مواضيع اليوم

رحلة السلمون

محمد قاسمي

2010-10-18 05:44:14

0


سمك السلمون.
يولد سمك السلمون من البيض الذي تضعه الأم في ينابيع المياه, ويأخذ هذا السمك في النمو لمدة بضعة أسابيع مما يحصل عليه من الصيد, ثم بعد ذلك يتجه نحو البحر سالكا طريق النهر الذي يوجد فيه، وأثناء رحلته هذه قد يصادف أمامه السدود والمياه الضحلة، ويحاول النجاة بنفسه من مخاطر السمك الكبير الذي يريد أكله, وبعد أن يتخلص من كل هذه المصاعب، يصل إلى البحر ويقضي هناك عدة أعوام. وعندما يكبر ويحس أنه قادر على الإنتاج يبدأ رحلة العودة من جديد .
وهدف السلمون من العودة هو الوصول إلى المكان الأول الذي ولد فيه, ولكن لا تعتقدوا بأن المسافة قصيرة، فالمسافة التي يقطعها هذا النوع من السمك تتجاوز أحيانا 1500كم, وهذا يعنى أنها رحلة تستمر لعدة أشهر. وثمة عراقيل كثيرة تعترض سبيل سمك السلمون حتى يصل إلى هدفه.
 

والمشكلة الأولى، وربما الأهم بالنسبة إلى السلمون هي العثور على المكان الذي نزل فيه أول مرة من النّهر إلى البحر بعد مدة من خروجه من البيضة لأن رحلة السمك في العودة تتحدد بوجود ذلك الممر الذي سلكه في رحلته الأولى• ولا يقع أي فرد من أفراد سمك السلمون في الخطإ على الإطلاق، فهو في مرة واحدة يمكن أن يعثر على المكان الذي يتفرع منه مجرى الماء•
وبعد أن يدخل في مجرى الماء يبدأ في السباحة في الاتجاه المعاكس للماء بعزيمة صلبة• غير أن عمله هذه المرة في غاية الصّعوبة لأن عملية قطع الشلالات في رحلته الأولى كانت سهلة، فتيار الماء كان يساعده على التقدم، أما الآن فهو يقطع الشلالات بشكل معاكس، وبالتالي فهو مضطر للقفز إلى الأعلى• فالحركات التي يقوم بها سمك السلمون للقفز باتجاه الشلالات يهدف من ورائها إلى العودة إلى مسقط رأسه• ولكي يتمكن السلمون من التقدم، فهو مضطر في بعض الأحيان إلى المرور عبر المياه السطحية الضحلة• غير أن هذه المياه الضحلة تكون في العادة تعجّ بالطيور التي تتربّص به للانقضاض عليه وأكله، وتكون مليئة كذلك بالدّببة وحيوانات مفترسة أخرى•
ولا تقتصر المخاطر التي تهدد حياة سمك السلمون على هذه الأشياء, فأنتم تعرفون أن هناك فروعا عديدة للأنهار تصب في البحر، وعلى سمك السلمون أن يصل إلى الفرع الذي يقوده إلى المكان الصحيح الذي ولد فيه, وهو في رحلاته يستطيع أن يختار في كل مرة المكان الصحيح دون أن يرتكب أيّ خطإ.

والآن حاولوا أن تتخيلوا المشهد التالي: تخيلوا أن يولد الواحد منكم في بيت ما من إحدى المدن، ثم يترعرع, وبعد أن يكبر قليلا يترك هذا البيت ويبدأ في السّير، ويقطع مسافات تمتد لأيام عديدة، ويبتعد مسافة 1500 كم, وبعد عام آخر يريد أن يرجع إلى البيت الذي ولد فيه, فحسب رأيكم، هل من الممكن أن يتذكر الشوارع التي مر بها ويعود إلى البيت في حين أنه لم يقطعها قبل ذلك سوى مرة واحدة؟ إنه لا يمكن لأي كائن أن يفعل ذلك، أما سمك السلمون فهو ينجح في القيام بهذا العمل ويجد طريقه بشكل صحيح, وقد أجريت العديد من الأبحاث بهدف فهم الكيفية التي يقطع بها سمك السلمون طريقه. وقد توصلت هذه الأبحاث إلى نتيجة مفادها أن سمك السلمون يجد طريقه عن طريق استخدام حاسة الشم. إن سمك السلمون -بفضل تركيبة أنفه الخاصة- يستطيع أن يتبع طريقه في الماء باستخدام حاسة الشم تماما مثل كلب الصيد, ولكل مجرى من الماء رائحة خاصة به. وخلال الرحلة الأولى التي يقطعها سمك السلمون وهو ما يزال شابا يحفظ هذه الروائح في ذاكرته واحدة واحدة, وعند العودة يستخدم تلك الروائح حتى توصله إلى مكان ولادته. كيف يمكن أن تتحقق هذه العمليّة الخارقة؟ وكيف يمكن لكل سلمون مولود حديثا أن يعثر على طريقه دون أي تعب؟ ولماذا يعرض سمك السلمون حياته للخطر فيقطع الشلالات ويواجه الحيوانات المتوحشة من أجل أن يرجع إلى مسقط رأسه؟ وبالإضافة إلى ذلك، فسمك السلمون لا يتجشم هذه المصاعب من أجله هو بل من أجل وضع البيض في هذه المياه, هناك جواب وحيد لجميع هذه الأسئلة: إنّ الذي خلق سمك السلمون وخلق له هذه الأنظمة التي تساعده على تحديد اتجاهاته هو الله تعالى الذي لا حدّ لعلمه, فالسلمون شأنه شأن بقية الكائنات الحية الأخرى يتحرك وفق الإلهام الرباني، وهو بذلك يكشف للأبصار كمال الخلق الإلهي, إن سمك السلمون الذي يعرض نفسه للمخاطر ويقطع آلاف الكيلومترات يمثل في الوقت نفسه-وليس سمك السلمون سوى مثال واحد على الكائنات التي تبذل التضحيات من أجل أبنائها, وبعد أن يصل سمك السلمون إلى المكان الذي ولد فيه يضع عددا قليلا من البيض ثم يموت بعدها بزمن قصير، ومع ذلك فهو لا يتراجع عن القيام برحلته الشاقة. ومثل هذه المظاهر من التضحية التي رأيناها لدى سمك السلمون لا يمكن لنظرية التطور أن تفسرها بحال من الأحوال, والحقيقة ساطعة، فالله تعالى هو خالق السلمون، وهذه الكائنات تتصرف وفق ما ألهمها ربُّنا من العلم. وهذا السلوك هو في الحقيقة عبرة لأولي الألباب من الناس: "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً" (سورة النحل




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !