بمناسبة اصطحاب رجال المطاوعة ثلاثة من الأدباء السعوديين إلى مقر الهيئة بتهمة توجيه الشكر للكاتبة حليمة مظفر وهي كاشفة وجهها، وتلك جريمة، ومخالفة لقوانين الدولة، واعتداء على تعاليم السماء في عُرفهم، أعيد نشر مقال طارحا نفس التساؤل على أبي متعب: هل تستطيع أن تقوم بثورة؟
أوسلو في 10 سبتمبر 2005
خادم الحرمين الشريفين
الملك عبد الله بن عبد العزيز،
الحديثُ إليك من شخص يحبك ويحترمك ويُقدّرك ويعرف تاريخك الوطني والقومي والأخلاقي المشرّف لا يشفع لدى المحيطين بك ومدراء مكتبك ومساعديهم، ومساعديي مساعديهم، فهم لن ينقلوا إليك شيئا قد يغضبك، ولن يُطلعوك على رسائل ليست كلها مديحا واستحسانا وموافقة صريحة على كل أقوالك وأفعالك وأحلامك وتطلعاتك في الماضي والحاضر والمستقبل.
كتبت منذ فترة رسالة مفتوحة إليك وعنونتها بــ ( فلسفة الصمت لن توقف الطوفان )، وكانت ردود الأفعال عليها رائعة وأكثر مما تخيلت، بل كان المقال استفتاء ناجحا بكل المقاييس.
الآن، خادم الحرمين الشريفين، أنت مَلك قدرت لك العناية الالهية أن تصنع في فترة وجيزة على أرض مقدسة تاريخا لبداية دولة سعودية مستقلة ومتصالحة مع العصر، وأيضا قائمة على أطهر ما ورثه السعوديون عن أجدادهم.
وأنت لست شابا يحلم أحلاما وطنية بخطوات بطيئة موزونة يصالح فيها الجميع على قدم المساواة، من العصر إلى المؤسسة الدينية، ومن الغرب إلى أنصاف المتطرفين، ومن الفكر الثابت القديم إلى الفكر العصري.
إنك، خادم الحرمين الشريفين، أمام تحديات يُعتبر التأجيل فيها هزيمة أو خسارة أو هروبا من المواجهة أو ترحيل حلها إلى الملك القادم، وتلك لعمري ليست شيمة عبد الله بن عبد العزيز الذي عرفناه وخبرناه عروبيا وقوميا وملتزما دينيا.
حتى المعارضة السعودية تقف أمامك باحترام، وتعثر بصعوبة بالغة في تاريخك عن أدوات تستخدمها لمناهضة آل سعود.
ليس أمامك إلا السلطة التي منحها لك المُلْكُ، وقدّم الشعبُ مبايعته، وخضعت لك المملكة، وينتظر رعاياك كلمتك للتاريخ، وكيفية معالجتك لتحديات تنوء عن حملها الجبال وأولو البأس والقوة من الرجال
ينبغي أن نعترف أولا أن ثنائية العرش أصبحت عبئا ثقيلا على كاهل الحكم، ورباطا غليظا يشد آل سعود إلى الوقوف كلما تحركتم إلى الأمام، وأنه قد آن الوقت لفك الارتباط نهائيا بين أبناء المؤسس الأكبر، غفر الله له، وبين القوى الدينية التي تحتكر لنفسها القرار الروحي، وتطلع على صدور رعيتك، ويظن أصحابها أن الدين يمنحهم سلطانا أكبر من سلطان الحكم.
عليك أن تعلن لشعبك أن المؤسسة الدينية لا تملك سلطة على نفوس وعقول وصدور وأجساد أبناء هذا الوطن، وأنها ليست أكثر من مجموعة من العلماء الذين لا يملك أي منهم قداسة أو كهنوتا أو ترخيصا من السماء لمحاسبة أهل الأرض.
