كلما أثيرت قضية الامازيغية لدى أطراف معروفة برجعيتها و إفلاسها الفكري و الايديولوجي إلا و سعت الى توظيف ورقة لم تعد مجدية في شيء و لم يعد يصدقها أحد،إنها مسألة التخوين و العمالة و الأجندة الخارجية و غيرها من الافتراءات السياسوية البغيضة.
لعل هؤلاء لا يدركون حقيقة المسألة الامازيغية في بعدها الشمولي،يحاولون جاهدين اختزالها في قضية سياسية مفتعلة صنعتها أياد أجنبية لتنفير القوى المجتمعية منها خاصة أن الفئات البسيطة في المجتمع المغربي تفهم العمل السياسي كمغامرة محفوفة بالمخاطر قياسا على مرحلة ما قبل العهد الجديد،حكم يصدر عن اللاوعي المغربي الذي اعتاد ربط العمل السياسي بالسرية و التمرد.
ان المسألة الامازيغية مشروع مجتمعي كبيرو شامل يتكامل فيه الثقافي و السياسي و الحقوقي و التنموي و الاقتصادي،و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون قضية موسمية وورقة انتخابوية يتاجر بها كما أراد و اعتاد هؤلاء أن يفعلوا مع قضايا المجتمع المغربي.
كم كانت دهشتي كبيرة عندما اطلعت على مقال لأحدهم –وللأسف أكاديمي كما يقول- يربط فيه القضية الامازيغية بالأجندة الخارجية و الأطماع الصهيونية في المغرب.دهشة امتزج فيها التقزز من هذه الأباطيل والأفكار السامة الهدامة التي ينفثها أمثال هؤلاء في أذهان المواطن المغربي و السخرية من اجترار أفكار قديمة أعيد تعليبها في قالب يخيل الى صاحبه أنه سيغوي القراء.
إن الامازيغية تتنفس الهواء المغربي قبل أي قضية أخرى مستوردة؛و ما محاولة ربطها بالجهات الخارجية إلا خطوة فاشلة يحاول أصحابها تخوين مناضلين شرفاء للقضية الامازيغية،مناضلون يتجاوز حبهم و تشبثهم بمغربيتهم نماذج ارتضت لنفسها جنسيات متعددة و أصولا هنا و هناك.
إن مثل هذه التلفيقات و الافتراءات الدنيئة تعد عملا خارج الندية الشريفة و المقارعة الفكرية و الايديولوجية الموضوعية،كما من شأنها أن تفتح الباب أمام مضاعفات نحن في غنى عنها من قبيل المزايدة في الوطنية.فالمزايدة في التشبث بالوطن عمل خطير وجب علينا التصدي له،فالمغرب بلدنا جميعا باختلافاتنا أيا كان نوعها.ومسألة التخوين و التكفير الايديولوجي و الفكري عمل جبان،فاستمرارنا في اختلافنا و لا يحق لأي كان أن يدعي كون مذهبه الفكري أو السياسي طريقا مستقيما و يجعل من اختلافنا خلافا، و يعمل على محاربة "عدو" افتراضي و صوري لا يوجد على أرض الواقع. يجب أن نقول أن نظرية المؤامرة أتت على أذهان البعض هذه الأيام،فبمجرد أن تتحفظ أو تعارض بعض الأفكار الاقصائية و الاستئصالية ذات النظرة التأحيدية للأشياء إلا و تعرضت لوابل من التلفيقات و الاتهامات من قبيل الخيانة و العمالة لجهات "أجنبية".
لنفتح قوسا صغيرا و نقول أن ربيع التغيير الذي أطاح بثلاثة من صناديد الديكتاتورية و القبضة الحديدية للشعوب،و الذي يهدد اثنين آخرين في الشرق الأوسط ربيع العرب و العجم بدون استثناء،انه ربيع الإنسانية جمعاء ما دام أنه ينعش آمال اليائسين و يحطم رؤوس القاهرين.تأسفت لمن يزعم أن النهضة "الهوياتية" التي انطلقت من شمال افريقيا مع "تسونامي" التغيير هذا تعرقل و تهدد وحدة الشعوب "المحررة"،ان الرجوع إلى الأصل فضيلة و الدعوات المغرضة لأطراف إلى التحجر في مسألة هوية الشعوب هي ما يهدد فعلا نجاح هذه الثورات التي انبعثت من صميم الشعوب ذاتها كردة فعل طبيعية لجبروت و طغيان حكامها.و مما لا يقبل الجدل أن الغرب عندما يتدخل فإنما يفعل ذلك لمصلحته و ليس محاباة او لسواد عيون أحد.
عودة إلى وطننا الذي يهمنا قبل غيره،فليعلم الجميع أن مسرحية "الظهير البربري" انتهت كل مشاهدها و لم يعد أحد يصفق لها غير بعض المعتوهين و المختلين فكريا ممن يحنون الى زمن غابر،و لا يمكن على أي حال أن يساوم المغربي في مغربيته و وطنيته ،فهي أولى من أي توجه كيفما كانت طبيعته و أيا كانت الإغراءات المزعوم تقديمها.فالعهد الجديد و ما صاحبه من إصلاحات كبرى تعتبر القضية الامازيغية أحد وجوهها اختيار مغربي تولد عن قناعة بضرورة إنصاف ثقافة و لغة ظلت مطموسة لعقود طويلة على أرضها،صفحة جديدة ارتجت لها جهات خوفا ليس على الوطن ووحدته و إنما على مصالح قد تنجلي مع التغيير الذي بدأ مع الألفية الثالثة.
عذرا أيها الإخوة،إذا قلت أن عقدة التفوق التي تعانون منها تستحق منكم العلاج،فهي مرض نفسي يجعل صاحبه يشعر أنه الذي يملك الحقيقة الحقة، و الوحيد الذي له الحق في الكلام،تأكدوا أن المغرب لنا جميعا،نحبه كما قد يحبه غيرنا،فهو يجمعنا باختلافنا لأننا أبناؤه جميعا.
إن الامازيغي الحر- ليس بمفهوم النسب – يؤمن بالاختلاف فيعيشه و يتعايش معه،لا يسعى إلى الإقصاء و الاستئصال و الاجتثاث،يؤمن بالمغرب الموحد المتنوع،مغرب الاختلاف و التعايش و التسامح.و لمن يجد حرجا في ذلك أن يعود إلى تاريخ هذا البلد العظيم و لنا فيه عبر كثيرة.
إذا كان علينا أن نذكر أمواتنا بالخير فإننا ندعو للأستاذ محمد عابد الجابري بالمغفرة لأنه أساء –كأمازيغي النسب - إلى وطنه الذي أرادت مشيئة الله أن يكون مختلفا متنوعا عندما دعا و زمرته التي نسأل لها الهداية، دعوا إلى" إماتة اللهجات" ليتحقق لهم و لغيرهم من "الوحدويين" مشروع الوحدة المزعومة من المحيط إلى الخليج التي لا تعدو أن تكون مجرد خطاب استهلاكي لا يلزم غير مهندسيه و أصبح من أحلام الماضي الغابر.لقد مات الأستاذ و لم تمت اللهجات فاعتبروا يا أولي الألباب !!!.
التعليقات (0)