رداً على الخاشقجي قوة تاريخ .. أم إرادة بشر!!
علي بطيح العمري
كثيراً ما يردد الأستاذ جمال خاشقجي في رده على المعارضين لعمل المرأة وإخراجها بصور بعيدة عن بيئتنا بهذه الجملة:
"لا تقفوا في وجه قوة التاريخ فهي لا تتوقف لأحد ولكن انثروا على جنباتها الفضائل"!!
وهي جملة عندما تأملها فيها ألف نظر ونظر..
أولا: قوة التاريخ التي يعنيها الخاشقجي أهي قدر إلهي محتوم ولابد من الاستسلام له أم هي تصرفات بشر وصناعة أفراد!!
فالذين وظفوا المرأة كاشيرة أهي قوة التاريخ!! أم هي تصرفات وزارة خالفت أنظمة المملكة عيني عينك؟ وفي المقابل اللجنة الدائمة التي أفتت بتحريم العمل كاشيرة ثم صفعت على وجهها بالعديد من المقالات التهكمية جراء هذه الفتوى .. هذا الهجوم اللامبرر وهذا الصنف الذي غاب عنه حرية التعبير والرأي هؤلاء الذين أتوا بهذه التهكمات أهي من آثار قوة التاريخ أم خطوط كتاب وأفكار بشر؟!!
ثانيا: خلاف الشرعيين مع غيرهم يأتي من باب الحفاظ على كرامة المرأة وإبعادها عن مصادر الفتن وليس لكون العمل محرم على المرأة فكل تركيزهم على البيئة التي تعمل فيها متبعين في ذلك سياسة الدولة وأنظمتها التي منعت الاختلاط بينما صحفنا تصور للناس أن الشرعيين ضد عمل المرأة حتى أن بعض الصحف استقوت برأي علماء من خارج البلاد وطرحت عليهم نقاش حكم عمل المرأة كاشيرة!! مع أن الفتوى ليست موجهة لذات العمل بل لطبيعة وبيئة العمل فلو افترضنا أن المرأة عملت كاشيرة في سوق نسائي لتغير الحكم.
وكانت هذه الاستطلاعات الصحفية بمثابة التعليق على فتوى اللجنة وكأنها أخطأت في هذه الفتوى !! فهذه "الخبطة" "الصحفية" أهي قوة تاريخ!! أم توجهات إعلام!!
ثالثا: يدرس التاريخ ليستفاد من دروسه فها هي الدول العربية التي بدأ فيها مسلسل التحرر كيف بدأ وكيف استمر وأين وصلت المرأة اليوم .. اقرأ للكتاب الذين كتبوا عن تحرير المرأة المصرية من أمثال (د.محمد محمد حسين وأنور الجندي ومحمد قطب فهم عايشوا تلك الفترة) وكتابات علي الطنطاوي عن الشام كيف كانت المرأة وكيف بدأت الدعوات وإلى أين صار الوضع ألم تصبح المرأة اليوم سائقة "كدادة" وخادمة وخليلة!! وراقصة!! وعارضة أزياء ، فهل كانت هذه التدرجات التي حصلت عند جيراننا وصاروا يعانون اليوم من مشكلاتها قوة تاريخ تستلزم السير معها وخلفها أم بغية نفر يريدون إخراج المرأة؟ وتأمل في قصة قاسم أمين (صاحب القضية) كيف كان قبل السفر وكيف تغير الرجل!!
رابعا: إذا كان المجتمع حريصاً على عمل المرأة فهناك عشرات الطرق المشروعة التي لو فعلت لكفت المرأة القتال لمجابهة قوة التاريخ ولتوظف آلاف البنات ولعل الدكتور محمد السعيدي ذكر أمثلة كثيرة على هذه الأفكار كالعمل عن بعد ، وسعودة المدارس الأهلية وغيرها.
أما أن يكون طموح المرأة ومنتهى حلمها أن تعمل كاشيرة!! فلا اعتقد انه حلم لأي فتاة حتى وإن (زخرفت) مهنة الكاشيرا بآلاف الريالات!!
خامساً: يقول الخاشقجي "انثروا الفضائل..." .. الفضائل المنثورة موجودة لدى الشرعيين لكن هل تظن أن الجهات المسؤولة عن توظيف المرأة ستأخذ برأيهم وأفكارهم ، أم أن القابل للتطبيق والتنفيذ العاجل هو ما أفرزته "قوة التاريخ" ، والظاهر أن من هول هذه "القوة التاريخية" تباطؤ وزارة العمل عن أولوياتها في التوظيف فتركت بطالة الشباب وركزت على بطالة البنات وتحديداً تلك الوظيفة المرموقة!!
الصحف في المقابل حالت دون هذه الفضائل!!!
أقرأ المقالات اليومية التي تتحدث عن الكاشيرة غالبيتها تنشر رأي المؤيدين !! بينما الرأي الآخر جرفته أفكار "نفر" عفواً قصدي ضاع في زحمة قوة التاريخ التي هبطت علينا بعمل الكاشيرا ؟؟؟
ولم تتوقف الصحف عن نشر التعقيبات بل إن صحيفة ((......)) نشرت خبراً عن الشيخ عبد الله المطلق حول فتوى الكاشيرة وإن الفتوى ليست إلا مسودة ولم تعتمد ، وبعدها نفى الشيخ المطلق التصريح ولم يكن لدى الصحيفة الشجاعة الكافية لنشر هذا النفي !! ويتبين لكل ذي عينين أنها رؤية أشخاص وأفراد يراد لها أن تعمم على العباد والبلاد لذا تجنح الصحف عن مهنيتها وأمانتها العلمية وكأنها تقول للناس "ما أريكم إلا ما أرى"!!! وهذا من قوة التاريخ الذي تمارسه الصحف!!
أخيراً ..
"قوة التاريخ" الوهمية لن تقوى على زحزحة الرأي الآخر مهما أوتيت من قوة لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء .. وحكاية بث الرأي الأحادي والاستماتة في الدفاع عنه حتى لو بالاختلاق على عباد الله ومصادرة الرأي الآخر لن تصمد أمام "قوة التاريخ" الحقيقية ، والإعلام البديل صار أرضاً خصبة وميداناً رائعاً في تبنيه ونشره لمختلف الآراء ومناقشتها أما صحفنا الورقية فلن تصمد أمام حركة العصر وسيهال عليها التراب وتغيب شمسها فلكل عصر أدواته ووسائله أيضاً.
ولكم تحياااااتي.
للتواصل
alomary2008@hotmail.com
عصر الاثنين 16/12/ 1431
التعليقات (0)