ج 2:فتي الأحلام
أذكر كلامه يتردد في أذني باستمرار ، وريقات لم تسقط بعد علي الرغم من سقوط الكثير، لحظات لا تنسي ولا تفقدها الذاكرة .
كأنغام العصافير المغردة ، خفيف أشجار مشتاقة للقاء أحبابه ، كسحاب متناثر يستجمع نفسه ، عصفور في قفص الحب يغرد ، رغم تواجد بداخله ، يغرد بأعذب الألحان .
اسمي جنة فؤاد، أقتن في عمارة تتوسط منطقة راقية، يتكون من خمس طوابق، سكانه أصدقائي ماعدا المقابلة فارغة، لذا أترك نافذة غرفتي مفتوحة علي مصراعيه، لأرمق السماء بعين لا تعرف الحدود.
أعشق البقاء داخل جدران غرفتي ، أناس العالم الخارجي وحوش تنهش جسدي بوحشية ، فأفضل التواجد بداخلها،أتذكر لحيظات الهنا ، أتعبني تشيد قصور لا تعرف سبيل لتحقيقها في الحاضر .
شجرة أسرتي فروعها قليلة ، تساقطوا جميعا ً لم يتبقي سوي عمي آدم ، يعمل صفحي لديه أفكار وأراء ذات معني، دائما ً أشعر بأنه أعز عندي من أبي .
أما الجذع يعتلي عرشه أبي ، رجل أعمال مدير مصنع فؤادكم لأغذية ، قلبه عداد يرصد الصادر والوارد بدقة ، عقله كمبيوتر لا يتهاون في حقه برهة ، يحب اقتناء التحف أحبها لديه الأسلحة .
أحد فروعها أختي يارا المقهورة كما أسميتها ، هربت من الريح لبر الأمان بباريس ، تزوجت من زميلها شاب نال ما يكفي من قوة العاصفة ، يعمل مرشد سياحي .
الروح التي تمنحنا الحياة هي أمي، تملك بوتيك للملابس الجاهزة، عمرها لم يتجاوز اليوم سعادة منذ عرفت أبي.
أنا الفرع الأصغر علي الهامش، مجرد طيف في البيت، أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عام، أعمل مهندس معمارية في شركة وسام للمعمار.
بالنسبة لنصف المبتعد عني الآن وسام ، قلبي النابض بالحياة ، فرع لشجرة زرعها والده ، وحيد ويتيم بعدما تركه برفقة والدته ، عمره خمس وعشرين عام .
معرفتي بوسام تعتبر من أغرب الطرق ، طريقة فتاة مراهقة ، طالما سمعت عن ما يسمي بالالتقاء الروح بالعالم الآخر ، ربما كلامي صحيح ولست الوحيدة .
بأحدي الليالي كنت نائمة ، مستغرقة في نوم عميق ، أهرب به من مخاوفي ، رأيت نفس أفتح النافذة لأجده المقابل مفتوح ، فإذا بي أري شاب يمر أمامي يمين ويسار.
وجهه الساحر جذبني لأقف متصلبة بمكاني ، أحملق به لأسبح في عالمه الواسع ، عالم يخلو من الخوف والألم ، فإذا بصوت يوقظني من أروع أحلامي .
يا لك من منبه غبي ، لما دقت معلن فرار حلمي مني ، حان وقت الذهاب للعمل ، بدلت ملابسي وحاولت نسيان ما رأيت .
استعديت للركض كالعادة ، أشعر بالراحة ونحن نجتمع معاً ، جميع سكان العمارة أجدهم عائلة تحتوني ، وبالمقابل أبي يبتعد عني بشتي الطرق .
أليس من الغريب أن تتبدد مشاعرنا؟! ، بدلا ً من كون القلب مركز الإحساس أصبح عداد يحسب الوارد لجيبه ، بدلها بمشاعر تهز قلبه ، ولما العجب ونحن في زمن المال هو الأهم و الأغلى من العائلة .
انتهي الركض بعدها صعدت لأستحم وأغير ملابسي ، فتحت شباك غرفتي كالعادة ، لأجد فارس الحلم يمر أمامي حامل كوب ماء ليروي وردته الحمراء .
نظرت إليه وتذكرت الحلم لأرفرف لعالم الخيال ، حديقة من الورود البيضاء ، طيور ترفرف حولي ، أرجوحة بيضاء ، ويدفعني لأطير وأرفرف لأمسك النجوم ، ضحكاته تعلو كلما ارتفعت .
لحظات سرقتها من الزمن ، لكني عدت لرشدي حينما لمحته يرفع رأسه بهدوء ، نظر إلي ِ بعينه الرمادية ، رأيته يمعن النظر بملامحي.
هرولت مسرعة من الخجل الذي تملكني حينما رآني ، لأجد والداي في انتظاري لتناول الفطور .
