السؤال المطروح على الساحة . من هي الجهات التي تستعجل في توجيه ضربة عسكرية الى المنشأت النووية
الايرانية ؟ وهل باتت الضربة قريبة كما يروج لذلك في وسائل الاعلام .. ام هي ضجة اعلامية لاغراض الردع والتخويف ؟. وكيف نقتنع بان هناك ضربة عسكرية , والاتصالات السرية والعلنية على قدم وساق بين نظام الملالي والادارة الامريكية ؟ بالامس القريب استلم الخامنئي رسالة من الرئيس الامؤيكي اوباما , متجاوزا بذلك الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد , لان اوباما يدرك ويعرف ان اوراق نجاد صارت محروقة , بعد الخلافات بين المرشد وبين نجاد .
منذ عام ووسائل الاعلام تنشر اخبارا عن قرب ضربة عسكرية ستقوم بها الطائرات الاسرائيلية او الامريكية او الاثنتين معا . وقد تفاقمت الازمة في وسائل الاعلام منذ اسبوعين عندما تبادلت الولايات المتحدة ونظام الملالي في ايران التصريحات الهجومية والانتقامية , فالولايات المتحدة تسعى الى فرض مزيد من العقوبات على نظام الملالي , وبالمقابل هدد النظام بأغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة الدولية اذا تضررت مصالح ايران , وبالذات اذا تم فرض حظر على النفط الايراني . الادارة الامريكية تضغط على حليفاتها في اوروبا لكي تفرض عقوبات على ايران , وعدم شراء النفط الايراني , والاستعاضة عنه بالنفط السعودي , ولا سيما ان السعودية ابدت استعدادها زيادة انتاجها النفطي بمقدار الكمية التي تنتجها ايران , اي زيادة الانتاج بمقدار مليوني برميل في اليوم .
لماذا تستعد السعودية لزيادة كميات النفط ؟ السعودية ودول الخليج العربية تشعر بالخوف من تنامي القوة العسكرية الايرانية , وزاد الخوف بعد الحديث المتواتر حول المشروع النووي الايراني , وعزم نظام الملالي على انتاج السلاح النووي . وتزايد الخوف بعد الحراك العربي الذي شمل العديد من الدول العربية , وتمكن من ازاحة عدد من الزعماء العرب الذين استفردوا بالسلطة هم وابناءهم , وحولوا البلاد الى مزارع لهم ولعائلاتهم .وقد امتد الحراك الى بعض دول الخليج مثل البحرين والسعودية والكويت . وما حماس السعودية لارسال قوات درع الجزيرة الى البحرين الا لدرء خطر الحراك الذي بدأ في البحرين من ان يمتد الى المنطقة الشرقية في السعودية ذات الكثافة الشيعية , وهي المنطقة الغنية بالنفط , ولم تخفي دول الخليج قلقها من التهديدات الايرانية ضد دولها , وهو ما عبر عنه مدير شرطة دبي والامير تركي الفيصل في مؤتمر الامن الذي انعقد في البحرين مؤخرا , والذي اجبر السفير الامريكي الى الانسحاب من الجلسة احتجاجا على ما وجه الى بلادة من نقد من الاصدقاء في دول الخليج , والمهم ان الادارة الامريكية كانت وراء ما وصلت اليه ايران من صلف وغطرسة واستباحة للعراق والتنكيل بشعبه ومناضليه وخاصة المجاهدين البعثيين الذين قضوا مضاجع القوات الامريكية واجبروها على الانسحاب مرغمة مهزومة , ولا ادل على ذلك تصريحات قاسم سلماني قائد قوات القدس الايرانية , الذي اعتبر العراق وجنوب لبنان صارتا من محميات ايران , وهو قادر على يجيش الشعب فيهما لمقارعة الغرب , وهذه المقارعة ليست الا جعجعة وللاستهلاك الداخلي , وجعل الايرانيين في حالة شد دون الالتفات الى وضعهم الداخلي ولاسيما الوضع الاقتصادي والسياسي .
