من الجيد أن يأخذك البحث والدراسة الى النتيجة المتوخات في التحصيل الفكري والأنتاجي !! ولكن ليس من الجيد أن تُسَيِّرْ هذه النتيجة وتُرغِمَها الى ما تريده أنت وليس ماثبت ، بصياغة أخرى : هناك فرق بين أن يقودنا البحث العلمي إلى نتيجة معينة وبين أن نسخر هذا البحث من اجل وجهة معينة ، يستدل الأخ علي الكاشف في بداية مقالته ( وأخيرا المهدي قادم ! فالويل لكم من شرع داود ) بكلام المستشرق غولد تسيهر في كتابه ( العقيدة والشريعة في الاسلام/ 205 ) بأن" فكرة المهدي عند الشيعة استوحيت من اليهودية والنصرانية ، وأدت الى أستحداث نظرية الامامة ، والتي تتلخص بالايمان بالرجعة التي بدورها تعود إلى المؤثرات اليهودية والنصرانية " إننا إذ نرد على جناب الكاتب بعد إحتمالنا : أنه مسلم ، ولو عرفنا أنه غير مسلم ! لما رددنا مقالته هذه ، ولما أتعبنا أنفسنا لو عرفنا أنه يحمل ويعتقد فكراً أو توجهاً آخر غير الأسلام ... لأن حواراً ونقاشاً مثل هذا مع غير المسلم يتطلب : ( أدوات وأستدلالات من نوع آخر ) غير هذه ، أن حقيقة الأمام المهدي ( عليه السلام ) ليست " فكرة " مقتبسة من ديانة أو ملّة معينة !! بقدر ماهي حقيقة تناولتها كل الكتب والأديان ... وكان على الأخ علي الكاشف البحث عن هذه الحقيقة في دينه " الأسلام " وإثبات عما إذا كانت هي فعلاً فكرة مستوردة أم أنها حقيقة ثابتة ، لكننا سنورد له أولاً أن الأمام المهدي ( عليه السلام ) حقيقة أسلامية بحتة وليست فكرة مستوردة كما يحاول أن يوحي بمقالته ، أو أنها أسطورة من نسج ووحي خيال الشيعة الأمامية ، : تناولت الكتب الأسلامية حقيقة الأمام المهدي ( عليه السلام ) الى حدود " التواتر " بماروته وإتفقت عليه جميع الفرق الأسلامية ، ومن تلك النصوص التي دلت على هذه الحقيقة : ( لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه ، وقال : « لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود ، والمنتظر المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة إلى حد التواتر ) (1) وقد تناول هذه الحقيقة وأكدها جملة من علماء الفرق الأسلامية وخرّجوه في كتبهم (2) الحقيقة : أن الكاشف لم يورد أي " أستدلالات " تأريخية معتداً ُبها ماخلا نقله بعض آراء المتأخرين بهذا الخصوص لا تتعدى مجرد التحشيد لأثبات ما هو " مغاير " للحقيقة ، نقل لنا جناب الكاش رأي : د. سيد الاصري وهو : ( بأن" فكرة المهدي مستوحاة من الاسرائيليات التي ذكرت بأن المسيح المنتظر سيضع نهاية للظلم في العالم". (تأريخ الامبراطورية الرومانية). وهذه الحقيقة سبق أن نوه عنها الكثير من علماء المسلمين . )) هذا رأي د . سيد الآصري بالأمام والسيد المسيح ( عليهما السلام ) لكن الكاش لم يورد لنا " مدلساً " ماهي تلك الأسرائيليات التي ذكرت : ( المسيح المنتظر سيضع نهاية للظلم والظالمين ) وهل تأكد الكاش بأن السيد المسيح ( عليه السلام ) فعلاً سيكون بمعية الأمام ( عليه السلام ) أم لا ؟ وهل أن السيد المسيح ( عليه السلام ) سيخرج وقت خروج الأمام ( عليه السلام ) أم لا ؟ وهل هي نصوص تأريخية أخذها الدكتور الآصري عن النصرانية أو اليهودية ؟ وهل تأكد لدى الدكتور : بأنها مدسوسة ومجرد أسرائيليات ؟ هذه الأسئلة والأستفسارات !! بديهة يجيب عنها كل من يتناولون هذا النوع من البحوث !! التي لم يتناولها أو يجيب عنها جناب الكاش ليرفد مقالته .
