رحلة صباحية تكشف معاناة بعض أطفال مخيمي بلاطة وعسكر
"يلا على الحسبة".. رحلة صباحية تكشف معاناة بعض أطفال مخيمي بلاطة وعسكر
شبكة إخباريات - وعود مسيمي- (خاص): ما أن تشق الشمس خيوطها، أو قبل ذلك بقليل حتى يحمل عشرات الأطفال من مخيمي عسكر وبلاطة، همومهم وأحزانهم، وآلامهم، وآمالهم المتثاقلة باتجاه سوق الخضار المركزي "الحسبة بحثا عن قوت يوم أو وجبة تسد الرمق لساعات قليلة.".
الساعة السادسة صباحا هو وقت العمل للكثير من أطفال مخيمي بلاطة وعسكر القديم شرقي مدينة نابلس, الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه غالبية عائلات تلك المخيمات, انع بشكل كبير على أطفالهم, الذين اضطروا إلى النضوج قبل أوانهم, يستيقظ الأطفال من سبات فقرهم متجهين إلى الحسبة باكرا, وهي عبارة عن مكان لتجارة الخضار والفاكهة, حيث يتم تجميعها في هذا المكان قبيل توزيعها
الطفل مراد عبد الله من مخيم عسكر, يصف رحلته اليومية إلى الحسبة:" آتي هنا كل يوم, أتنقل بين صناديق الخضار وعندما أجد فاكهة أو خضار على الأرض, فإنني التقطها واضعها في هذا الكيس, وهكذا استمر بالمشي إلى أن اجمع ما يكفي يومنا من الخضار, اعلم بأنها ليست بنفس جودة تلك الخضار التي يشتريها الناس وأن بعضها قد يكون تالف لكننا مجبرين على أخذها وغسلها ثم أكلها, ليس لدينا بديلا آخر".
ويكمل مراد:" أبي لا يعمل يوميا, معاناة كبيرة يسببها لنا الفقر, لا استطيع أن أبقى مكتوف اليدين, لذا طلبت من والدتي أن توقظني كل صباح لأذهب واحضر لهم ما يأكلوه, أما الآن وبعد أن جاءت المدرسة, لن استطيع الذهاب إلى الحسبة إلا في أيام العطلة".
على بعد خطوات يقف الطفل مصطفى سامر أبو مصطفى, حاملا في ملامحه حزنا و تعاسة, وبيديه كيسا فارغا, وكأن معاناة اللاجئين بأكملها تتلخص في ملامحه, وعندما اقتربت إليه مراسلة "إخباريات" وكلمته قال:" جمعت الكثير من الخضار هذا الصباح, لقد جئت في وقت مبكر جدا, لكن احد ما سرقها مني بعد كل هذا التعب, سأجبر الآن على البحث من جديد, أتمنى أن أجد شيئا الآن, فعائلتي بانتظاري".
غسان الصيرفي تاجر في الحسبة, يؤكد على أن سكان هذه المخيمات تعاني من فقر مدقع يحول من هؤلاء الأطفال رجالا قبل أوانهم, ويتابع الصيرفي:" هؤلاء الأطفال يرون بأن الحسبة مصدرا أساسيا وربما الأول لتوفير لقمة عيشهم, أوقات كثيرة نأتي نحن التجار إلى الحسبة فنجد الأطفال أمام البوابة بانتظارنا يأتون قبلنا, الفقر الذي تعاني منه غالبية العائلات هنا, هو ما يدفعهم إلى اللجوء إلى الحسبة, حيث أصبحوا يبحثون عن أي وسيلة قد تساعدهم في إيجاد لقمة العيش, إننا نساعدهم قدر الإمكان, كما أن بعض التجار يقومون بتشغيل الأطفال مقابل بعض الخضار أو الأموال".
وفي احد زوايا الحسبة الشاسعة المساحة, يقف الطفل احمد الشافعي برفقة بعض الأولاد حاملا بيده عصا, وكأنه يتربص لفريسة ما, فسألته عن السبب, وأجاب:" اعلم بأن هؤلاء الأطفال من أخبركم عني, لن اجعلهم يتمكنون من جمع الخضار بأمان, لقد ضربوا أخي الصغير, لذا سأضربهم وألقنهم درسا لن ينسوه".
براءة ولكن...
" الوضع الاقتصادي السيئ هو ما يدفعهم للمجيء إلى الحسبة لجمع ما نرميه من خضار غير مناسب للبيع, لكن هؤلاء الأطفال الذين ترونهم, عندما لا يجدون خضارا على الأرض فإنهم يقومون بسرقة الخضار منا, بالنسبة لي لا تعاطف معهم فهم مصدر إزعاج كبير", هذا ما يقوله حمادة أبو ثابر -تاجر في الحسبة- رافضا مجيء الأولاد إليهم, ويتمنى لو أنه يستيقظ ذات يوم ويرى بأن الحسبة قد طهرت منهم جميعا -حسب وصفه-.
الطفل علاء حشاش من مخيم بلاطة, يرفض من ناحيته تلك الاتهامات, ويقول:" نتعرض لمضايقات كثيرة من بعض التجار, هم يقولون بأننا نسرق, وهذا غير صحيح فليس جميعنا يسرق بل عدد قليل من الأطفال, أنا آتي هنا منذ سنين وحتى اليوم لم اسرق شيئا ولن افعل ذلك حتى وان لم أجد شيئا آكله".
ويتابع الطفل علاء:" يوجد أطفال يقومون بالسرقة ويجب أن يوضع حد لهم, و لا أنكر أيضا بأن هنالك الكثير من التجار الطيبين الذين يساعدوننا".
سامر أبو ليل -قسم الحراسة والتفتيش التابع للبلدية في الحسبة- يؤكد بأن للتجار والحرس كامل الحق بمنع الأطفال من القدوم هنا, وأن هذا ما من المفترض أن يحدث, لكنهم ومراعاة لظروف الأطفال وفقر عائلاتهم يسمحون لهم بالمجيء ضمن الضوابط والحدود, ويكمل:" بإمكاننا منع الأطفال من المجيء إلى الحسبة, لكننا نراعي ظروفهم وفقر عائلاتهم لذا لانفعل ذلك, بل نقوم بمساعدتهم دون جدوى فالكثير من الأولاد يتصرفون بطريقة لا أخلاقية, ويتسببون بإزعاج كبير للتجار, السرقة عادة يومية تحصل هنا, يقوم بعض الأطفال بسرقة الخضار من صناديق البيع, وبالرغم من ذلك لازلنا حتى اليوم نسمح لهم بالدخول".
ويتابع ابو ليل:" في حال قام احد الأطفال بالسرقة, نقوم بملاحقته وإحضاره إلى قسم الحراسة والتفتيش في الحسبة, ثم نتخذ الإجراءات المناسبة بحقهم".
يخرج الطفل مراد عبد الله من الحسبة حاملا بيده كيسه الذي لم يمتلئ بعد ويقول:" نحن نأتي لنساعد أهلنا, لا لإزعاجهم أو للسرقة كما يقول البعض, أتمنى لو أننا لا نحتاج أحدا, اسأل الله أن يحقق لنا ذلك".
التعليقات (0)