لقد ادرك حكام الخليج بعد فوات الاوان ان الادارة الامريكية لايهمها الا مصالحها الخاصة , وعندما روجت للعدوان على العراق لم يكن لها من هم الا السيطرة على النفط العراقي , وبالذات على الاحتياط النفطي الذي يبلغ 278 مليار برميل حسب ما ذكره شوفنمان وزير الدفاع الفرنسي السابق .واليوم اخذ بعض المسؤولين في دول الخليج وبالذات السعودية والبحرين يلومون الادارة الامريكية على سلوكها خلال العقد الماضي في المنطقة , بعد ان ادركوا ان العراق كان يشكل ركن الموازنة ازاء ايران , واليوم صارت ايران تشكل الخطر الكبير على دول الخليج , فلحد الان لم يخطو نظام الملالي خطوة ايجابية نحو حل سلمي لمسألة الجزر العربية الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى ) , كما ان نظام الملالي لم يستطع ان يقدم ضمانات لدول الخليج يطمئنها ويحول دون هواجسها الخاصة بالاطماع الايرانية في هذه الدول .ولم يستطع منع التصريحات الاستفزازية التي تصدر بين حين واخر من بعض الملالي ضد الدول العربية بعامة والخليج بخاصة , وبالامس القريب صرح قاسم سلماني قائد فيلق القدس ان العراق ولبنان بمثابة محميتان لايران وتستطيع تشكيل حكومة اسلامية فيهما على غرار حكومة طهران . ورغم هذا الخوف فاعتقد ان المسؤولين في دول الخليج يتخوفون من اية ضربة توجه الى ايران , لان الاثار السلبية ستكون عليهم بالذات , وستصيب نيران الحرب منشأت النفط الخليجية ,وان هم في سريرتهم يتمنون احراق ايران والخلاص من شرور نظام الملالي الطامع في الاستيلاء على ديارهم , وفرض التشيع على رعاياهم .
الرد الايراني : لقد برع نظام الملالي في الحرب النفسية واستخدام كل الممكنات المادية والمعنوية ضد الخصم .فقد عمد النظام الى اسلوب المناورات العسكرية البرية والجوية والبحرية , والاعلان عن نموذج اسلحة جديدة محلية الصنع , وبالذات سلاح الصواريخ البلستية المتوسطة والطويلة المدى التي تصل الى مديات تنال اوروبا والكيان الصهيوني , ورغم معرفة الاطراف المعنية الموجهة اليها تلك الرسائل ان هذه الاسلحة لن تنال كثيرا من منشأتها الحيوية , الا انها تهول من مخاطرها بهدف اثارة الرأي العام العالمي , ودفع الدول الى فرض مزيد من العقوبات على ايران . وهو الاسلوب الذي اتبعته مع العراق قبل عام 2003 لتأليب الدول ضده والمساهمة في فرض الحصار عليه ومن ثم العدوان عليه واحتلاله . والورقة الثانية التي استخدمها الملالي هي " التهديد باغلاق مضيق هرمز " بوجه الملاحة الدولية , وهذا التهديد يعني منع مرور 17 مليون برميل نفط خليجي يوميا من هذا المضيق . وهذا التهديد سهل على ايران من الناحية العملية , اذ يكفي اعتراض سفينة او اثنتين في عرض المضيق , او زرع الغام فيه ليعيق الملاحة بوجه البواخر المحملة بالنفط , او البضائع الاخرى . اما الاسلوب الثالث الذي ينتهجه الملالي بين حين واخر هو الدعوة لاسنئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني مع مجموعة الخمس زائد المانيا . وهذا الاسلوب الدبلوماسي يخفف من حدة التوتر بين ايران والاطراف المعنية .
يتخذ نظام الملالي اساليب الردع والمناورة في ظل اوضاع داخلية تتجسد في حراك شعبي تخبو تارة ويتقد تارة اخرى , فمنذ عام 2009 الشعوب الايرانية تنتفض على الاوضاع الاقتصادية والسياسية وبالذات الحريات التي صادرها نظام الملالي ومنع كل القوى التي لاتؤمن بولاية الفقيه من حق المواطنة والعيش الامن , مضافا الى كل ذلك الضغط الاقتصادي التي تمارسه الدول على نظامهم بسبب البرنامج النووي المعمية نتائجه , وبالذات العقوبات الجديدة التي تفرضها دول الغرب بعدم شراء النفط الايراني .كما ان البلاد تستعد لاجراء انتخابات برلمانية في شهر اذار المقبل , وخوف النظام من فوز قوى المعارضة فيها , ولذلك يتوقع المراقبون ان يحدث ما حدث في انتخابات عام 2009 من تزوير , وذلك لضمان فوز انصار المرشد الاعلى علي خامنئي فيها . ولا يخفى على المراقب ما يدور في الغرف المغلقة , والصراع الخفي تارة والمعلن تارة اخرى , بين المرشد وبين الرئيس محمود احمدي نجاد , ويكمن الصراع بين الطرفين على شخصية مدير مكتب نجاد وصهره المقرب , اذ يدعو انصار المرشد الى عزله من منصبه بدعوى الفساد , ويرد عليهم نجاد , بأنه على استعداد ان يقيله بشرط اقالة كل الفاسدين في النظام , وبالذات انصار خامنئي .
