رسائل من خلف اسوار معتقل ( ليبرتي )
د . حسن طوالبه
يخترق الاسوار , ويطير عبر الفضاءات , ويصل الى اسماع مناصري الحق والحرية والعدل , هما اغلقت الابواب على المعتقلين فان صوت الحمق المنادي بالحرية فاصوات المناضلين في كل مكان سمعناها من فلسطين ومن جنوب افريقيا ومن العراق ومن مصر , سمعنا شعر محمود درويش وشعر احمد فؤاد نجم , وسمعنا نداء الحرية من نلسن مانديلا , وصوت الحق والجرأة من صدام حسين . فليس صعبا ان يصدح صوت مناضلي مجاهدي خلق المحاصرين منذ سنوات من قبل اعداء الحرية .
لقد انتصر الاحرار في العالم وفي الوطن العربي لكل اصوات المناضلين المطالبين بالحرية , وكما وقفنا مع من ذكرناهم أنفا , نقف اليوم مع مناضلي مجاهدي خلق المعارضة , الذين وقفوا ضد الديكتاتورية الدينية من ملالي ايران , الذين اضطهدوا الناس باسم الدين وباسم " ولاية الفقيه " ,التي ليست الا تعبيرا بشعا عن السلطة الفردية المتمركزة بيد شخص واحد يدعي انه " نائب الامام الغائب " . نقف مع من يريدون الحرية لكل ابناء الشعوب الايرانية , وتحقيق العدالة للجميع , دونما تمييز على اساس العرق او المذهب او الطائفة . انها وقفة مع الانسانية مع الحرية ومع انصارها المعارضين لكل اشكال التسلط والظلم .
مصادرة الرأي :
كم هو بشع ان يضطر الشباب ان يهجروا بلدانهم بسبب اراءهم السياسية , ويصبحوا لاجئين في ديار الاغتراب , يبتعدون عن الاهل والاصدقاء وعن التراب الذي نشأؤا وهم يستنشقون رائحته الشجية . واذكر في عقد ثمانينات القرن الماضي , وخلال احدى زياراتي الى باريس , انني وقفت امام رسام ( بورتريت ) وعرفت انه استاذ جامعي ايراني هرب من بطش نظام خميني انذاك الذي وقف ضد الفن والفنانين , وشرح لي معاناته جراء الهجرة القسرية من بلده , وتشردة وسهره من اجل لقمة الخبز له ولعياله .
الشباب الذين اضطرهم نظام الملالي الى الهجرة القسرية , وخاصة شباب المجاهدين , تركوا كل امانيهم الشخصية من اجل هدف واحد , هو الوطن هو الحرية هو العدالة . وقد وردتني اربع رسائل من شباب مخيم أشرف الذي عاشوا فيه سنوات طوال , واليوم صاروا من سكان مخيم ليبرتي قرب مطار بغداد , والذي كان بالاساس مهجعا لقوات الجيش الامريكي الغازي لارض العراق , ولا يحمل من الحرية الا الاسم فقط .
الشاب ( علي كريمي ) الذي صار على ابواب الاربعين سنة من عمره ,ترك دراسته في الجامعة بسبب اشتراكه في مظاهرة شعبية في ( كرمنشاه ) الكردية غرب ايران , بسبب مظاهرة سلمية سمحت بها كل دساتير العالم الحر , عاش الشاب في صراع مع الذات , من هو الصحيح , من يطالب بالحرية , ام من يقمع المطالبين بها ؟ . واخيرا حسم امره , في ان الحرية هي قدر الامم والشعوب , ولا حياة بدون حرية , ونستذكر مقولة عمر ابن الخطاب " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا " . واخيرا وجد ضالته في منظمة مجاهدي خلق المعارضة فالتحق بها , ووجد كل ترحيب بالشاب الذي ينشد الحرية لنفسه وبلده . وكل طموحه ان يكون ضمن الشباب الذين يصنعون المجد لبلدهم , وان يحرروا الشعب من الظلم والاستعباد مهما كان الثمن , ومن اجل هذا الهدف يتعهد بأن يفدي وطنه بدمه وروحه .
مصادرة كتب العربية :
ان مشكلة علي كريمي هي انه تعهد بان يدرس مادة اللغة العربية لمن لا يجيدها من اخوانه الاشرفيين , وقد فتح صفوفا لهذه الغاية , واقتنى مكتبة تساعدة في مهمته التدريسية , ولكن عندما ارغم على الرحيل من مخيمه ( اشرف ) قسرا الى مخيم ( ليبرتي ) لم تسمح له القوات العراقية المسؤلة عن ترحيلهم بأخذ الكتب المنهجية التي يحتاجها في تدريس اللغة العربية . يالها من سخرية , فبدلا من تشجيعهم على تعلم لغة القرأن الكريم يحرمونهم من نعمة فهم معاني الايات البينات التي انزلها الله تعالى على عباده الذين ارتضوا ان يكونوا مسلمين . وكما منعوا رفيق دربه الشاعر احسان رحماني من قبل ان يصطحب معه كتبه واشرطة الكاسيت والديسكات التي تضم اشعاره وروحه , فان الجهلة الحاقدين على العرب والعروبة يمنعون علي كريمي من اصطحاب كتب اللغة العربية معه الى معتقل ليبرتي .
