رسالة مفتوحة إلى بشار الأسد .. تحرير المواطنين قبل تحرير الجولان

2009-08-26 07:09:53

سيدي الرئيس الشاب
سنوات مضت منذ أن فقدت شقيقك باسل، وذرفت ووالدك دموعا غزيرة على الراحل لم ينفع فى إيقافها طب العيون أو معرفة بأسباب الحزن. ووقف الوالد وقفة رجل دولة يتماسك صلبا كما هو تاريخ سوريا العريقة.. قلب العروبة النابض.. وكانت هذه هي المرة الخامسة التى يهبط فيها جبل من الحزن فوق صدر والدك فيتحمله صابرا ومؤمنا بقضاء الله وقدره.
أما الأولى، فكانت هزيمة يونيو عام 67، عندما تآمرت القوى الغربية مع قاعدتها العسكرية العنصرية فى فلسطين ممثلة بالكيان الصهيوني واحتلت المرتفعات السورية.
والثانية، عندما غادر الرئيس أنور السادات دمشق عاقدا العزم على زيارة قوات الاحتلال الصهيونية فى أرضنا المحتلة ولم ينصت إلى رفيق السلاح حافظ الأسد وأدار ظهره، وولى وجهه شطر قوات الاحتلال الصهيونية فى زيارة تنفس لها الغرب الصعداء، فقد وجدوا أخيرا شرعية لاحتلال أرض عربية وإقامة دولة عبرية، وتخلص الأوروبيون من التواجد اليهودي فى قارتهم البيضاء.
والثالثة عندما تصادم نظام الرئيس الأسد مع عشرات الآلاف من أبناء شعبه من الإخوان المسلمين الذين لم يكونوا يعترفون بنظام حكمه منطلقين من أطروحات طائفية، وخسرت سوريا فى حماة آلافا من أبنائها. كانت جريمة الطرح الطائفي لجماعة الإخوان المسلمين تمهد لتمزيق سوريا، ولكن أيضا كانت الضربة القاصمة فى تدمير حماة تمهيدا لظلم شديد وقع على الأبرياء من نساء وأطفال الإخوان المسلمين واتسعت دائرة الاعتقالات العشوائية والقسوة والتنكيل والتعذيب والمحاكمات العسكرية غير العادلة.
والرابعة، حينما هَمَّ عَمُّك رفعت الأسد بالإعداد للاستيلاء على الحكم فى الوقت الذى كان الرئيس حافظ الأسد يتألم على فراش المرض، ولولا رحمة الله بسورية لكانت سرايا الدفاع الآن قد جعلت كل أم سورية تبكى فلذات أكبادها، ولتحولت دمشق إلى عاصمة تتحرك فيها الأشباح وينطلق من كل بيت فيها صراخ يخترق حجب السماوات السبع.
أما الخامسة، فعندما وقف والدك، رحمه الله، يتلقى العزاء فى شقيقك الرائد باسل الأسد. وظن الكثيرون أن حافظ الأسد مات فى تلك اللحظة، ولم يعد قادرا على اتخاذ القرار، وأن الوصول إلى معاهدة استسلام للمشروع الصهيوني أصبحت على مرمى حجر من قصر الضيافة الذى رفعت أمامه جماهير شعبنا السوري سيارة رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر.
ولكن حافظ الأسد كان أكبر منهم جميعا، وكانت عزة نفسه وفخره بأمجاد التاريخ العربى وثقته فى شعبه وإيمانه بضرورة التصدي للدولة العبرية العنصرية هاديا له فى رفض ما هرول إليه وطنه العربى الكبير.
سيدي الرئيس الشاب،
دعني أولا اختلف مع الذين هللوا وصفقوا واعتبروا أن اهتمامك العلمي وتصوراتك للاقتصاد السوري فى المستقبل وتحرير التجارة ورفع المعاناة هي الأسس السليمة لسورية الجديدة، لأنني أراها تأتى فى المرتبة الثانية بعد أهم وأخطر ما يواجه قلب العروبة من تحديات.
كل القوانين الجديدة والإصلاحات الاقتصادية والسباق العلمي لن تجدي نفعا ما لم يتم القضاء على دولة الاستخبارات والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وعمل مصالحة وطنية مع كل فئات الشعب من اليمين واليسار والشيوعيين والإخوان المسلمين، وإنهاء أى أثر لظلم وقع على مواطن سوري فى أى مكان.
ولن تحقق سوريا أى تقدم أو تطور أو تنمية حقيقية قبل أن تزيل أنت وحدك وسلطتك وشبابك وحب السوريين لك كل مظاهر الظلم الواقع من أجهزة الأمن السورية على أبناء الشعب.