الادارة الامريكية تنشد التهدئة :
رغم الاستعدادات العسكرية التي تبديها الولايات المتحدة هذه الايام , حيث تحشد 11 حاملة طائرات في المياه الاقليمية في الخليخ العربي وبحر العرب , مضافا اليها سفن حربية بريطانية , رغم كل هذا نلحظ لغة التهدئة من الادارة الامريكية هذه الايام وابرز الدلالات هي :
1 .وزير الدفاع ( ليئون بانيتا ) يعارض أي هجوم على ايران , وقال " الهجوم فكرة سيئة " , واضاف انها اي الهجوم سيؤثر على الاقتصاد الامريكي , وعلى المستهلك الامريكي بالذات . وقال في تصريح اخر " ايران بصدد تطوير قدراتها النووية , لكنها لا تقوم حاليا ببناء قنبلة نووية .
2 . ما جرى للقوات الامريكية في العراق , وما يجري لقوات الناتو في افغانستان من انتكاسات وخسائر في الارواح , واخرها خسائر القوات الفرنسية على يد جندي افغاني , وخسائرها المادية التي قدرت ب7 مليارات دولار شهريا .
3 . تعاني الولايات المتحدة من ازمة اقتصادية يصعب انكارها او تجاوز اثارها السلبية على المواطن الامريكي , وهذه الازمة قابلة للتطور خلال العامين المقبلين حسب توقعات الاقتصاديين الامريكيين .
4 . تجد الادارة الامريكية التي تستعد لانتخابات رئاسية , والتنافس على اشده بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ,تجد ان تشديد العقوبات على نظام الملالي وبالذات النفطية منها , اجدى من شن الحرب حاليا , ولكنها في الوقت نفسه لم تستبعد خيار الحرب كما يبدو في الظاهر , من هذا الحشد البحري الكبير في المياة الاقليمية المحيطة بايران . واذا ما نجحت في اقناع حلفائها الاوروبيين في فرض عقوبات صارمة على ايران فانها تحقق خطوة مهمة في اضعاف نظام الملالي , وتمنح المعارضة الايرانية وبالذات مجاهدي خلق , فرصة للاطاحة بنظام الملالي , واقامة نظام اقرب الى الحكومة المدنية في البلاد . وتاخذ الادارة بعين الاعتبار اراء الامريكيين المعارضة للحرب , وما تجره من خسائر على اللولايات المتحدة , متعضين من الحرب على العراق وافغانستان .
حكومة نتنياهو والحرب :
لم تخفي الحكومات الاسرائيلية قلقها من المشروع النووي الايراني منذ بدايته , وتتمنى اجهاضه من زمن طويل . ولكن طبيعة ايران الجغرافية الواسعة , وانتشار المنشأت النووية في مواقع متباعدة في ايران ,وبناءها تحت الارض بحيث يصعب ضربها بقنابل تقليدية , بل تحتاج الى قنابل معالجة باليورانيوم الشديدة الانفجار .كل هذه الظروف حالت دون الاقدام على قصف البرنامج الايراني كما فعلت في البرنامج العراقي عام 1981 .لقد استعدت الحكومة الاسرائيلية الحالية على عملية قصف بعيدة المدى , واجرت مناورات جوية بالتعاون مه كل من اليونان وايطاليا في البحر المتوسط , من اجل التدريب على قصف منشأت بعيدة المدى .لقد راعت حكومة نتنياهو الظروف التي تمر بها الولايات المتحدة , واستجابت الى طلب التهدئة الذي بعث به اوباما الى نتنياهوحول تأجيل المناورات المشتركة التي كان مزمع اجراءها الى عدة اشهر مقبلة , كما ارسل اوباما رئيس اركان الجيوش الامريكية الى تل ابيب للاجتماع مع المسؤولين العسكريين الاسرائيليين والتنسيق معهم حول الوضع في ايران , وكدليل على الاستجابة للرغبة الامريكية , اعلن ( يهود باراك ) وزير الدفاع " ان اسرائيل غير متسرعة ولم تقرر الهجوم على ايران , وليس لدينا موعد لاتخاذ القرار بالهجوم " , وعقب على ما تنشره وسائل الاعلام بقوله " ان وسائل الاعلام متسرعة "
الظروف الانف ذكرها غير مناسبة الان لشن هجوم على ايران , ولكن هذا لا يعني ان النية في الهجوم قد انتهت , بل تم تاجيلها الى وقت مناسب من حيث الاجواء الطبيعية والسياسية , وقد يحدث مفاجأة تحدثها ايران نتيجة خطأ ميداني يكون سببا في اشعال فتيل الحرب . وفي كل الحالات فان الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يكيلون بمكيالين , يسكتون على مئات الرؤوس النووية لدى اسؤائيل , ويشعلون الحرب على برنامج لم يكتمل بعد . اما الخوف العربي والخليجي بخاصة من البرنامج النووي الايراني فهو خوف صحيح , ولكن هذا ما جنته براقش على نفسها , وهل تستطيع دول الخليج ان تنقذ نفسها قبل فوات الاوان , اذ ليس امامها غير العمق العربي .
التعليقات (0)