انك يا علي على حق عندما تقول " ان سنن الكون ثابتة , ونتعلم ان من يضرب شعبه , ويعتقل شبابه , ويستبيح اعراضه , ويسرق بلده , هو خائن , وان مصيره الى السقوط والزوال " , واني اشاطرك الرأي ان النصر أت " , وان الشعوب دائما على حق , مهما علا صوت الحكام المبحوح .
لا تنس من يطلبون السلام :
الرسالة الثانية فهي من الشاعر احسان رحماني الذي سبق ان اشتكى للرأي العام من مصادرة روحه ومشاعره واحاسيسه , اشتكى من مصادرة دواوين شعره وقصائده المنسوخة على اشرطة الديسك والسي ديه , فهو اليوم يستذكر اشعار محمود درويش التي كان يطالب الاحرا ان لا ينسوا من يطالبون بالسلام وبالحرية . اقول لك يا احسان ان الاحرار لن ينسوا كل المناضلين من اجل الحرية والكرامة في اي مكان من العالم , فكيف ننساكم وانتم عانيتم كل انماط الظلم والقهر على ايدي الجلادين الذين علقوا رفاقكم على اعواد المشانق واعمدة الكهرباء .
نعم ان الكلمات تخرق الحصار , وكلماتكم هي التي اخترقت الجدران الاسمنتية العالية , رغم حصار عسس السلطان الجائر , كما ان كلماتنا وصلتكم وانتم في مخيماتكم او بالاحرى في معتقلاتكم رغم الحصار .
نعم ان صوتكم لن يخمد ما دامت الدماء تجري في عروقكم , وما دامت ضمائركم حية متدفقة تواقة للحرية والانعتاق . وان صوتكم صار مسموعا في معظم انحاء العالم الحر , وهو اقوى من صوت الطغاة المبحوح الذي يريد ان يقلب الحقائق , ويحول الضحية الى جلاد . ان الشمس لا تغطى بغربال , وشمس الحرية ساطعة , وانتم الرجال المضحين ستنالونها في قادم الايام , لان الليل لابد ان ينجلي , ولابد للقيد ان ينكسر كما بشر بذلك شاعر الحرية ابو القاسم الشابي .
الموسيقى سلاح ضد الظلاميين :
الرسالة الثالثة من المناضل موسى ممارزاده صديق الشاعر احسان من عشر سنوات في مخيم اشرف , تعلم اللغة العربية على ايدي اساتذة عراقيين اثناء وجوده في مخيم اشرف , وانه يشكر الله على هذه النعمة , لانه صار بمقدوره ان يتواصل مع الاحرار العرب باللغة العربية .
لقد ودع شقيقه روربه الذي ما زال في مخيم اشرف , وهو موسيقي ومغني , سلاحه العود والكمان والسنطور , وحنجرته هي الصوت المدوي بكل معاني الحب والاخاء والحرية , شعاره الغناء الذي يعاقب عليه الملالي بالسجن والنفي والافقار . ولابد ان يتذكر روربه كيف فعل الشعر والموسيقى في اذكاء المشاعر والهاب الحماسة من اجل الثورة , وكيف كان للشاعر احمد فؤاد نجم وزميله شيخ امام دور في تأليب الناس ضد عمالة حكام مصر الذين غيبوا دور مصر التاريخي في الصراع العربي ـ الصهيوني , وارتضوا لانفسهم دور العمالة للاجنبي المستعمر .
سنصمد حتى النهاية :
سنصمد حتى النهاية , تلك هي الكلمات الاخيرة للشابة ( صبا ) شقيقة الشاب علي عمادي صاحب الرسالة الرابعة . واذا كانت تلك اخر كلمات الشهيدة هي الصمود . فمن الحري ان يصمد المناضلون الشباب حتى يتحقق النصر . بوركت يا علي لانك تعلمت اللغة العربية واجدت , والشكر لمن علمك اياها , وهنيئا لمن قرأ القران بلغته , وفهم معانيه وعمل بها .
رسائل حب وسلام :
انها رسائل تعبر عن اسمى معاني الحب والسلام والاخاء , انها كلمات الشعر وعزف الموسيقى وعذب الالحان , فمن يعادي الروح فهو عدو الدين . ليس للاشرفيين من مطالب الا الاحتفاظ بكرامتهم في بلد ما عرف الا بالكرم واغاثة الملهوف , بلد الحضارات والفن والشعر , ولكن اتباع الملالي الظلاميين في طهران هم من يعادون هذه القيم الاصيلة التي يتحلى بها شعب العراق العظيم . فهؤلاء الذين ينعقون كالغربان , ويصادرون الثقافة والموسيقى هم الذين سيلفظهم التاريخ , ويسجلون اسوأ الصفحات فيه .
ما يريده الاشرفيون ممن نقلوا الى ( ليبرتي ) قسرا يريدون الكرامة والعيش الامن فقط . لايريدون مراقبة العسس المنتشرين بين جنبات المخيم الجديد , وان ينفذ الاتفاق الموقع مع الامم المتحدة , القاضي بان يكون مكان الجنود خارج المخيم لا داخله . وان توفر الخدمات الاساسية للعيش الكريم مثل الماء والنظافة والامان واحترام كرامة الانسان .
التعليقات (0)