بعيدا عن العلمانية الزائفة وبروتوكولات المجاملة والرومانسية الإعلامية بين الإيديولوجيات والعقائد والأديان ، وقريبا جدا من الواقع الحياتي والحقائق التاريخية ، فإن جميع الحروب في العالم تنشأ نتيجة لتراكم دوافع إيديولوجية وعقائدية دينية بحتة ثم تضاف إليها القيمة السياسية والاقتصادية ولعل ما يحدث في سوريا حاليا مثال واضح على ذلك
فالغرب المستمتع والمندهش بما يحدث في الشرق الأوسط الذي يعيش قرونه الوسطى بهمجية الكاثوليك عاد بذاكرته إلى مارتن لوثر وحروب الثلاثين عاما عندما أبيد باسم الرب أكثر من ثلث سكان أوروبا ، ولعل الأوروبيون ينظرون إلى الشيعة المجرمين باستغراب كما لو أنه جيشا سويديا أو جرمانيا يعيث فسادا وينشر الدمار في أنحاء أوروبا
ولكن بعيدا عن السياسة وعن أروقة السياسيين ، هناك في قاعدة الهرم الواسعة بين تلك الجموع العظيمة المهيجة عقائديا بشحنات دينية عاطفية دوافع كبيرة تدفعها للانزلاق في هذا الصدام الانتحاري
لعل العقيدة ومجموعة الأفكار المتعلقة بالغيبيات أثمن ما يملكه الإنسان ولولا ذلك لما خاض تلك الحروب الانتحارية ، ولكن ليس أسوأ من ذلك إلا الهرولة خلف العقائد البائدة التي تجعل انتحاره أبديا ، ولذلك فليس أقل من أن يكون المعتقد عظيم على عظم التضحية المبذولة
في الحقيقة إنها رحلة البحث عن الجنة ، ولأن العقائد متعلقة بالغيبيات فإن الخوض فيها أوسع من أن يبحث فيه العقل المادي ، ولعل ذلك ما جعل الإنسان يغوص في عملية بحث مستمرة ومتعمقة في العقيدة الأنسب والأكثر تلاؤما مع مجموعة المعطيات المتوفرة لديه
وقديما عندما وصل الإنسان إلى مرحلة العجز العقائدي واللجوء إلى الوثنية في محاولة لإشباع الفراغ الحاصل نتيجة الانحراف المتراكم ، بعث الله عزوجل نبينا الأعظم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم هاديا ومبشرا ونذيرا ، فأخرج البشر من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومنح الناس هذا النضج العقائدي فنقلهم من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد الواحد القهار
ولكن الصدام الذي كان يعيشه الإنسان مع أهوائه ورغباته المتجددة والمتهيجة دفعه بالانحراف بحسب ما تغلبت عليه أهوائه وحاجاته ، ولعل ذلك ما تسبب في تعدد الطوائف والفرق وتحكم في مدى انحرافها ، وقد وصل أشدها انحرافا إلى مرحلة الفراغ العقائدي والإلحاد بوجود الذات الإلهية
وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة ، قيل من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) رواه أبو داوود والترمذي
وفي هذا الحديث نفهم بشكل طبيعي أن الإسلام في عهد حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كان فرقة واحدة وهي الفرقة الناجية ، بالتالي فالسؤال المطروح هو أنه كيف افترقت الأمة من بعده؟ وما هذه الفرق وما عقائدها وما هو خطرها على أمتنا؟ ومن هي الفرقة الناجية؟ وما عقيدتها؟
التعليقات (0)