ليس قريباً، وأن بعث البعث(!) في مقعد صدق، فإذا هو في الدرك الأسفل من النار.
طواغيت ثلاثة يتبارزون، ويتنافسون في أيهم أكثر قدرة على جعل وطنه مقبرة للشعب، فإذا الأول يُخزّن كراهيته لشعبه كما يخزن القات بين أسنان صفراء فاقع لونها، وإذا الثاني يتخلى عن خيمته فيهبط عشرات الأمتار تحت سطح الأرض، ويأمر بتوزيع الفياجرا على كلاب أمنه قبل أن يأتي اليوم الذي يحرق فيه الليبيون كل آثار شيطان الصحراء، فقد جعلهم يكرهون اللون الأخضر وصاحبه، فتمنى الليبيون أن تتحول الحدائق الخضراء ذات البهجة والمزروعات والعُشب إلى لون آخر لا يحمل من زمن الجنون شيئا.
وأنت ثالث ثلاثة يحسدهم إبليس على منافستهم إياه، لكنك أيضا أغبى الثلاثة لأنك سلكت طريق العلم فجهلت، ودرست في مناخ ديمقراطي غربي لتصبح ديكتاتورا ككل الطغاة الذين وقفوا يحلمون في الهايد بارك اللندنية والشانزلزيه الباريسية، فلما عادوا إلى أوطانهم انتقموا من شعوبهم.
أنت أغبى الثلاثة لأن المستقبل كان يمكن أن يمنحك من كرمه وسخائه الكثير لعقدين أو ثلاثة، فإذا نيوب الليث بارزة حيث يظن البسطاء أنه يبتسم!
أنت أغبى الثلاثة لأنك ظننت، كما فعل كل قادة الانقلابات في سوريا، أن السوط أفصح إنباءً من الصدق، وأن ربع الساعة التي منحك فيها مجلس العار منذ أحد عشر عاما صك استعباد، واستحمار، واستجحاش الناس ستجعل رقاب السوريين في قبضتك إلى يوم القيامة، لكن المفاجأة جاءت من كل شبر على أرض سوريا الطاهرة، وانتهى الخوف إلى الأبد.
أنت أغبى الثلاثة لأنك ربطت عقدة حبل مشنقتك، ومهدت الطريق لقطف رؤوس أهلك وأجهزة أمنك وقادة جيشك ومصاصي الدماء الذين يحمونك حتى تسقط فيبصقون على كل الأسود التي فيها روح كلاب!
رغم حبي الشديد لسوريا والسوريين الذي ملك علي فؤادي منذ أن كنت طفلا صغيرا يصر على تسمية بلدك الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، إلا أنني لم أشعر بمثل هذا الفخر والاعتزاز والزهو بشعبنا السوري من قبل كما أفعل اليوم.
صحيح أن لكل إنسان وطنين: وطنه الأم و .. سوريا!
تلك كلمة تناقلها عشاق العرب ومحبو منطقتنا التي فضلها الله على كثير ممن خلق، وجعل السماء تتحدث إلى الأرض بلغاتها، لكنك، لغبائك، لم تفهم طبيعة السوريين، وأصبحت كالذي يحتضنه شخص فيغرز الخنجر في صدره.
كبرياؤك البليد المغلف بوطنية زائفة لن ينفعك، وأنا أنصحك أن تتعلم العمليات الحسابية البسيطة حتى تستطيع أن تعد على أصابع يديك وقدميك عداً تنازليا قبل أن تحتفل سوريا بأهم وأكبر أعيادها عندما تتحرر منك ومن أهلك وذئاب جيشك .. جيش الاحتلال الوطني!
ما أجمل سوريا بدونك، وما أعظمها بدون حزبك الآثم، وما أروعها عندما تفتح السجون أبوابها وأفواهها لابتلاع كل الذين ساندوك ضد شعبنا العظيم، وكل الذين غمسوا أقلامهم في قلوب الأبرياء، وكتبوا بالدماء الزكية أخباراً مزيفة يقرأها جبناء، ويصدقها حمقى، ويعيد نشرَها مغرضون، ويستخدمها جزارون في تبرير ذبح الضحية.
أشعر برغبة شديدة في الاتصال بشركة طيران لحجز تذكرة من أوسلو إلى دمشق لتهنئة شعبنا السوري البطل بسقوطك قبل أن يتوافد الأحرار على عاصمة الجمال والعزة والتاريخ والبطولة للاحتفال بانتهاء عصر الأسدين، واكتشاف أن العرين كان منسوجا من خيوط العنكبوت، بل .. أوّهَن.
ساعات .. أسابيع قليلة ثم نقرأ في صحيفة سورية في العهد الجديد خبر اصدار محكمة حكمها بنزع اسم الأسد من كل المدارس والمؤسسات، الخاصة والحكومية، فطبيب العيون الشاب ركل نعمة الله عليه في وجه شعبه، واختار طريقا واحدا يؤدي إلى فرعين: السحل في شوارع دمشق، أو رصاصة مؤمنة بالعدالة تصيب رأساً أسكره الظلم!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 16 يونيو 2011
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)