ونقل الكاش : ( يلاحظ في تسمية الإمام المهدي ب(القائم) إن هذه الكنية قديمة ومستعارة من العهد الجديد، فقد ورد في رسالة بولص إلى رومية الإصحاح15/12 ما نصه" سيكون أصل يسي والقائم ليسودا على الأمم عليه سيكون رجاء الأمم". ) لكن الكاش أردف برأي شخصي بحت ليوهم القراء غير ما هو صحيح ، وما علم أنه قد أثبت حقيقة الأمام المهدي ( عليه السلام ) بأيراده النص ، ليكفي بهذا النص دليلا : ( ولكن المقصود في الإصحاح ليس قائمنا وإنما إيليا قائم اليهود. الذي سيلتقي أيضا بدوره مع موسى وعيسى كما جاء في إنجيل لوقا الأصحاح/9 "واذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا". وتعترف رسالة بولص بالمساواة في السيادة بين النبي والقائم . ) يلاحظ القاريء هنا : أن هناك تناقض مفضوح لدى الكاش !! فالأصل من مقالته هذه : هو نكران ما أجمع عليه علمائه من كل علماء المسلمين ولكل الفرق الأسلامية بحقيقة الأمام المهدي ( عليه السلام ) وخروجه عند إمتلاء الأرض ظلما وجوراً والذي بدوره سيملأها حقاً وعدلاً ومساوات ، وقوله : ( ولكن المقصود في الإصحاح ليس قائمنا ) ونحن نتسائل هنا ؟ : هل هناك قائم بالعدل آخر يخرج في نهاية الزمان غير الأمام المهدي ( عليه السلام ) يؤمن به في نظر الكاش ؟ إلا إذا كان يؤمن بما آمنت به اليهود من قبل . وعودة لكلام الكاش : كيف عرف جناب الكاش أن ليس المقصود بهذا النص الأمام القائم ( عليه السلام ) ؟ وكيف عرف بأنه أيليا قائم اليهود ؟ وكيف فسر أنجيل لوقا بأنه ليس القائم ألأمام المهدي ( عليه السلام ) ؟ وهل يظن جناب الكاش أن النصوص " الأنجيلية " و " التوراتية " ذكرت فقط القائم وعيسى المسيح ( عليهما السلام ) ؟
وهنا تسائل مهم يفرض نفسه كان على جناب الكاش أن ينتبه له :: وهو أن الكاش يوافق آراء غولد تسيهر والدكتور الآصري : من أن قضية الأمام المهدي ( عليه السلام ) لاصحة لها وأنها مجرد أسرائيليات أخذتها الشيعة وقالت بها !! التساؤل الذي يفرض نفسه على جناب الكاش هو : إذا كان ما قاله الآصري وتسيهر اللذان أستدللت برأيهما وهو أكيد رأي يهودي !! إذا لماذا جنابك يعود ليأخذ بهذا الرأي اليهودي ؟ فأنت من جهة تحاول أن تثبت بأن ظاهرة الأمام المهدي ( عليه السلام ) فكرة يهودية وتستدل بتأريخ الأصحاحات اليهودية ... فلماذا هنا أنت ايضاً تأخذ باليهودية ؟ أذا تكون النتيجة = من فمك أُدينك !! رغم أن موروث التأريخ الأسلامي والروائي غني بالأحاديث والروايات والنصوص المعصومة السريفة ... إلا أن الأخ علي الكاش وغيره ممن يتعاملون مع هذا التأريخ من منطلقات ونوايا عاطفية شخصيةأخرى الى درجة إهمال هذا التأريخ رغم أنه : التأريخ الذي يعبر عن أصلهم وحضارتهم ودينهم وأخلاقهم وأنسانيتهم وعروبيتهم ، يهملون هذا التأريخ ويلجؤون بمحض إرادتهم ويصدقوا الأسرائيليات على حساب الحقائق المستفيضة بهذا الموروثات العربية الأسلامية الحقيقية الأصيلة ، وكان الأولى بجناب الأخ علي الكاش إذا كان يهدف الى نفي هذه الظاهرة !! أن يستدل على الشيعة أو غيرهم ! من الكتب التأريخية الأسلامية وليس بآراء وكتب اليهودية !! لأن هذا أمرٌ مُعابْ على إعتبار أن الأصل في المناقشة هو قضية عربية أولاً وظاهرة إسلامية ثانياً ... فهل إذا أردنا أن نحاور يهودياً أو نصرانياً في مسئلة خلافية أو عقيدة معينة ! هل نستدل عليه بما في كتبنا .... أم بما في كتبهم ؟ لذلك هذا الأساس وحده يكفي لأبطال كل ماجاء به الأخ علي الكاش . لكننا مع ذلك لا ننكر أو ننفي ماجائت به كتب التوراة والأنجيل بالبشارة بالمنقذ العالمي الأمام المهدي ( عليه السلام ) وظهوره بآخر الزمان ليملأها قسطاً وعدلا ... كما ملئت ظلماً وجورا
وأنها ليست فكرة من تلك الأفكار الأسرائيلية المدسوسة . لأنه حقيقة قد بشرت به السماء .
ويستمر الأخ علي الكاش محاولاته بالتدليس على الأسلام دون أن يراعي الحيادية في النقاش والنزاهة في النقل ومراعات النصوص التأريخية الصحيحة بمثل هكذا مواضيع تعتمد أساساً على " الدليل والبرهان " والتي لا يمكن بحال من الأحوال حصرها بمقالة صغيره دون الأسهاب ، والتعاطي معها من كل الجوانب ، الجوانب الروحية والتأريخية الأسلامية ومناقشة المصادر الروائية والتعاطي معها بنزاهة تامة ،
لاأن يوقع الكاتب نفسه بمطبات لايستطيع الخروج منها لاحقاً فينقلب السحر على الساحر كما هو حاله هنا وهو يناقض نفسه مرة تلو الأخرى ، فهو يقول بعد أن أورد النص : ( الذي سيلتقي أيضا بدوره مع موسى وعيسى كما جاء في إنجيل لوقا الأصحاح/9 "واذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا". ) ... ( وتعترف رسالة بولص بالمساواة في السيادة بين النبي والقائم. وهذا ما عبر عنه رواة الشعوبية بإن الإمامة هي إستمرار للنبوة ) : الملاحظ هنا أن جناب الكاتب يقر ويعترف صراحة بأشارة الأصحاح 9 : الى المساوات في السيادة بين ( النبي والقائم ) ( عليهما الصلاة والسلام ) فهو من جهة يعترف ويقول بما في النص : ( وتعترف رسالة بولص بالمساواة في السيادة بين النبي والقائم ) لكنه من جهة أخرى يرفض هذه المساوات بين النبي والقائم ويصفها ب " الشعوبية " لأنها صادرة من الخميني بكتابه ( الحكومة الإسلامية / 52 ) بقوله : ( وهذا ما عبر عنه رواة الشعوبية بإن الإمامة هي إستمرار للنبوة، لكن علماء الصفوية ومنهم الخميني جعل الإمامة فوق النبوة. فهو يدعي " إن لأئمتنا مقاما ساميا وخلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات هذا الكون. وينبغي العلم أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل". ) رغم أن جناب الأخ الكاش والأخوة السنة بشكل عام لايقولون بالأمامة والعصمة لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وهو خلاف معروف وقديم بين " المذهبين " ( المذهب السني والمذهب الشيعي ) حول نص الخلافة بعد النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ) الأمر الذي أوردته وأكدته ووثقته وأثبتته كل الفرق الأسلامية الى حدود تعدت التواتر والأستفاضة ، التي كان ينبغي من الكاتب البحث عن أصوله دينه وبيانها ومحاولة الكشف عنها كما كشفها وعرفها وفهمها الكثير من الباحثين في العالم الأسلامي قبله ، ليتأتى له بعدها الخوض بهذا الغمار وهو على دراية وفهم تام ، لكن ماذا نقول أو نفعل لعقيدة قد خطَّأت حتى النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ) وبلغت مبلغ إتهام النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ) في رسالته وأخلاقه وهو الموصوف من الباري ( تعالى ) ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) (3) النقطة والأنعطافة الأهم في التأريخ الأسلامي والحادثة التي غَّيَّرت مسار البشرية من النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ) ولحد الآن ، أليس النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو القائل لعلي بن أبي طالب ( عليه الصلاة والسلام ) : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ) ؟ (4) ، الأمامة المعصومة التي تتساوى سلطتها " الكونية و " التكوينية " مع بعض الأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) وتزيد على البعض الآخر منهم هذه السلطة الألهية التكوينية الممنوحة للأئمة المعصومين ( عليهم الصلاة والسلام ) نفسها السلطة الألهية الممنوحة لبعض الأنبياء ( عليهم الصلاة ) بما لم تمنح أو تتأتى لغيرهم بالرغم من نبوتهم ( عليهم السلام ) الشريعة في نظامها الكوني والإرادات الإلهية التكوينية بما هي غير موجودة حتى لدى بعض الأنبياء ( عليهم السلام ) من أولوا العزم ، كما في قصة موسى والخضر ( عليهم الصلاة والسلام ) التي أثبتها القرآن الكريم .