إن كل سعودي مسلم يمثل الاسلام في المملكة، وليس بالضرورة أن يكون مفتيا وعالما وفقيها وعضوا في أي تجمع أو مجمع أو هيئة...
من هنا نبدأ بنزع القداسة الوهمية، واعتبار آل سعود هم الشرعية الدستورية والشعبية والدينية لحكم المملكة.
ولكن كيف وصل الوضع إلى ما هو عليه من تشدد وغُلو وأزمات وعنوسة لملايين السعوديات وكراهية للحياة واستجابة سريعة وسهلة لتجنيد المواطنين من الحادي عشر من سبتمبر إلى مدارس التطرف في بيشاور، ومن معارك الكراهية على النت إلى دعم قوى التخلف في أفغانستان التي أتت لنا باليانكي؟
إنها، خادم الحرمين الشريفين، النتائج الطبيعية لأخطر عمل مناهض ومخاصم وعدو للمسلم وتطوره وتقدمه ومصالحته مع نفسه ومع أهله وأبناء وطنه والآخرين ...
إنها حرب الفتاوى التي شنتها القوى الدينية، وشلّت بها الفكرَ، وبهتت بها الروح، وتحجر منها العقل، وأظلمت الدنيا في وجوه شباب كانوا بثروة المملكة التي وهبها الله لكم يستطيعون صناعة معجزة تنموية، وجيش من الرجال والنساء لا يحتاج لحماية خارجية، وأسلحة حديثة في مصانع بأموال النفط، والمشاركة مع العالم كله في البحوث والعلوم والطب والاختراعات والاكتشافات ، وبناء أسطول بحري سعودي يجوب البحر الأحمر كقوة يحسب لها الآخرون ألف حساب.
في السنوات العشر الماضية تحولت المملكة إلى مؤسسة دينية يتنفس فيها أبناء الشعب بأوامر عالم الفتاوى الفج والمتخلف، ويتحكم أي شيخ في قيادة المسلم السعودي كما يشاء ويهوى وفقا لقدراته على تأويل الدين، واستدعاء مخدرات ومغيبيات من باطن الكتب العتيقة، فلم يمر وقت طويل حتى تم تكتيف وتقييد المجتمع كله، ثم وضعه في سجن الفتوى، فهو يتنفس بها، وتتحكم في علاقته بالله، تعالى، وبالناس، وبالحكم، وبأسرته، وبزوجته، وتدخل الفتوى معه في الفراش، وفي الحمام، وتحدثه عن أدق خصوصياته، وتطلع على أحلامه، وتفتح صدره ، وتحدد له ما يقول في كل مناسبة حتى لو تغزل في زوجته أو قرأ كتابا، أو زار صديقا، أو تسلم رسالة من زميل غير مسلم، أو أسرته مصادفة قطعة موسيقية جميلة.
لقد صنعت عشرات الالاف من الفتاوى مسلما مفخخا، وروبوتا لا يتحرك إلا بأمر المؤسسة الدينية، ومثقفا يكتب وقلمه يرتعش لئلا يخط كلمة لا ترضى عنها المؤسسة الحاكمة الفعلية.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،
عندما كتبت لك رسالتي عن الطوفان وضمنتها وصايا من صديق للملكة يحبك، كانت واحدة من عشرات الكتابات لي التي وضع المسؤولون السعوديون اصابعهم في آذانهم، فأصدقاء المملكة ينبغي أن يكونوا صما بكما عميا، والنصيحة أو النقد أو الاختلاف يتم تصنيفه فورا في جانب المغضوب عليهم أو على الأقل الأصدقاء الذين لم يتعلموا بعد مزايا الصمت، وكيفية ارضاء أولي الأمر.