ــ بابا .. متى سكنت الشقة المجاورة ؟ ! .
ــ منذ يومان .. لما تسألِ ؟ ! .
ــ لا شيء وجدت النافذة مفتوحة وبها شاب .
ــ أجل يسكن هو ووالدته بمفردهم .
ــ حسناً تأخرت .. إلي اللقاء .
ــ أستأتي علي الغذاء ؟.
ــ لا أعرف .. أمي سأخبرك لا تقلقي .
فتحت الباب ونزلت مسرعة لأجده ينزل ورائي ، أسرعت في خطواتي كي لا تلتقي عينه بعيني ، كنت أشعر بالخجل ، نزلت متوجه نحو سيارتي هرباً منه.
لم أشعر بهذا الخجل من قبل ، بديري المحرك فسمعت صوت كاسيت منبعث من سيارته ، لا أعرف أهو القدر ،.
نظر لي مبتسم ، بحثت عن الأغنية في الراديو لأجدها ، لم تكن اختياره ، أنا مش بعيد يا حبيبتي عنك .. دا إلا بينا خطوتين ..
أستمع وقلبي يدق بشدة ، منذ يومان لا أسمع سوي أغنية ولسه الليالي بدور عليك .. وعينه يا غالي مشتاقة لعينك .. الآن عرفت مصدرها .
ــ أنتي من أمتلكتي كياني . . خفق قلبي حينما رأكيِ .. رأيتك بأحلامي .. بحثت عنكي
في كل مكان .. وها أنا أجدك بجواري .. يا لا هذا القدر الذي يجمع القلوب من غير موعد .. أقدارنا تبحث عن سبيلها .
كانت هذه الكلمات التي قالها لنفسه بينما كنا نستمع للأغنية ، لم يعي أن صوته عالي إلا حينما نظر لعيني ، تحرك بسيارته هرباً مني .
شعرت بشيء يجذبني نحوه ، قلبي يدق بشدة ، شعرت بالراحة ، راحة نفسية لم أشعر بها من قبل اتجاه شاب .
انطلقت لعملي كالعادة ، كنت قد أتممت مشروع مهم ، هذا هو مشروعي الأول ، توظفت بشركة منذ شهر .
ــ مرحبا ً مهندسة جنة .
ــ مرحبا تولاي .. المدير طلبني .
ــ أجل أعرف .. تفضلي ينتظرك .
ــ شكراً
طرقت الباب ودخلت ، كان يدير كرسيه ، لا أستطع التحمل كاد صبري ينفذ من الخوف ، يتحدث في الهاتف وأنا منتظره ، انتظر وانتظر ، امتحاني الأول أما النجاح أو الإخفاق .
انتهت المكالمة واستدار ، لأجد الشاب الوسيم ، فارس الحلم هو مديري ، وقفت مكاني لا يتحرك لي ساكن ، فأبتسم ضحكاً .
ــ أنتي هنا أيضا .
ألتقط عيني بعينه ، شعرت بشيء يهتز بداخلي ، لا أعرف لماذا ؟! ، لما وقفت مكاني .
ــ أتعملي هنا منذ زمن ؟.
ــ نعم ولا .
ـ هذه فزوره .
ــ لا أعمل منذ شهر .. لكني أحببت العمل فأشعر أنني أعمل منذ أمد .
ــ ما اسمك ؟.
ــ المهندسة جنة .
ــ تشرفنا .. وأنا المهندس وسام .
هذه رسوم المشروع التي طلبتها .
ــ سأطلع عليها ونتناقش فيها غدا ً .
ــ حسنا ً تأمرني بشيء.
ــ لا تفضلي .
خرجت من مكتبه وأنا أفكر في الحلم وهذا اللقاء الغريب ، لطالما سمعت جملة الدنيا صغيرة ولكني لم أصدق لهذا الحد ، انتهي عملي وعدت للمنزل .
ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ ـــــــ
مر أسبوع ولا شيء جديد ، وذات صباح سمعت صوت موسيقي ، يا تري ماذا ستكون الأغنية هذه المرة ، يا إلهي لكم أعشقها " يا سلام يا سلام أد ايه حلو الغرام .. بالعين ولا الإيدين بدنا بالسلام .. مش فاكره يومها أنا مين اللي ابتدى بالكلام " .
وقفت استمع للأغنية وأنا أرقص من السعادة، لا أعرف لما ؟ ، يمكن بسبب اقتحمه حياتي في فترة قصيرة ، حاولت جمع شتات أفكاري .
فتحت الشباك لأجده يروي وردته ، نظرة فإبتسمه ، فقطف الوردة وقذفها نحوي بعدما قبلها ، أخذتها وانطلقت للركض كي أهرب من خجلي .