ويستطرد جناب الأخ الكاش لعلَّه يسجل أو هو يحسب أنه قد سَجَّلَ مؤاخذة على الشيعة بقوله : ( بل جعلوها موازية للربوية بقولهم" الرب هو الإمام الذي يسكن الأرض". كما جاء في كتاب. (مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار/59). ) عجباً للكاتب هو من جهة يحاول تسجيل نقطة " مغالات " بحق الشيعة لهذا " القول " ولا يعيب على النصارى وهم يجاهرون ببنوة نبي الله عيسى ( عليه السلام ) لله ( تعالى ) بل لا يعيب عليهم " التثليث " وَجَعْل عيسى ( عليه السلام ) بالأدعاء : هو أبن الله وثاني إثنين ومع ذلك هو يستدل بمقالتهم وأنجيلهم ويأخذ منهم ؟ ، كان على الكاش أن يعرف ويفهم أن وصف هذه الربوبية ليست كما فهم أو تصور من معاني " التأليه " للمعصومين ( عليهم السلام ) لأن المتصور في الأنسان العامل الحقيقي بأرادة الله هو من يمثل أرادة الله في الأرض ، وبطبيعة الحال هذه الأرادة موجودة لدى كل الرسل والأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) بأعتبارهم رسل السماء وأنبيائها أولاً والجهات " التشريعية " ثانياً ، وليس بمعنى التأليه والربوبية كما لله ( سبحانه وتعالى ) ، مع ذلك الشيعة عموماً و " الأمامية " خصوصاً تقول وتعترف وتقر بوحدانية الباري ( عز وجل ) وأن هذه التهمة !! ماهي إلا محض إفتراء ، فالتوحيد كعقيدة ثابتة كما هو في فهم ومنظور المسلمين و " أصولهم " :
(( الأوّل: التوحيد في الذات
قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد}
ومعنى هذا التوحيد على الإجمال أنّه في ذاته واحد لا شبيه له ولا نظير.
الثاني: التوحيد في الصفات :
ومعناه على الإجمال أنّ صفات ذاته عين ذاته لا ثنائيّة بينها وبين ذاته ولا في ما بين نفس الصفات، فعن أمير المؤمنين أنّه قال: ( وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه; لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله )
الثالث: التوحيد في العبادة :
ومعناه على الإجمال أنّه لا تجوز عبادة أحد سواه، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون} . وقال عزّ وجّل: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}
الرابع: التوحيد في الأفعال :
ومعناه على الإجمال أنّه لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله، وهذا لا ينافي ترتّب المسببات على الأسباب كالإحراق على النار، أو القتل على السيف، أو الزرع على البذر والمطر، أو ما إلى ذلك، كما لا ينافي اختيارية الإنسان، وكذلك لا ينافي التوسل بالمعصومين والأولياء .
أمّا عدم منافاته لترتّب المسببات على الأسباب فلأنّ ذلك أيضاً بمشيئة الله ومسبّب الأسباب هو الله، وعن الإمام الصادق أنّه قال: «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب فجعل لكلّ شيء سبباً، وجعل لكلّ سبب شرحاً، وجعل لكلّ شرح علماً، وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذاك رسول الله ونحن».
وأمّا عدم منافاته لاختيار الإنسان فهو على أساس الفكرة التي طرحها أئمّتنا من مسألة الأمر بين الأمرين.
وأمّا عدم منافاته للتوسّل بالمعصومين والأولياء فلأنّ تأثيرهم لا يكون إلاّ بإذن الله سبحانه وتعالى، وليس لهم باستقلالهم شيء. قال الله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي}.
أغصان التوحيد في الأفعال:
ويذكر للتوحيد في الأفعال أغصان كثيرة لعلّ أهمّها ما يلي:
الأوّل: التوحيد في الخلق، قال الله تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}.
الثاني: التوحيد في الربوبيّة، قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْء}. وقال عزّ وجلّ ـ عن لسان يوسف ـ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}.