مرة أخرى، خادم الحرمين الشريفين، آمل أن تعود لكتاباتي في السنوات العشر الفائتة، وسترى فيها حبا جما للمملكة وشعبها وشرعيتها، وستقرأ عن تحذيراتي من التعاون مع طالبان، وأحاديثي عن أسامة بن لادن قبل أن يقوم بتوريط الشباب السعودي في أحداث سبتمبر، وعن التطرف وقضايا الجيل الجديد والثقافة والاعلام والقنبلة العنقودية التي يطلقها عالَمُ الفتاوىَ فلا تزال تنفجر، وتنشطر، وتتطاير لتفسح المجالَ لأكبر عملية سجن جماعي لشعبنا الذي جاء الاسلامُ الحنيف لتحريره، فكبلّته المؤسسة الدينية في نهاره وليله.
كل الحلول الأخرى ستظل مُسَكّنات ما لم تأمر بتأسيس لجنة من كبار المثقفين والمفكرين والأكاديميين والمؤرخين والقانونيين والاعلاميين والكتاب من المملكة ومن خارجها ، من أصدقائها وخصومها، من كل الاتجاهات والمذاهب والأفكار، من المؤيدين والمعارضين، وتلك تكون مهمتها غربلة وتصفية وتنقية والغاء وحذف كل ما من شأنه عرقلة مسيرة التقدم والتحضر والتمدن وتثبيت دعائم الدولة الحديثة التي سيتحدى بها آل سعود الكرام خصوم المملكة وأعداءها.
الارهاب الذي ضرب الآمنين في الأراضي المقدسة كان صناعة محلية قامت بها المؤسسة الدينية بعشرات الالاف من الفتاوى ، وتكونت تربة خصبة من الكراهية والبغضاء والتكفير والرفض ، واصطدم الماضي بالحاضر، وبات المستقبل في عين العاصفة.
ثورتك، خادم الحرمين الشريفين، يجب أن تشمل كل مناحي الحياة، وأن لا تستأذن أحدا باسم الدين، وأن تعيد الاسلام الحنيف إلى أهله، أي إلى كل مسلم يجتهد، ويفسر، ويخطيء، ويصيب، ويذنب فيستغفر الله والله غفور رحيم.
إن نزع ملكية الاسلام من المؤسسة الدينية المشتركة في ثنائية العرش
سيضمن لك مكانا في الدنيا والآخرة لم يبلغه إلا قلة نادرة من الصديقين والشهداء والاصلاحيين.
إن قوة المؤسسة المشتركة عنوة مع آل سعود ينبغي أن تتفتت، ويتم تسريح هذا الجيش من العاطلين عن العمل من المطاوعة الذين لا يفرقون بين الانسان والماشية، ويجرون شعبنا المسلم للصلاة والعبادات كما يفعل الأسياد مع عبيدهم في السُخرة والاذلال والمهانة.
المواطن السعودي في عهد عبد الله بن عبد العزيز مواطن حر كما خلقه ربه، يختار حياته، ويصلي في البيت أو المسجد، ويغلق محله وقت الصلاة أو يتركه مفتوحا من أجل امرأة تحمل طفلها أو مُسِنٍ لا يستطيع الانتظار حتى فتح المتجر مرة أخرى بعد الصلاة.
المواطن في عهد عبد الله بن عبد العزيز، يسير مع من يشاء دون أن تعترضه عصا المطاوعة، ويسمع موسيقى بغير ازعاج للآخرين، ويكتب ، ويتظاهر ضد الفساد، ويطلب من زوجته أن تقود السيارة لاصطحاب الأولاد من المدرسة بدلا من تركهم بين يدي سائق آسيوي محروم جنسيا.
المواطن في عهد عبد الله بن عبد العزيز، يفكر بنفسه، ويستخدم عقلا وهبه إياه الواحد القهار، ولا يستأذن المؤسسة الدينية، ويستطيع أن يعترض على أي رأي أو فتوى ولو كانت صادرة من مفتي المملكة، ويفندها، ويرفضها، ويعود إلى بيته آمنا وسالما.
المواطن في عهد عبد الله بن عبد العزيز، يحافظ على أمن وطنه، ويقرأ في الفلسفة، ويجتمع مع من يشاء، وهو ليس ملزَما بفتوى أو رأي ديني اجتهد فيه آخرون فأخطأوا أو أصابوا.
ومواطنك، خادم الحرمين الشريفين، حر في مأكله وملبسه، ويطلق لحيته أو يحلقها، ومن حقه حفاظا على أمن الوطن أن يعرف وجه كل من يسير في الشارع أو في الأسواق، فتغطية وجه المرأة إثم يرقى إلى الحرام في بلد يستهدفه الارهاب، ويختفي مجرمون ولصوص وفاسدون خلف خمار أو نقاب.
ومواطنك لا ترتعش يداه أو يسقط حلقه في صدره خوفا ورعبا من الأمن ومن رجال المؤسسة الدينية ومن جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريره بيدك أنت وحدك.
ومواطنك لا يخاف قسم الشرطة أو تفسيرات القضاة أو سيارة من المطاوعة تصطحبه من رقبته كالحيوان، ثم تأمره باسم الدين أن يطيع نواهيها ونصائحها
ومواطنك وبأموال الخير التي وهبها الله لبلده يملك الحق في كل مكتسبات الحضارة ما لم يتعارض مع الاثم والعدوان، فمن حقه عليك بناء مسارح ونواد ثقافية ودور سينما وأقسام للفلسفة في المدارس والجامعات، وأن يختلط بالمرأة في حدود آداب وأخلاق ما علمنه إياه الاسلام، وأن يراها وتراه، ويتزوج كبقية خلق الله، وأن تجد حلا عاجلا لمشكلة عنوسة الملايين قبل أن تنفجر في وجوه الجميع رذيلة وفسادا أو ارهابا وانضماما لكارهي الحياة ومناهضي الحكم. إن الفكر الجنسي لجماعات الغلو والتطرف الديني هو الذى أدى لتفاقم الوضع المأساوي للمرأة حتى لو أقسم كل علماء المملكة بأنها ملكة في البيت وتحصل على حقوقها.
والمواطن في عهد عبد الله بن عبد العزيز يمر بكل مراحل التطور الطبيعي للانسان كما أراده الله، فيفكر ويجتهد وينحو ناحية مذهب أو حزب أو تجمع، أو يروق له اليمين أو اليسار أو الوسط، ثم يعتدل بعد فترة، وينضج، ويتعلم من الحياة وليس من كتب مضت عليها مئات الأعوام وجعلتها المؤسسة الدينية قرآنا ثانيا ينبغي الايمان بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أمامك مئات التحديات في كل شؤون ومناحي الحياة .. ومنها البطالة في بلد ثري، والمخدرات، وتهريب السلاح، والظلم الواقع على الوافدين، والأجور المتدنية لضيوفكم الذين صنعوا النهضة مع اخوانكم المواطنين السعوديين.
وأمامك تحديات تتعلق بمستقبل الحكم، وتعيين شباب الأسرة الحاكمة في مراكز صناعة القرار، وتحريرهم من السلطة الدينية.
وأمامك القرار السعودي المستقل، والتأكد من قدرة المملكة على سحب أموالها من الخارج متى شاءت وكيفما أرادت، وتحويل احتياطي لليورو حتى لا تضع السلة كلها بين يدي صاحب القرار الأمريكي. وأمامك تحديات الحدود، ومشكلة التسامح مع الآخرين التي حاولت المؤسسة الدينية اغتيالها، وأن يحق للجميع ممارسة عبادتهم كما يحق للمسلمين ممارسة نفس الحق. وأمامك الفكر السلطوي والكاره لرعاياك ومواطنيك من الاخوة الشيعة، ومنحهم كل الحقوق التي للمسلم السني، فهم مواطنون سعوديون لهم ماللآخرين وعليهم ما على كل أصحاب المذاهب الأخرى.وأنت الوحيد القادر الآن على القيام بثورة حقيقية ضد الظلم والتطرف والارهاب، وتحرير شعبك وستجدنا كلنا رهن اشارتك.
والآن كيف تصلك رسالتي؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
التعليقات (0)