عزيزتى الفاضلة/ أكتب إليك هذه الرسالة وأحملها تهنئتى الصادقة وفرحتى الغامرة بنجاح مشروعك الشرق أوسطى الجديد..
وسواء كان مشروعك الشخصى أو مشروع كبار رجال الديمقراطية الأمريكانى، فأنا لم أسمع عنه سوى منك شخصياً يوم أن جئت إلى أرض المحروسة ـ سورى (التى كانت محروسة) ـ لتعلنى البشارة بالإصلاح السياسى وتأمرى وأمرك ماشى بأنه ضرورة ملحة وعاجلة لأن الشرق الجديد لابد أن يولد حالاً وأن رياح الفوضى الخلاقة قادمة قادمة لا محالة، وسوف يتبعها فوراً الدمار الخلاق وهو الحمد لله وصل بالسلامة إلى أرض الوطن، وأعترف لك بأننى سيدة موسوسة وشكاكة لذلك أصابنى الفزع يوم زيارتك الميمونة وأخذنى الهلع والخوف على وطنى الحبيب من دخوله إلى نفق الإصلاح الديمقراطى الأمريكى بعد أن رأيت النموذج المشرف الرائع فى «العراق»، والذى أشار إليه «بوش» قبل موقعة الحذاء بشهرين وقال بفخر وسعادة: «هذا النموذج الديمقراطى الرائع هو ما حققته حروبى الصليبية»، ثم استدرك وقال: «قصدى حروبى على الناس الإرهابية».
وأذكر أيامها أننى أخذت أدعو الله ألا يجعل من مصر «نموذجاً» ولكن كان ذلك بسبب جهلى التام، وقد ثبت أن مخاوفى لم تكن حقيقية وأن يد الأمريكان الحنونة لا يمكن أن تمتد لنا بهدايا مضروبة أو ملوثة أو مدمرة دماراً شاملاً.. وها هو الدليل وها نحن نعيش أحلى أيام الديمقراطية الأمريكانى حيث الهدوء والسكينة والأمن والأمان والعمل والإنتاج والانضباط والنمو والاستثمار والانتخابات الهادئة والوعى السياسى والدولة القوية التى لا يتصادم شعبها مع جيشها ولا مجرموها مع شرطتها ولا مسيحيوها مع مسلميها ولا شبابها مع مسنيها ولا التحريريون مع العباسيين مع المصطفى محموديين، نحن نعيش فى هدوء حيث يلهو الأطفال ببنادق الخرطوش ويلعب الشباب بالرشاش الآلى، وحيث ازدهرت تجارة الهاون والبازوكا والآر.بى.جى، وحيث تواجدت قنابل الغاز مع المواطنين قبل الأمن المركزى، وأصبحت هدايا أعياد الميلاد من أنواع الكلاشينكوف والمانجروف والـ«2 أنفيلد» القناصة والقنابل اليدوية وكرات اللهب، لذلك أردت أن أبلغك بأن مصر الآن زى الفل بفضل مجهودات زميلتك الشقراء «هيلارى» وبفضل رحلاتها المكوكية بين بلاد «الربيع» وبلادنا رايح جاى حتى تمام نضج النماذج الديمقراطية «نموذج نموذج».
وأريد أن أعترف لها بأننى قد فزعت أشد الفزع عندما جاءت إلينا وقالت (لقد صرفنا المليارات لتدعيم الديمقراطية فى مصر) ولشدة جهلى كنت على وشك أن أقول مادامت الديمقراطية باهظة الثمن هكذا ونحن شعب على قد حاله ما بلاش منها وأهوه على رأى المثل اللى ماعندوش مايلزموش.. لكن الحمد لله.. قالوا لى أيامها إن كل هذه المصاريف جدعنة وبلوشى من أجل سواد عيون الشعوب العربية جمعاء.. جمعاء.. وبالتحديد سواد عيون المصريين لأنهم حالة خاصة ودولة خاصة وجغرافيا خاصة وتاريخ خاص واللى يدفع فيها أكتر يكسب فوقيها باقى المنطقة وكان بالفعل عرض الموسم.
وأنا لا أشك مطلقاً فى أن كل ما تتكلفه أمريكا الآن وكل ما سوف تتكلفه فى المستقبل هو من أجل سعادة ورفاهية وحرية وديمقراطية مصر وشعب مصر.. لأن أمريكا منذ أن ذبحت الجنس الهندى الأحمر فى القارة الجديدة واستوردت الجنس الأفريقى الطليق البكر داخل شباك صيادى البشر وتجار الآدميين لإقامة الدولة الأمريكية.. فى هذا اليوم بالتحديد منذ أربعمائة عام تقريباً أخذ الأمريكان عهداً على أنفسهم أن يعملوا على سعادة ورفاهية سكان الكرة الأرضية، خاصة منطقتنا الرائعة الغنية قلب العالم وتراثه وبؤرة الحضارة والأخلاق والأديان.. ومنذ سنوات عديدة والمشروع يتم تلو المشروع من أول زرع إسرائيل واستقوائها وسيطرتها هى والأمن الغذائى من كنتاكى وماكدونالدز وبيبسى والأمن الإنسانى بواسطة منظمات حقوق الإنسان التى أغرقت أسواق المنطقة وهى منظمات رقيقة القلب حنونة على الإنسان، بدليل أن إسرائيل فى كل مذابحها التى حصدت شباب وأطفال فلسطين على مدى سبعين عاماً كانت فى حقيقة منطق حقوق الإنسان تدافع عن نفسها وكان دائماً رجالها رجال سلام من أول شامير وبن جوريون وحتى شارون ولأننا جهلاء بالإنسان وحقوقه فنحن لم نكن نعرف أن هذا إنسان وذاك إنسان أى أن الناس معادن نوع بالحقوق ونوع بالابتدائية..