بعدما انتهينا أوقفتني سمر جارتنا في الطابق الخامس وصديقتي قائلة :
ــ أشعر بشيء غريب بعينك .. أيغازلك الحب ولا نعرف يا ماكرة .
ــ لم أصل لهذه الدرجة .. الأمر وما فيه أنني رأيت شاب بالحلم .. وفي اليوم التالي رأيته بالنافذة المقابلة .. والأكثر غرابة هو رب عملي .
فقالت منال جارتنا بالطابق الثاني :
وما اسمه فتي أحلامك ؟ .
ــ اسمه وسام .. ليتكم رأيتم وجهه الباسم .. مثل الملائكة .. وقفنا ننظر لبعضنا دقيقة لا تتحرك أعيننا .. قطف الوردة وألقها لي .. أمسكتها ونظرت له ثم للساعة .. فهز رأسه فخرجت من غرفتي وقابلتكم .
فقالت سمر:
ــ أ هو وسيم ؟ .. قوي البنية .. جذاب .
ــ لا يهم .. الأهم هو مشاعره الرقيقة .. وابتسامته البريئة .
فقالت سمر :
ــ أريد رأيته .
ــ سينزل بعد نصف ساعة .. انتظري بالشرفة واحكمي عليه .
فقالت روجينا أخت سمر :
ــ هربتي من الجواب بسهولة ومكر .. كما هربتي منه لتأتي إلينا .
فإذا بجارتنا الكابتن رغدة تظهر فجأة وتقول :
ــ ألم تنتهي أحاديثكم .
ــ حسناً ألي اللقاء .
ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
لم أرغب في الذهاب للشركة ، خائف من نظرات عيونه حينما يراني ، لكني لم أستطع المقاومة ، بمجرد وصولي وجدته ينتظرني بمكتبه .
ــ حضرتك طلبتني .
ــ أجل .. لقد أطلعت علي مشروع فيلا الفارس المجنح كما أسميتها .
ــ ألم يعجبك تصميمي.
ــ أولا ً أريد سبب تصميم الفيلا علي هذا النحو .
ــ حسناً فالبداية اتصلت بالسيد جواد .. طلبت منه معرفة أي الألوان والأذواق في الأثاث تفضل عائلته كلا ً علي حد .. وأي الهوايات يمارسوها ، وبالفعل كان متعاون معي .. وفي اليوم التالي أرسل لي التقرير .
السيد جواد يهتم بالمظهر مع لمحة فريد .. يرغب في الشعور بالخصوصية في التصميم .. لذا قمت بتصميم الوجهة علي شكل حصان يقف علي عارضيه الخلفية .. وعلي ظهره فارس بملابس عربية مجنح .
ستسألني لما هكذا ؟ .. سأخبرك السيد جواد متطلع للأفاق .. لديه طموح وهذا واضح من خلال أعماله في القناة الفضائية خاصته .
الحصان يقف علي صخرة يتخللها الباب الرئيسي .. والشبابيك علي الجانبان بنفس لون الحجر .. سيكون الشكل من جحر البارز .. وأما الحديقة ستكون بسيطة مملوءة بزهور نادرة طلب زوجته .
ــ التصميم الخارجي رائع .. ولكن أسيوافق السيد جواد .
ــ حينما ننتهي سأعرضه عليه .
ــ هذا أحسن حتى نتجنب المشاكل .. ولكن لما وضعتي حمام السباحة بغرفة متحركة الحوائط بالحديقة الخلفية .
ــ السيد جواد محافظ ولا يريد نساءه عرضه للأنظار .. وهذا ما أخبرني به .. ورأيت أن هذا أسلم حل .. ولكني حرصت علي جعل الحوائط والسقف متحرك .. إذا أراد إقامة حفل مفتوح .
ــ فكرة ذكية ورائعة .
ــ أما بالنسبة للتصميم الداخلي .. الغرف يتم تصميم ديكورها وفق لكل فرد .. وأذوقهم ليست غربية .. عادية ..الطابق الأول سيكون للسيد وزوجته وغرفة معيشة كاملة .. كذلك الطابق لابنتيه .
أما ابنيه بالطابق الثالث .. وهكذا الطابق الرابع سيكون خالي للضيوف .. وبالنسبة للطبقة السفلي.. هناك غرفة معيشة كبيرة .. وسفرة .. وغرفة مطبخ وحمام و غرفة مكتب .. وغرفة لألعاب الرياضية أظن التصميم متكامل .
ــ التصميم رائع .. ستطلبي السيد جواد كي يري التصميم .
ــ أهناك أمرا محتاجا ً لتغير ؟.
ــ لا مجرد سؤال.
ــ حسنا ً سأنصرف .. ..
ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
انتظروا الأحداث القادمة
التعليقات (0)