الكرامةُ قبل اليونيفورم، وأنواطُ الشجاعةِ التي يمنحها طاغية إلىَ جنوده لا تصنع فرساناً نبلاء، والأوسمة التي تزيّن الصدرَ قد تكون حقيقية، وقد تكون رشوةً في مقابل الصمت على سرقةِ وطن!
في معظم بلادِ الدنيا يسير القائدُ العسكري بالقرب من ثكنته فيسمع سيّدُ القصر وقع خطواته، ويعرف أن الجيش لا يلعب، وأن الجنرالات لا تحجب امتيازاتهم الرؤية عما يحدث في الوطن، وأنهم ليسوا أحجاراً على رقعة الشطرنج.
لا أدري شيئا عن تنظيم مفردات الوطنية والأخلاق والكرامة والعزة والهيبة التي تمنحك الصورة المثالية كأحد حُماة الوطن، وصمّام الأمان لشعبنا، لكنني أعرف أن العبور الرائع كان حالة استثنائية أعقبتها عشرات الفرص لعبور أكبر داخل قلب مصر، وتصحيح الأوضاع، وحماية الأهالي الذين يستجيرون بالجيش البطل فإذا هو يتحرك بروموت كونترول في يد رجل مريض، عجوز، غليظ القلب،كاره لبلده ولشعبه، ويحيط به شرذمة من أحقر وأقذر مجرمي العصر!
خجل أنا منك ومن صمتك، وقبولك الامتيازات في مقابل سكوتك القبري على انتهاكات كرامة أهلك وأبنائك وجيرانك وأحبابك ومن أقسمت أمام الله أنك ستحميهم وتدافع عنهم.
خجل أنا من ملابسك العسكرية ونياشينك وأوسمتك التي تتراقص على كتفيك ومن حذائك الضخم الذي من المفترض أنْ ينام باطمئنان على وقعه كلُّ أبناء شعبك، فإذا هو كخف اللصوص لا يسمعه السكان، وإذا تناهى إلى سيد القصر قام بنقلك إلى معسكر آخر في مكان ناءٍ لا تراقبه إلا الطيور و أجهزة الأمن الاسرائيلية المصرية في تعاون لم يشهد مثله تاريخ الخيانات العربية في ستين عاما أو يزيد!
خجل أنا من أبطال العبور وقد انكمشوا، وتناقصوا، وتقزموا، واصطحكت أسنانهم، وارتعشهم أرجلهم، ولم يعودوا قادرين على حماية دجاجة شاردة يطاردها أحد أذناب مبارك، حتى وزير الدفاع أضحت مهمته السير مطأطيء الرأس، خفيض الصوت خلف الرئيس وهو يفتتح مشروعا وهميا أو يحضر حفلا تغني له فيه حناجر النفاق والتملق كأنها افتتاحيات الصحف القومية .. المسبب الأول لحالات القيء والغثيان في مصرنا الصابرة.
خجل أنا منك وقد أصفر لونك، واحتقن وجهك وأنت تشاهد كل صنوف الاعتداء الوحشي الهمجي لأجهزة أمن القائد الأعلى للقوات المسلحة وهي تؤدي مهمة البلطجة والسادية، وتغتصب الضعاف الذين من المفترض أنك تحميهم فإذا بك تحمي اللصوص الذين يمثلون عدوك الأول.
خجل أنا منك وقد شل المجرم يديك، وكتم أنفاسك، وقطع لسانك، وتحكم في سلاحك، وجعلك في خدمة عدو مصر والعالم العربي ومغتصب فلسطين، فأنت لا تستطيع أن تقترب لمسافة محددة من حدود مصر، ولو بكيت ليلا ونهارا وأنت تشاهد اختراقات العدو لحدود أرض أجدادك وأحفادك فلن يسمح لك مبارك بنصف كرامة تحلل بها نياشينك وأنواط الشجاعة التي يسخر منها الاسرائيليون.
الطاغية مبارك يشعر بلذة شديدة وهو يخترع أنواعا جديدة من صنوف المهانة لقادته ولكبار رجال الدولة وللسياسيين ورؤساء الأحزاب وكل من تطول قامته، لهذا اختار رئيس جهاز المخابرات وسيطا بين العدو وبين الفلسطينيين، واختار وزير الدفاع لينحني خلفه في مذلة ومسكنة ومهانة، واختار أمن الدولة لتناصب شعبنا العداء والخصومة فتنحاز إليه وتصبح مكملة لنظامه المهتريء!
