كتبت رشا ممتاز في الحوار المتمدن مقالا بعنوان "سيد طنطاوى وفيروس النقاب" امتدحت فيه الموقف الجريء لشيخ الأزهر السابق، الشيخ سيد طنطاوى – رحمه الله – الذي قام فيه بنزع النقاب عن فتاة الإعدادي في أحد المعاهد الأزهرية التي كان يتفقدها في بداية العام الجاري، ثم عرجت فيه على ظاهرة انتشار لبس النقاب بين نساء مصر وفتياتها، واصفة إياها بأنه فيروس قد انتشر في المجتمع المصري، بما توحي كلمة فيروس من خطورة واشمئزاز، وكأنه مرض خطير قد ألم بالشعب المصري، يضاف إلى قائمة الأمراض الخطيرة التي تنهك في جسد المصريين رجالا ونساء، بسبب سوء الأحوال الصحية، وتدنى خدماتها، وانتشار التلوث والمواد المسرطنة المجلوبة لنا من بلاد آل صهيون.
والحقيقة أن المقال بما فيه من تخاريف ليس إلا صورة صادقة لأفكار العلمانيين العرب، الذين لا هم لهم إلا محاربة كل ما هو إسلامي، والسخرية من علماء الإسلام، ويتحينون لذلك الهجوم الفرص والمناسبات المختلفة.
ولست هنا بصدد مناقشة قضية النقاب، فلها أهلها ومتخصصوها، وبرغم تعدد الآراء فيها ما بين الفرضية والفضيلة، إلا أنني أوجه الدعوة الى العلمانيين أن يعاملوها بعلمانيتهم، إن كانوا حقا يؤمنون بالعلمانية، والتي تقتضى منهم أن يجعلوها في دائرة الحرية الشخصية، لماذا كل هذا الهجوم على النقاب؟ أوليس أولى مبادىء العلمانية هي حرية الاعتقاد؟ فإذا كانت العلمانية تكفل حرية الاعتقاد، أفتضيق صدرا بمظهر أو شكل أو نوع معين من اللباس؟ لماذا نعتبر النقاب فيروسا قد انتشر في المجتمع العربي بعامة والمجتمع المصري بخاصة؟ ولا نعتبر العرى الفاضح، والإباحية، والزنا، والزواج العرفي، والمثليين، فيروسات بل ميكروبات قاتلة مدمرة تنخر في جسد الأمة، وتهدد كيانها، وتبشر- إن استمر الحال على هذه الوتيرة- بتفكك المجتمعات العربية وتفسخها.
لقد حزنت السيدة رشا على مصر، واعتبرت النقاب فيروسا مدمرا أصاب المجتمع المصري؛ لأن نسبة النقاب حسب تقديرها وصلت إلى أكثر من 16 في المائة، ولم تحزن لأن نسبة الزواج العرفي بين طلاب وطالبات جامعات مصر وصلت الى 17 في المائة من طلبة الجامعات المصرية، بحسب الدراسة التي كشفت عنها خبيرة علم الاجتماع الدكتورة عزة كريم، والتي نتج عنها أطفال غير شرعيين، فقد نوهت الدكتورة عزة كريم إلى وجود أكثر من 15 ألف دعوى لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي، حيث إن معظم الشاكيات كن يتقدمن بقضاياهن مصطحبات معهن أطفالهن على أمل إثبات بنوتهم، بعد أن تنكر الزوج من الزواج، ورفض الاعتراف ببنوة ابنه، أو مزق ورقة الزواج العرفي.
لم تحزن السيدة رشا لأن عدد المثليين في مصر بلغ 100 ألف شخص من الجنسين، ومن مختلف الأعمار والفئات المهنية، كما ورد في رابطة المثليين على الفيس بوك والتي تعرف باسم" أحباء" والتي ضمت خلال أسبوعين من إنشائها نحو ٦٠٠ مثلي، بحسب ما ورد في صحيفة المصري اليوم في العدد الصادر في ٢٤/ ١٠/ ٢٠٠٨.
أقول بعد هذا لماذا الهجوم تحديدا على النقاب؟ لماذا لا تحارب هذه الظواهر الغريبة على مجتمعاتنا من قبل العلمانيين؟ أم أن توظيفهم جاء لمهاجمة الإسلام، هل بوسعهم أن يهاجموا شيئا – ولو كان سيئا – يخص المسيحية أو اليهودية؟ بالطبع لا، فالعدو الحقيقي هو الإسلام.