وعبدة الأصنام يكون شركهم بالله تعالى عادةً في الربوبية كما دلّت عليه هذه الآية، وفي العبادة كما دلّ عليه قوله تعالى ـ عن لسان عبدة الأصنام ـ : {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
ولم يكن شرك عبدة الأصنام في الخلق مثلاً ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}، ولا في التوحيد الذاتي لقوله تعالى ـ عن لسان يوسف ـ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}، فتراه استدلّ على التوحيد في الربوبيّة بالتوحيد الذاتي، ولولا أنّ التوحيد الذاتي كان مسلّماً لدى صاحبي سجنه لكان هذا الاستدلال مصادرة على المطلوب.
الثالث: التوحيد في المالكية والحاكمية التكوينيّة، قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون}.
الرابع: التوحيد في التشريع، قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه}.
الخامس: التوحيد في الاُلوهية والطاعة، قال الله تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء}.
والأولى عندي جعل هذا غصناً خامساً لأصل التوحيد، فهو يشبه التوحيد في العبادة مثلاً الذي جعل غصناً برأسه، ولا يناسب جعله غصناً للتوحيد الأفعالي، فليس حقّ الطاعة فعلاً من أفعاله سبحانه وتعالى.
وكما قلنا في التوحيد الأفعالي ـ بمعنى لا مؤثر في الوجود إلاّ الله ـ:إنّ هذا لا ينافي التوسل بالمعصومين; لأنّ تأثيرهم لا يكون إلاّ بإذن الله لا باستقلالهم، كذلك نقول هنا: إنّ التوحيد في حقّ الطاعة لا ينافي وجوب طاعة المعصومين; لأنّ طاعتهم ليست لهم باستقلالهم بل بإذن الله سبحانه وتعالى وبإيجابه علينا طاعتهم كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه}.
والنقص الذي كان في توحيد إبليس هو في إيمانه بالاُلوهية والطاعة; حيث اعترض على الله تعالى في حكمه عليه بالسجود لآدم وقال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين}، وقال أيضاً: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْه}، وهذا يعني أنّه لم يعترف بحقّ الطاعة لله تعالى بحجّة أنّه يحكم بغير الحقّ فيأمر الفاضل أن يسجد للمفضول، وهذا هو الذي سبّب سقوط إبليس من مقامه الشامخ وانتهاء أمره إلى مستوى أن قال الله تعالى في خطابه إيّاه: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّين}، وقال: {لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين}، فقد انتهى إبليس إلى أسفل السافلين بسبب عدم خضوعه للتوحيد في الاُلوهيّة والطاعة بالرغم من تماميّة توحيده في الخلق وفي الربوبيّة وفي العبادة.
أمّا توحيده في الخلق فلقوله تعالى عن لسانه: {خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين}، وأمّا توحيده في الربوبيّة فلقوله تعالى عن لسانه: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ}، وأمّا توحيده في العبادة فلقول أمير المؤمنين في وصف إبليس: «قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة».
والرذيلة الخُلُقيّة لدى إبليس التي جرّته إلى مكابرة الله تعالى في اُلوهيته وطاعته كانت عبارة عن الكبر، ولهذا قال أمير المؤمنين:
(فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس; إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ـ وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة ـ عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟! كلاّ، ما كان الله سبحانه ليُدْخل الجنّة بشراً بإمر أخرج به منها ملكاً، إنّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هَوادة في إباحة حمىً حرّمه على العالمين، فاحذروا عبادَ الله عدوَّ الله أن يُعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورَجله، فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد، وأغرق إليكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب فقال: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}، قذفاً بغيب بعيد، ورجماً بظنٍّ غير مصيب...)(5) كيف تقول أمة معينة بربوبية أنسان الى حد التأليه له وهي تقول وتقر بوحدانية الله ( جل جلاله ) بنفس الوقت ؟ بهذا تكون التهمة باطلة ،
يستمر الكاش بتقديم أعتراضاته على نصوص تأريخية أسلامية موثقة والتي لم يُقِمْ أي دليل لحد الآن أو يُثْبِتْ عكسها أو يأتي بما ينفيها ، يقول : ( لذلك لا نستغرب عندما يؤوم المهدي السيد المسيح في الصلاة وهي حالة فريدة من بابها في تأريخ الأديان ! فقد نسبوا أحاديث للرسول(ص) بهذ الشأن منها" لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى إبن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول عيسى: لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة". والحقيقة إن أصل الحديث جاء عن عمران بن حصين عن النبي(ص) قال"لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام" ؟ أخرجه( أبو داود/2484). وليس كما نقله الشعوبيون وحرفوه. وحديث نبوي آخر" منا الذي يصلي عيسى بن مريم عليهما السلام خلفه". أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب (مناقب المهدي/77). ) ولسنا ندري !! هل أن أعتراض الكاش على الرواية ؟ أم أن أعتراضه على الكيفية ! كيفية إمامة الأمام المهدي السيد المسيح ( عليهما السلام ) في الصلاة ؟ لكن الظاهر أن أعتراضه هو على الرواية لأنه أوردها معترضاً بلفض آخر متهماً الشيعة مرة أخرى بالتحريف والشعوبية ، سنورد هذه الرواية ليطلع عليها الأخ الكاش والأخوة القراء في عدة مصادر ( في هوامش الرد ) : ( عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم )(6) لا تنافي بين النَّصَيْنْ كما هو ملاحظ ولكل حدث طائفة من الروايات فالتي ذكرها الكاش عن أبي داوود صحيحة وهذه الرواية أيضاً صحيحة : فالأولى رواها جملة من علماء المسلمين في صحاحهم ، والثانية أيضاً مروية من نفس المصادر وإن تعدد اللفض إلا أنه لاينافي ماقال به الشيعة ، إذاً يثبت لنا أنها محاولة من الأخ الكاتب للأيهام الى أنها من تحريفات الشيعة ... وهذا باطل جزماً كما أثبتناه .
