مواضيع اليوم

رحيل عويشة....قصة قصيرة

mariam al sayegh

2009-08-09 11:17:09

0

-ألو ألو ألو

….

-ألو .أنا الحاجة فاطمة

مرحبا يا مرحبا ألالة الحاجة.

-مرحبا بكم في عرس ابني الغالي سيدي محمد.

الله يكمل بخير ألالة الحاجة..الله يكمل بخير..

أطلقت العرض متلفنة للعديد من الأسر و الأقارب مرحبة بهم في حفل زفاف ابنها الوحيد سيدي محمد.الذي لم يبق له إلا هذا اليوم ليدخل إلى عالم الزوجية.

تبالغ الحاجة في الافتخار بابنها سيدي محمد الذي تريد أن تضرب له عزوبيته بتزويجة فاعلة تاركة.أما بناتها فهن فعلا بنات القاع و الباع تفتخر بهن أمام النسوة؛ خديجة متزوجة من موظف كبير في البريد،مليكة متزوجة من موظف كبير في التريبونال و تعني بها الحاجة المحكمة .إجمالا الحشمة و الالتزام و البر بالوالدين و خصوصا عويشة و هذا الاسم تصغير لعائشة زيادة في التحبب.و الشيء الذي يجعل الناس مرعوبين من عويشة هو صمتها الأبدي و كثيرون تساءلوا كيف تمكنت هذه الفتاة الجميلة من إتمام مشوارها الدراسي إلى حدود توظفها بقطاع التعليم..و صديقتها الوحيدة على وجه الأرض هي أختها خديجة القاطنة بنفس الحي .على أي فمهما بالغت الحاجة في الافتخار بأبنائها فإنها تبقى أما ككل الأمهات.

المنزل مثل خلية النحل؛ الكل يعمل؛ صديقات الحاجة من الجيران، بناتها، بنات الجيران…الحاجة لا تكاد تعمل شيئا اللهم ما يبدو أنه إشراف على المهام.و إن كانت بعض إشرافاتها غير مصيبة فان للسائل أو السائلة الخيار في عمل ما يتراءى له هو شخصيا..

-عويشة ؟ وا عويشة ؟ نريد أن نفرح بك..

لم تتفاعل عويشة مع صديقة والدتها و جارتها لا فاطنة الفضولية..

و زادت لافاطنة قائلة- الخدمة؛أنت خدامة بالسلامة و العافية .كملي دينك..أين سافرت قبل يومين رفقة خديجة؟

سمعت خديجة هذا الكلام فانهمرت عيناها بالدموع أمام دهشة الحاضرين و توجهت إلى مكان آخر.فيما عويشة ابتسمت ابتسامة حزينة تعني أنها ليست في حاجة إلى الكلام التافه..

هذا سؤال وجيه وجهته لافاطنة الفضولية لعويشة بمباركة من والدتها الحاجة التي لم تعد تجد لعلاقة الأختين المبالغ فيها تفسيرا و ربما يخفيان وراءهما سرا كبيرا.و حتى الحاج والدها من جهته يريد لكل فرد من أسرته أن يستقل بشخصيته؛ و الحمد لله أنه اجتهد و جاهد في حياته بعصامية و كون مشروعا محترما يديره سيدي محمد بنزاهة و فعلا أصبح هذا الابن نعم المشرف على الأسرة و أصبح هو مول شوارها.

هناك فترات مبهمة في حاجة إلى تفسير .على حين غرة تسافر عويشة و خديجة إلى مدينة الرباط و زوج هذه الأخيرة لايتحرج من الأمر. كل واحد من جهته أعطى تفسيرا لهذه الأسفار..و عندما يتقدم أحد ما لطلب يد عويشة فان خديجة هي صاحبة الأمر و النهي و يا كم من الأشخاص تقدموا لخطبتها و لكنهم عادوا خائبين لا يلوون ولو على مهلة للتفكير.

دخل مصطفى زوج خديجة و أول ماسأل سأل عن عويشة..

قال بصوت متوسط – عيشة و عويشة ؟ فينك ؟

أجابت خديجة و هي لازالت متأثرة – اتركوا عويشة و شأنها ؟

ثم استطردا في ترديد بعض النوادر.حيت عويشة زوج أختها بابتسامتها المعهودة فربت على ظهرها ..

- كل شيء سيمر بخير إن شاء الله تعالى.. مصطفى مخاطبا عويشة

- الحاجة.أين وصلت الأشغال؟

ردت على مصطفى – كل شيء سيكون على ما يرام إن شاء الله .

- أين العريس ؟ قائلا مصطفى

-أرسلناه ليحضر لنا عشرين دجاجة أخرى.. خديجة مجيبة على سؤال زوجها.