تحرير الجيش البطل، وتحرير أجهزة المخابرات وهي حصن مصر المنيع وتاريخها المُشرّف، وتحرير أجهزة مباحث أمن الدولة فهي عيون مصر في الداخل التي تحمي الشعب والوطن من الدخلاء والأغراب وجواسيس السفارات .. كل هذه مهام يود الشعب أن يضطلع بها انقلاب عسكري شريف وطاهر ينهي عصر الديكتاتور، ويعيد مصر للمصريين، لكنك، أنت القائد العسكري، أصبحت سجينا في معسكرك، وذليلا للطاغية، وأصماً عما يحدث في بلدك، وأعمى لا يرى المشهد المصري الكارثي.
آلاف منكم في جيش قوامه أكثر من مليون من العسكر لا يستطيع عشرة أو عشرون من القادة الشرفاء الأطهار أن يتحركوا ومعكم عدة مئات من الجنود الملتزمين بتوجيهاتكم صوب عاصمة القهر والحزن، ويعلنوا البيان الأول، ويزيلوا سرطانا أهلك جسد الأمة، وأوجع شعب أم الحضارات لسبعة وعشرين عاماً!
ألم يعد فيكم شرفاء؟
ألستم أبناء النيل الخالد، وحاملي روح أكتوبر المجيد؟
لا أصدق، ولن أصدق أن مبارك قدّمَ لكم جميعا رشوة، وأن سوطه يلهب ظهوركم، وأن عيونه ترصد كل تحركاتكم، وأن آذان كلابه تسمع همساتكم، وأن أصدقاءه الاسرائيليين يبلغونه بأحلامكم قبل أن تستيقظوا، فأنا مؤمن، رغم كل مشاعر الاحباط واليأس والحزن والغضب، أن هناك .. في مكان ما على أرض مصر يجتمع ضباط أحرار، يخططون لانقاذ مصر من براثن هذا الهمجي الوحشي، ويحرروا ترابها الطاهر من لصوص أسرة مبارك.
يؤكد الجميع أن لا فائدة في مصر، وأن أرض الكنانة انتهت إلى الأبد، وأن الشعب المصري اكتسب سلوكيات فهلوية واحتيالية وغليظة وقاسية لم يعد ينفع معها دين أو أخلاق أو نصائح أو تعليم أو كتاب أو مسجد أو كنيسة أو كل تعاليم السماء والأرض، ويقسم لي كل مغترب زار مصر زيارة قصير أو طويلة أن المصريين على مرمى حجر من ثورة الجوعى ، وأن الفوضى ستندلع في كل أرجائها، وأن الضمير غاب أو مات منذ أكثر من عشر سنوات، وأن الفساد لم يترك شبرا واحدا أو مهنة إلا واخترقها.
واستيقظ بين الحين والآخر باحثا على شاشة فضائية تنقل لي خبر اعلان البيان الأول في مصر، فكابوس الظن أن كل قادة جيشنا جبناء وصامتون ومرتشون وخانعون وغير أكتوبريين هو كابوس حارق للصدر والقلب والأعصاب، لذا فأنا أترقب بيانكم الأول كعاشق لم يبلغ مرحلة اليأس بعد رغم أن الدلائل كلها تشير إلى العكس.
لا أنوقع أن تقرأ مقالي هذا بنفسك فأجهزة أمن الطاغية تتابع كل حركة وشاردة وواردة، لكن أملي كبير أن يقرأها لك شقيق أصغر أو ابن أو ابنة ، وتعيدها أنت على مسامع قائد آخر صامت وغاضب، كاره لمبارك ومقيد اليدين، خائف من زملائه أن يوشي أحدهم بأحلامه في الانقلاب على الطاغية.
رسالتي تلك تحريض لضميرك أن يستيقظ ، ولعقلك أن يخطط، ولصدرك أن يخفق بحب مصر، ولمشاعرك أن تستمد من الإيمان بالله والوطن شجاعة لم تعرفها مصر في خمسة وثلاثين عاما منذ العبور الأعظم، وأن تبدأ مع زملاء لك في تكوين خلية سرية شجاعة ووطنية في جيش مصرالبطل لعل المصريين يُقبّلون أيديكم الطاهرة.
أعود وأكرر بأن الكرامة قبل اليونيفورم، وأن الجيش الذي لا يحمي الشعب لا يستحق الحياة أو النصر، وأن التخطيط للانقلاب على مبارك داخل ثكنات الجيش هو أسمى صور الطهارة والوطنية والإيمان.
الخزي والعار لكل بدلة عسكرية يرتديها صامت، أما أحرار البيان رقم واحد فأكاد أراهم رؤي العين، بل لا أبالغ إن قلت بأنني أستعد لارسال تهنئة فور إذاعة الأناشيد الوطنية في القنوات والإذاعة المصرية قبيل استماعنا لصوت مصري حر وجميل ورخيم ومحب ومؤمن يعلن انتهاء حقبة النظام العفن والآثم والقذر والاجرامي والارهابي لأسرة مبارك.
وسلام الله على مصر
أوسلو في 27 ابريل 2009
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)