على حافة مجرى السيل في قطعة نائية قرب خيبر تسمى الخشيبة قريبا من المدينة المنورة سافرت إليها منطلقا من تبوك في السعودية العامرة....كانت مزرعة ليست إلا قطعة جميلة من الجنة....البيئة فطرية كأنها خلقت بالأمس....آثار السيل واضحة على جوانب وفي قاع النهر الذي جف وعلى ضفافه الخالية بضعة نخلات تمرها من تمر الجنة وجريدها خال من الأتربة وساقها بضة مثل قوام الفاتنة الحورية....وشجيرات لا أذكر نوعها ولكن أشم رائحتها الآن وبعد عشرين عاما كاملا ....قضيت ليلة وضحاها تمنيت في آخرها أن أختم رحلة الحياة لأبعث في هذه البقعة الطاهرة الزكية...ما أجمل أن ترى مقعدك في الجنة وأنت على الأرض .....إذا ألقيت بجسدك على الرمال الناعمة هناك أحسست بلمس أرض الجنة ونعومة رملها وبياضه ...ما أبهى صباحها في شروق الشمس الحانية ...ليست شمسا ساطعة تؤذي العين ولا تلهب الجسد ولا تثير العرق ...برد وسلام يلفان كيانك ويهدأ قلبك وينتظم نبضك و تستنشق النسيم الذي يهب من قلب المدينة المنورة فيرسل أشعة السلام وأنسام العشق للطاعة كأنك تدفع ثمن البقاء في روضة من رياضها ....في الصباح من اليوم التالي صحوت على هفهفة النسيم وتناولت طعاما بسيطا لم أر له مثيلا في الحلاوة وتحت ظل شجرة رقت أوراقها وترقرقت عليها في الصباح دموع الندى وبين أوراقها تسللت أشعة الشمس تتهادى بين الأوراق فتعبث بالوجه تنير جزء وتتوارى عنه ثم تلاعب الرموش والعين فتتابع الجفون بين فتح وقفل راضية بمداعبة الأشعة ومشعة بهجة يرق لها قلب الحجر......ما أرق نسيمك يا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم....يا أرض احمليني إلى الحبيب أبث له سعادتي بقربه وفرحي بمجاورته....يا أرض الخشيبة سلام عليك وعلى والدنا أبورشيد صاحب الجنة في مجرى السيل في الخشيبة....لو أراد الله أن ألقي بجسدي الذي وهنت عظامه على أرض أحببتها وأحبتني لكملت سعادتي ورضيت بها سكنا ومثوى ومبعثا......الله قادر على تلبية رغبتي ...هو القادر على ذلك ...
التعليقات (0)