يستمر الأخ الكاش بنقده وأعتراضه على الشيعة في محاولة لتصويرهم وأضهارهم بمظهر الأنحراف والشذوذ عن المسلمين : ( ويبدو إن هذه الفكرة الساذجة إنطلت على العلماء الشعوبيين من العرب، فهذا مثلا حسين الفهيد يرجح الولايه على النبوه بقوله" بعض ألأحيان تكون ألإمامه أفضل من النبوة، فإمامه الحسين بالنسب أفضل من رسول الله، فإن كان رسول الله أمه أمنه، فالحسين أمه فاطمه، وإن كان أبو رسول الله عبدالله، فأبو الحسين علي بن أبي طالب، وإن كان جد رسول الله عبدالمطلب، فجد الحسين رسول الله". وهذه الهرطقة التافهة لاتحتاج إلى تعليق! ) رغم أن جناب الكاش لم يورد لنا مصدر هذا الرأي للمدعو ( حسين الفهيد ) وفي أي كتاب له ؟ إلا أننا سوف نرد على النص وعلى علي الكاش وأنها ليست لصالحه ولا تدعم رأيه بحال من الأحوال وأن لا يتعامل مع هذا الرأي بأعتباره يمثل رأي الشيعة بأي حال !!
(1) الشيخ صديق حسن : الأذاعة .
(2) 1 ـ أبو داود في سننه . 2 ـ الترمذي في جامعه . 3 ـ ابن ماجة في سننه . 4 ـ النسائي ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية . 5 ـ احمد في مسنده . 6 ـ ابن حبان في صحيحه . 7 ـ الحاكم في المستدرك . 8 ـ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف . 9 ـ نعيم بن حماد في كتاب الفتن . 10 ـ الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي ، وفي الحلية . 11 ـ الطبراني في الكبير والاوسط والصغير . 12 ـ الدارقطني في الافراد . 13 ـ البارودي في معرفة الصحابة . 14 ـ أبو يعلى الموصلي في مسنده . 15 ـ البزار في مسنده . ( أوردنا هذه المصادر على نحو الأيجاز وإلا فهي أكثر استفاضة )
(3) النجم :3:4 .
(4) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 3503 . صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 2404 . سنن الترمذي الأحاديث 3724 و3730 و،3731 . ابن ماجه في سننه، الأحاديث 120 و126 . السيوطي : ( قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ) وغيرهم الكثير من علماء السنة مما أوردوا هذا الحديث وبعدة طرق ، لأكننا آثرنا الأيجاز ومنعاً للأطالة .
(5) السيد كاظم الحائري : الدرس السادس ( أغصان التوحيد ) .
(6) بن حماد/162 ، وأحمد:2/272، و/336 ، ورواه بخاري في صحيحه:4/205، ونصه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) . ومثله مسلم:1/136، و137 ، وأبو عوانة:1/106، وملاحم ابن المنادي/57 ، وابن حبان:8/283 284 ، والبيهقي في الأسماء والصفات/535 ، والبغوي:3/516 ، من صحاحه .... وغيرها الكثير .
(( يتبع ))
صفاء الهندي
التعليقات (0)