ثم تأتى إشكالية العلمانيين الرئيسة، وهى ضحالة تفكيرهم، وتحدثهم في ما لا قبل لهم بفهمه أو إدراكه؛ لأنهم ببساطة ليسوا من أهل الاختصاص، فما لهم بأحكام الإسلام؟ ولم يدرسوا فقها، ولا لغة، ولا علوما للقرآن أو السنة، ولا تفسيرا للقرآن، ولا أسبابا للنزول، ولا أصولا للفقه، ولا معرفة لدرجات الحديث، ولا يستطيعوا أن يفرقوا بين العام والخاص في أحكام الإسلام، ولا بين المطلق والمقيد، وليست لهم معرفة بأحكام الإسلام، إلا شذرات يأخذونها من أسيادهم المستشرقين.
ومن المضحك أن التي تتحدث عن النقاب وتشيد بموقف الشيخ طنطاوى -عليه رحمة الله- لا تستطيع أن تفرق بين الدعوة السلفية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية في القرن 19- والتي أطلق عليها أعداؤها زورا وبهتانا الدعوة الوهابية- ليقطعوا صلتها بالإسلام، وبين حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت في مصر أولا في القرن العشرين، ثم انتشرت في أنحاء العالم بعد ذلك، وتدعى الكاتبة المحترمة أن الإخوان المسلمين هي الابن الشرعي للوهابية، مع أن الإخوان يتعرضون لهجوم شديد من السلفيين، بنفس الضراوة التي يتعرضون لها من قبل العلمانيين، فالعلمانيون يتهمون الإخوان بالتشدد، والسلفيون يتهمون الإخوان بالتسيب.
ثم يأتي بعد ذلك الخلط الواضح من العلمانيين بين سلوكيات بعض المسلمين المتشددين، وبين الإسلام، مع أن الإسلام قد حارب التشدد بكل صوره وألوانه، وما الاختلاف بين مؤيدي النقاب أو محبيه لبناتهم ونساءهم - وإن لم يعتقدوا بوجوبه- وبين الرافضين له والمعتبرين إياه أنه ليس فرضا، ولسنا ملزمين به ما دام لم يفرضه علينا الدين، إلا مجرد خلاف في أذواق الناس وطباعهم، والذي يستوعبه الإسلام الذي جعل الله العالمية من أخص خصوصياته.
ثم نأتي بعد ذلك الى مسألة الربط الدائم من قبل العلمانيين بين النقاب والتخلف والجمود، فهل تعي الكاتبة المحترمة أن هناك الكثيرات من نساء مصر المنقبات يعملن في مجالات الحياة المختلفة بهمة ونشاط، ويثبتن كفاءتهن، ويتفوقن على كثير من الرجال في نفس المجال، ولم يمنعهن النقاب من الأداء الجيد للعمل، أو يعوقهن عن التقدم في مجالات الحياة المختلفة ؟ فما علاقة العرى بالتقدم ؟ وما علاقة كشف الوجه أو تغطيته بالحضارة ؟ إن الحضارة – في جانبها المادي- أخذ بالأسباب، وإتقان لأدواتها، ومن يحوز الأسباب، ويعمل بجد وإتقان؛ يفز ويتقدم ويعلو، مهما تكن عقيدته، ومهما يكن دينه، وهذه سنن الكون التي لا تحابى ولا تميز بين مؤمن وكافر، ولا بين من تغطى وجهها أو تكشفه، ونساء أوربا الكاشفات للصدور والسيقان لم يلدن العلماء لكشفهن الصدور والسيقان، وإنما لجهاد الأوربيين – رجالا ونساء- المرير في سبيل الحرية، والتخلص من الاستبداد السياسي، الذي هو أساس البلاء والتخلف والجمود؛ بما يوفر من بيئة صالحة للركود والخمول، وعندما ننسى محاربة الإسلام، ونوجه جهودنا وطاقاتنا لمحاربة الاستبداد في بلادنا، عندها نستطيع أن نوفر البيئة الصالحة للتقدم والرقى.
بقى أن أقول للعلمانيين كفى تحقيرا للأرض المباركة التي اصطفاها الله لتكون مهبطا للإسلام – إذا كنتم حقا تؤمنون بالإسلام – ورميها بالتخلف والجمود، وحصرها بهما دون بقية بلاد الإسلام، مع أن التخلف والجمود قد أحاط ببلاد الإسلام والعرب جميعا، وما ذلك إلا بسبب قعودهم عن مقارعة الظالمين المستبدين، الذين يحولون دون تقدم الشعوب ورقيها.
فهل نوجه سهامنا نحو أسباب التخلف الحقيقية؟ وندع هذه الترهات التي لا تسمن ولا تغن من جوع؟
محمد عبد الفتاح عليوة
Elewamohamed75@yahoo.com
التعليقات (0)