كانت النساء كثيرات؛ فيهن الجارات و العاملات اللواتي تم استقدامهن للقيام بمختلف المهام استعدادا لجحافل الضيوف.

و الأطفال و رغم الحيطة و الحذر الذين تبديهما الحاجة فلابد لها أن تهزم أمام بعضهم مستغلين شيخوختها لتناولهم أمهاتهم ماتيسر من أكل رغم رفض الحاجة.

خرجت خديجة مرتبكة و تخفي وراء ملامحها سرا ما وخاطبت زوجها مصطفى بصوت خافت.

- عويشة عويشة.

دخلا إلى بيت معزول.عويشة في شبه غيبوبة أو في وضعية إنهاك قصوى. شجعها على المقاومة ريثما يوصلها إلى المستشفى.أقفلا البيت من الداخل و ناقش زوجته هل سيرافقها إلى المستشفى بالرباط حيث كانت تخضع للعلاج أم سيكتفي بنقلها إلى المستشفى هنا بالمدينة.

تشجعت عويشة و توقفت و رغم مرضها الذي كانت تحتفظ بأمره لنفسها و لخديجة و لمصطفى فإنها تود أن يمر حفل شقيقها دون إزعاج..

قال مصطفى مخاطبا الحاجة بصوت حازم و هذه الطريقة في الحديث جعلتها كما توسم هو لا تجادله في أبسط شيء رغم أن ما يدعيه لا محل له من الإعراب في هذا الظرف بالذات .

في هذا الصدد قال مخاطبا الحاجة.

- لقد اتصل بي أحد أصدقائي على وجه السرعة.منذ مدة و هو يغازل أحد سماسرة الحركة الانتقالية و بعد مدة طويلة ها هو الآن يبدي رغبته في التوسط لنا لدخول عويشة إلى المجال الحضري.لازلنا لم نتفق على ثمن العملية .و لكنه هو الذي سيحدد ثمنا لا يقبل المناقشة…/ مخاطبا زوجته/ انتظراني في السيارة ؟

و تابع حديثه للحاجة – قلت بأن هذا السمسار يطلب مني الآن على وجه السرعة أن أهيئ ملفا طبيا كيفما كانت حيثياته للاعتماد عليه .و لهذا سنذهب إلى المستشفى عند أحد الأصدقاء ليساعدنا في انجاز ملف طبي .هذه فرصة لا تعوض..

خرج مسرعا و لم يكن في حاجة إلى مناقشة هذا الأمر الذي جعله واقعيا يتجرع و زوجته العلقم بحيث كان عليهما تحمل عبء عيادة عويشة في مكان عملها بمنطقة بجهة طاطا الداخل إليها مفقود و الخارج منها كأنه مولود….زيادة على تحمل أعباء السفر إلى الرباط وفق حصص العلاج الكيماوي الذي تخضع له الفتاة…

وصل إلى المستشفى الجراحي؛إجراءات روتينية أضاعت له الكثير ربما من حظوظ الفتاة في حياة مؤجلة.

أسئلة غبية يطرحها أفراد الأمن الخاص.

- آش عندك ؟

يجيب مصطفى بنرفزة لأنه يتكلم من وازع نفساني يرى ن خلاله بأن هذه الأسئلة مضيعة لحياة المرضى ليس إلا.في جل الأحيان إن لم تكن كلها يكون الطرفان في حوارات عصبية و كل طرف يتكلم من منطوقه الخاص فيما المريض يعيش في حالة من الألم تخصه هو و لكن لسان حاله يعجز عن التعبير على خطأ حارس الأمن و الإدارة و المرافق له…

كانت خديجة تحترق دواخلها و لكنها لم تجد بدا من إبداء حتى بعض الإيحاءات الرقيقة تجاه الحارس لربما و عسى يتنازل عن عصبيته التي تضيع من فرص عويشة في حياة مؤقتة.

دخل مصطفى إلى ساحة المستعجلات باحثا عن عربة .وجد عربة تستعصي عن الحركة لكنه لم يجد بديلا لها و كان يجدر به أن يعتمد على عضلاته ليجبرها على المسير..وضع عويشة على العربة و تقدم بها إلى مدخل المستعجلات.

عند مدخل المستعجلات يوجد سجل لتوثيق المعلومات حول الوافدين على المصلحة.

تقدم منه أحد الحراس و سأله عن حالة الفتاة.صاح مصطفى في وجهه فرد عليه الحارس بفتور – نريد أن نعرف إن كانت حالتها جراحية فهنا و إن كانت طبية فلتذهب بها إلى مستشفى بن المامونية….ثم توغل داخل قسم المستعجلات.

ثلاث فتيات تتناوبن في الحديث و تسجيل أسماء الوافدين و تحملن بادجات الهلال الأحمر المغربي.