ولهذا فقد غضبنا جميعاً عندما رأينا صوراً للجنود والجنديات الأمريكانى مع المساجين العراقيين العرايا المكومين فوق بعض أكواماً إنسانية، وطبعاً كنا جهلاء وعرفنا غلطنا لأن الحسناوات الأمريكانيات كن يأخذن الصور للذكرى لأن الذكرى ناقوس يدق فى عالم النسيان.. ولم نسمع بالطبع عن أى نفس من أنفاس حقوق الإنسان ولا الحيوان عندما تم قتل القذافى وأبنائه بالسحل والطعن والضرب وتقطيع الأطراف وغاز الأعصاب والبصق وهتك العرض والتمثيل بالجثث.. وطبعاً لن نسمع من حقوق الإنسان أى أخبار عن عدد قتلى الشعب الليبى من قصف طائرات الناتو ولن نعرف مدى الدمار ولا خسائر الشعب الليبى لأن الديمقراطية لا تكيل بالبادنجان ولأن النتيجة فى النهاية رغم الخسائر أن الشعب الليبى قد تحرر من الحكم الاستبدادى ووقع تحت راية حكم القاعدة الإسلامى مثله مثل تونس والمغرب، والباقى جاى فى السكة وطبعاً لم تنس الست «كلينتون» أن تحيى كل الحكومات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة تحية أمريكانى وتقول إنها سعيدة جداً بها لأن هذه الحكومات تمثل المخزون الاستراتيجى للمرحلة المقبلة الحاسمة وهى وضع كل دول المنطقة فى الخلاط لتحصل فى النهاية على مشروب متجانس من الفواكه المشكلة أكبر قطعة فيه قد الفتفوتة وتكون إسرائيل هى زعيمة المنطقة وأكبر دولة من حيث المساحة والسلاح والقنابل النووية والديمقراطية وحقوق الإنسان الإسرائيلى.
سيدتى الفاضلة/ أنا أقدر قلقك البالغ بسبب تأخر مشروع التقسيم المصرى لكن أنصحك بالصبر فقد وضعت حلل الطبيخ الديمقراطى فوق وابور الجاز بعد أن تم تعميره بالجاز الليبى والعراقى وأدينا بندى الوابور نفس ورا نفس وهو يشتعل حبة حبة حتى تمام النضج، فليطمئن قلبك مصر تحت التظبيط والنار تأتى من كل اتجاه ولا تقلقى بشأن رجال السياسة والكلام والإعلام والمرشحين والناخبين والمثقفين فهم مشغولون باتهام بعضهم البعض وتصنيف الشعب إلى فلول ومنحل وفاسد ونظام قديم وجديد وصالح وطالح.. غير عابئين سوى بنفاق الشباب الصغير الراقد فى العراء يحلم أحلاماً مضللة بسبب ضلال النخبة التى تسعى للحصول على أى موقع وتتساءل فى سخرية عن سر الخراب وعن اللهو الخفى الذى يزلزل الأرض من تحت أقدام الشعب الذى بات بدوره متخبطاً عنيفاً فوضوياً لا يملك حقيقة واحدة ولا يرى بادرة أمل فى القريب.
أكتب لك رسالتى هذه ليلة أول يوم للمرحلة الأولى للانتخابات وإن شاء لنا الله وعبرناها ربما يسبب ذلك لسيادتكم بعض القلق ولكن لا تيأسى فمازالت هناك مراحل قادمة.. ومصر تحجل برجل واحدة بعد أن بترت قواعد حكمها وسقطت هيبة دولتها.. لم يتبق لنا سوى المجلس العسكرى والجيش المصرى الشريف فقط وربما يصدم أمنياتك القلبية بالديمقراطية والسعادة صموده وأصالته ولكن مازالت هتافات الشباب بسقوط المشير تداعب آمالك فى نجاح المشروع.. وربما تقلقك هتافات العباسية لوحدة الصف لكن آمالك بالشقاق والفوضى ستعيدك إلى الهدوء والسكينة.
سيدتى الفاضلة/ ربما لن يطول بى العمر حتى أرى مصر فى رونقها الجميل الراقى مرة أخرى.. وربما لن يرى الأبناء من ذلك المشهد شيئاً كثيراً ولكن بالتأكيد سيرى الأحفاد ما أراه فى خيالى لمصر وهو لو تعلمين عظيم.
وإذا أردت قراءة الطالع عودى إلى صفحات التاريخ التى ترصد من حياة مصر سبعة آلاف عام.
والسلام على مصر والمصريين.
جريدة المصرى اليوم
التعليقات (0)