هل تعرف، سيدي الرئيس الشاب، أن السوريين فى الخارج لا يزالون يرتعدون رعبا من أجهزة الأمن ويبتهلون إلى الله قبل الوصول إلى أرض الوطن مع كل زيارة بأن لا تمتد إليهم يد الأمن، ولا يغضب على أحدهم ضابط، ولا يوشى بأي منهم مخبر صغير يتلقى التوجيهات من مكتب الأمن بالقسوة والعنف والظلم.
الفساد الذى تسعى جاهدا للقضاء عليه تربى فى أحضان أجهزة الأمن وحماية الاستخبارات ورعاية أقسام الشرطة تماما كما فعل رجال عمك من سرايا الدفاع الذين مزجوا التجارة والتهريب والاستيلاء على الموانئ والبضائع بالتحكم فى سراديب الخوف فى زنزانات بسجون مظلمة تصب فى صالح إسرائيل.
لن أحدثك عن الاقتصاد والتجارة الحرة والعلوم والتكنولوجيا والتطور الإنترنيتي كما فعل زملائي فى عشرات من المطبوعات بطول الوطن العربى وعرضه، ولكنني مهموم بشئ واحد لن تستطيع سوريا أن تحقق انتصارا فى أى مجال بدونه، وهي الحقوق الكاملة للمواطن السوري والإفراج الفوري عن آخر سجين للرأي فى السجون السورية.
ولقد وجهت هذه الرسالة من قبل إلى والدك الزعيم الكبير، وسعدت كثيرا عندما أفرج عن ثلاثة آلاف من المعتقلين السياسيين، ولعلها جاءت مصادفة مع رسالتي المفتوحة التى قرأها، رحمه الله، لكنني أردت أن أقول فقط بأن لا قضية فى سوريا الآن أهم من تلك المأساة.
إن الإفراج عن آخر معتقل للرأي من السجون السورية هو بداية الانتصار الحقيقي على الكيان الصهيوني، أما القضاء على دولة الاستخبارات التى أنشأها وعززها عمك، ونفخ الحرس القديم الروح فيها، فهو يعنى مستقبلا مشرقا لسورية ومواكبة للعصر، والتفافا جماهيريا حولك فى مشروعك العلمي والمستنير لبلدك ووطنك وتاريخ عائلة الأسد.
إن شرعيتك فى الحكم، سيدي الرئيس الشاب، لن تبدأ قبل أن تحرر شعبك السوري العظيم من قبضة أجهزة الأمن، وأن يتعلم السوري كيفية السير مرفوع الرأس أمام أكبر ضابط استخبارات أو لواء فى أجهزة الأمن أو حتى أعلى الرتب الأمنية التابعة للقصر الرئاسي.
ولكنك لن تستطيع أن تحرر سوريا الجديدة فى الوقت الذى يظن الحرس القديم أنه الأقدر على حمايتك من شعبك، وإن رجاله سيفتشون صدور المواطنين للتعرف على أحلامهم وأمانيهم والقضاء على أى مؤامرة اغتيال قبل أن تتحرك من خيال صاحبها إلى الواقع، وربما قبل أن تتكون فى صدر أى مواطن يتآمر فى يقظته أو منامه على نظام حكمك.
إنني أرى أن الأولوية القصوى هي لحقوق المواطن فى إزالة أى أثر للخوف أو الرعب أو الحذر من أجهزةالأمن وكلما تراجع دور رجل الأمن أو خفت قبضته على أعناق المواطنين، أو تم تقليم أظافره المستبدة كلما تحرر جزء من المرتفعات السورية المحتلة. وضعفت تل أبيب أمام دمشق الحرة والآمنة والخالية من أى مشاعر للخوف.
كنت قد قصصت فى وقت سابق حكاية صديقي السويسري المثقف والمناضل العنيد ضد الصهيونية والأقرب قلبا وعاطفة وحبا للعرب الذى سافر إلى دمشق وهو يحمل بين جنبيه عشقا لسورية، وإيمانا بحقوقها وكراهية مقيتة للكيان الصهيوني عايشتها بنفسي معه طوال أربع سنوات فى جنيف.
وفى الفندق بالعاصمة السورية اقتحمت عليه أجهزة الأمن غرفته ثلاث مرات فى ليلة واحدة، ولما عاد إلى سويسرا بعد أسبوع قضاه فى دمشق قرر أن لا يعود أبدا إلى سوريا وخسرتم واحدا من أهم المناضلين ضد الحركة الصهيونية العنصرية، ومؤيدا وعاشقا لمفردات الوطنية العربية السورية.
سيدي الرئيس الشاب
لن تستطيع أن تتقدم بسوريا إن احتفظت بالحرس القديم للزعيم الكبير، رحمه الله. .
ولن تتمكن سوريا من الدخول فى ركب التقدم والتحضر والقوة والمنعة والاستقلال التام قبل أن تستبدل بالحرس القديم شبابا مستنيرين، وعشاقا جددا لسورية، وكفاءات تتقدم بك ومعك ومن خلفك من أجل مستقبل مشرق وحر ومستقل لقلب العروبة النابض.
ومع ذلك فستظل القضية الأولى والأخيرة وما بينهما هي قدرتك فى القضاء على دولة الاستخبارات ورفع أيدي كل رجال أمنك حتى يتنفس شعبك، ويتمكن من الوقوف فى مواجهة خصوم سورية .
كلما تم القبض على مواطن سوري بتهمة معاداة النظام أو تلقى رئيس تحرير صحيفة سورية أوامر رقابية أو انتفخت سلطة رجل أمن، أو توسعت دائرة انتشار عيون النظام على أبناء الشعب، تأخرت بالتالي سورية، وبدأت عملية التراجع فى مشروعك القومي لتحرير البلد من التأخر والتخلف والبيروقراطية. وليس هناك اقتصاد قوى مع أجهزة أمن تنزل الرعب فى قلوب المواطنين، وركب التقدم يتعارض تماما مع الاستبداد، وكلما زادت عيون النظام ممثلة فى أجهزة أمنه، تقدمت الدولة ناحية الشيخوخة، وبدت أسس الانهيار واضحة لأي قارئ لتاريخ الشعوب. فانهيار العراق بدأ يوم عرف الرعب طريقه إلى أبناء الشعب العراقي، وعندما فتحت السجون والمعتقلات أذرعها لتحتضن المواطنين، سقط البناء بأكمله فى حرب طويلة مع إيران ثم فى غزو أحمق لدولة الكويت العربية الصغيرة والمسالمة والجارة للعراق، .
هل تعرف، سيدي الرئيس الشاب، لماذا سلم الأردنيون كل أوراقهم إلى الكيان الصهيوني فى وادي عربة ؟ لأن أجهزة الأمن الأردنية تملك ملفا أسود لكل مواطن أردني أو فلسطيني فى المملكة الهاشمية. والدولة التى لا يستطيع المواطن فيها أن يرفع عينيه أمام ضابط أمن أو ينبس ببنت شفه ورجال مباحث أمن الدولة يوجهون له الركلات والشتائم أمام زوجته وأولاده، لن يستطيع أن يدافع عن وطنه.
سيدي الرئيس الشاب،
هل تعرف لماذا تأخرت الجماهيرية العربية الليبية الشعبية العظمى وبدت كأنها خارجة لتوها من العصور المظلمة وتحمل كل معاني التخلف والجهل والفوضى ؟
لأن نظام العقيد المستبد معمر القذافى جعل الداخل إلى بلده مفقودا والخارج منه مولودا، ووضع كل مقدرات ليبيا بين أجهزة أمنه لتصفية المعارضين فى الخارج، ولو دخلت الجماهيرية العظمى الآن فى حرب مع تشاد فان التشاديين المسلحين ببنادق قديمة وعصى وأنياب الفيلة وجذوع الأشجار سينتصرون انتصارا ساحقا، للمرة الثانية على الجيش الليبي. إنها معادلة لا تعرف طريقا آخر للحل فإما الاستبداد، وإما التقدم والرخاء والرفاهية والقوة.
سيدي الرئيس الدكتور بشار الأسد.
حرر شعبك من الخوف، وقم بنفسك بزيارات لكل السجون والمعتقلات، وتحدث مع المظلومين، واستمع إلى المعارضين والخصوم قبل مؤيديك، واجعل جهاز الأمن فى مواجهة الكيان الصهيوني والطابور الخامس والجواسيس، ولكن بعيدا. . . . . . بعيدا عن أى مواطن سوري برئ.
لا تصدق رجال أمنك ومستشاريك عندما يبلغونك بنبأ اكتشاف مؤامرة لقتلك أو تخطيط لاغتيالك، أو خصوم يتربصون بك، فهذه هي البداية الحقيقية للإيقاع بك سجينا خلف حراسك، ومعتقلا بين أيدي مستشاريك، وقائدا يتحكم فيه التقرير الأمني ليلا ونهارا. وستظل شرعيتك الشعبية غائبة إن حجبك عن شعبك جدار سميك من الأمن والمستشارين والاستخبارات وبقايا سرايا دفاع عمك والملوثة أيديهم بدماء الأبرياء من سجناء الضمير ومعتقلي الرأي.
أمريكا واسرائيل يتربصان بشعبك وإذا وقع العدوان، لا قدر الله، فلن يدافع عن قلب العروبة النابض رجل أمن واحد تلوثت يداه بانتهاكات حقوق المواطن السوري
زبانية التعذيب في سجون ومعتقلات سوريا تجري في عروقهم دماء إيلي كوهين، وسيظل خوف المواطن السوري من أجهزة الأمن هو الذي يمنح الاحتلال الصهيوني لمرتفعات الهضبة السورية الشرعية والسلام والأمن
سيدي الرئيس بشار الأسد
ألم يأن الوقت لتحرير شعبك؟