سألت إحداهن مصطفى – آش عندكم ؟

- هذه الفتاة مريضة، إنها تتابع حصص العلاج الكيماوي… ثم ناولها بطاقة التعريف و بعض الأوراق الطبية.

- كان عليكم نقلها إلى المصلحة التي كانت تعالج فيها… فتاة الهلال الأحمر قالت لمصطفى.

نظر إليها مصطفى بعنف و قال لها – سجلي المعلومات و اصمتي أحسن لك ؟

احمرت خجلا أو خوفا و قالت له – اذهب إلى الصندوق و اطبع هذه الورقة ؟

تسلم منها ورقة بها معلومات عن عويشة مكتوبة بخط رديء و توجه إلى الصندوق غير بعيد عن مصلحة الاستقبالات.كان يعرف بأنها أرسلته لأداء مبلغ العيادة ليس إلا.بعلبة الصندوق كانت موظفة تعمل بتثاقل.جاء دور مصطفى و سلمها مائة درهم .

قالت له – أريد الصرف.

رد عليها – و من أين سآتي بهذا الصرف ؟

قالت بفخر – شغلك

تفرس في وجهها بعنف أيضا و بانفعال شديد قائلا لها – العفو..تعجبكم نفسكم و لكن هذا الإعجاب في غير محله..إن المريض في طور الانقراض أو الويل أو الموت….

ثم فتشت هنا و هناك لتدبر الصرف.

دفع العربة منفعلا و تبعته خديجة . لم تنته المتاعب بحيث منعها أحد الحراس من الدخول بحجة أن شخصا واحدا في الكفاية؛ فكان أن دفعه مصطفى بعنف.تطلب الأمر تدخل أحد الموظفين و من خلال الحديث معه تبن أنه الطبيب رئيس مصلحة المستعجلات.

أجابه مصطفى منتقدا – و سيادتكم تضيعون وقتكم في مهنة الحراسة ؟ المرضى في حاجة إليكم.أقول هذا مع كامل احترامي للمهنة.و من فضلك لا تحاول أن تناقشني في التفاهات.المهم لدي هو أن هذه المريضة ضاعت بين إجراءات سخيفة..

فعلا لم يكلمه الطبيب المسئول ثانية .كل ما فعله هو أن أعطى الإذن لخديجة بمرافقته .

حارس آخر أمام باب قاعة العيادة.أعطاه مصطفى توصيل الأداء فانتظر دوره .

طبيب داخلي هو الذي يتولى عيادة المرضى.كثير من الأسئلة أمطر بها المريضة لتكوين فكرة عن ماضيها المرضي.كانت تجيب عن أسئلة و لا تجيب عن أخرى..سجل لها ضرورة إجراء سكا نير للدماغ و على وجه السرعة.

استفسر في مصلحة الصندوق فتبين له أن الوثائق التي تلزمه للاستفادة من التغطية الصحية تتطلب منه وقتا طويلا و إجراءات غير مفهومة فاختار أن يؤدي ثمن السكانير على وجه السرعة.

توغل إلى قسم المستعجلات باحثا عن مصلحة السكانير ليوقع له طبيب هذه المصلحة في ورقة المعلومات.

شعر بتعب عميق فأعطى لأحد الحراس عشرين درهما فتكلف الحارس بما تبقى من الإجراءات على وجه السرعة.انه لايؤمن بالرشوة و لكنه كان كله طمعا في أن ينقذ ما يمكن انقاده.

أعاد الحارس الفتاة إلى مصلحة المستعجلات ووضعها داخل قاعة خاصة بإيواء مرضى جراحة الدماغ و العمود الفقري حتى تتم ترجمة كليشيات السكانير من طرف مختص في الأشعة.

الساعة العاشرة مساءا فبدأت الاتصالات تنهال على مصطفى من هنا و هناك و كان يكذب ريثما ينزل أمر من الله يلطف من هذا الخطب.

ذهب الحارس- صاحب حاجة- مصطفى إلى مصلحة السكانير و عاد مرفقا بتقرير السكانير.سلمه إلى الطبيب الداخلي المكلف بالعيادة الذي قرأه بجهبذية..توجه إلى الحائط حيث هاتف مغروس في الحائط.ركب رقم البروفيسور المختص في جراحة الدماغ و العمود الفقري الملزم بالحراسة فلم يفلح في الاتصال به .أعاد الكرة مرات و مرات حتى توفق و تلا عليه التقرير ليعطي البروفيسور أمره في نوعية التدخل…. لكن الله سبحانه و تعالى أعطى أمره لروح الفتاة بأن تعود إلى باريها…فانهار مصطفى و زوجته أمام جثة هذه الفتاة التي كانت لا تتنازل قيد أنملة على أن ساعة موتها قادمة رغم كيد المتفائلين…

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !