قد لا يعلم البعض أننا نري نجوما يتراوح عمرها ملايين ملايين ملايين السنين وفي نفس الوقت نري نجوما عمرها لا يزيد عن آلاف السنين ولتغير المسافة بين أقرب نجم وهو الشمس (93ميل) وأبعد ما نراه حتى الآن فيما لا يتصوره العقل من العدد نري في الواقع جزءا من تاريخ الخليقة يفوق ملايين ملايين ملايين السنين في نفس اللحظة بمعني أننا نري ما فني منذ ملايين مليارات السنين وما ولد اليوم بمعني أن الزمن ليس له مدلول إلا في عقولنا التي تري السنين وهي وهم أرضي نراه لقصور فهمنا لمعني اللازمن في المكان اللانهائي
من آيات الله أن يصرف الناس عن مشاهدة السماء بالليل والسبب أضواء المدينة التي شدت الأبصار إلى المعروضات من الملابس والأحذية ولما تزينت به الأرض من أنوار وزينة فانصرفت الأنظار عن زينة الكواكب. والنظر إلى النجوم يسبح بالخيال إلى العالم المجهول فيتصور كل منا هذا الكون بخيال لا يشبه خيالا ولا هو الحقيقة ولكن النظر يسمو بالروح وتصفو به النفس وتهدأ الجوارح وتغرق في تدبر وتفكر في ضخامة الكون وضآلة الإنسان وتذهب بالروح إلى عالم الغيب وعوالم الحياة والموت والدنيا والآخرة وتتواصل صور بدأت مع الطفولة
ولو بدأنا من ساعة ما قبل الغروب لرأينا بحر السماء الزاخر بالسحب والألوان الزرقاء والرمادية والبيضاء والنحاسية كل ذلك في لوحة لا ينظر إليها ناظر إلا سبح في بحرها بالفكر ولشعر بالغياب عن الوجود ثم تبدأ النجوم في التسلل إلى الصورة حتى يجن الليل فتقهر الضياء وتبرز في تراتيبها المبهرة متحدية للظلام تبدو كثقوب في ثوب السماء الأسود. ومثل هذا الفكر ينقل الروح من الأرض إلى السماء دفعة واحدة تليها نقلة إلى ما وراء المشهد من قدرة الله وعظمته ثم تخرج سبحان الله من أعمق الأعماق وليس من طرف اللسان
هذه اللوحة التي نشاهدها لا نشاهد مثلها بالعين المجردة ولكننا نراها بالأبيض والأسود وليست ملونة وإذن فالصورتان ليستا حقيقيتان والحقيقة غير ذلك. وكل ما تراه في السماء واقعه غير ما تري وانظر إلى صورة الأشعة السينية للعظام ليست بالطبع كما تراها في الواقع لأن ما تراه ليس كما هو وليس كما يراه الآخرون واعلم أنك تري اللون غير ما يراه غيرك فمدلول الألوان متغير حسب الرائي ولكن قريبا منه وبالعودة إلى السماء الحبيبة فهي مسبح الروح وجلاء الذهن وصفاء المناجاة وعند منتصف الليل وما بعده تناجي ربك فتشعر بالأمن
ويزدهر الفكر وتتساءل هل هذا الكون الفسيح لنا وحدنا في أرضنا السابحة فيه؟ هل كل الأرضين التي في السماء خالية من الخلق؟ ويجول بخاطرك السؤال هل ذهب موتانا إلى مكان في الكون السحيق أم قريبا منا واحتجبوا عنا ثم تتذكر الآية (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) فيذهب الخيال بعيدا إلى أعماق الكون ليستجلي تلك الآية وتحلم أن تري هذه المخلوقات وتصيبك الرغبة والرهبة وتعجز عن الإدراك وهابل عن التفسير فتخرج منك سبحان الله من الأعماق وليس من طرف اللسان
إن مهرجان النجوم والكواكب يحتفل في كل لحظة بميلاد الكون مرتديا حلته المزينة بالألوان المبهرة نراه أمامنا إذا جن الليل ثم يختفي عنا ليراه غيرنا في ذات اللحظة فهو مهرجان قائم لا ينفض منذ بلايين بلايين السنين لا يغيب لحظة عن سكان الأرض بيد أنهم يرونه بالتناوب وبالتتابع وهذا المهرجان يغفل عنه الناس منشغلين بأضوائهم التي صنعوها للأحذية والملابس فرغبوا في الأرض ورغبت عنهم السماء ولا نضيف للقراء المعلومات فلن تفيدهم ولكن نغنم الفرصة لنوجه الأنظار إلى اقتناص الفرص لمشاهدة السماء قبل أن يدخلوها مرغمين.....
(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وماخلق الله من شيء وأن عسي أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون185) الأعراف. يسر الله للبشر أن ينظروا في السماوات بغير واسطة ويسر لهم ما يستطيعون باستخدامه أن يروا ما يعجزون عن رؤيته بالأعين المجردة وسوف يخلق الله ما لا نعلم حتى نشاهد ما لم نر فارفعوا أبصاركم إلى السماء شاهدين عظمته وكبرياءه وخلقه المعجز الذي يغيب عن الإدراك كما يغيب عن البصر وما ترون إلا نقطة في بحر الكون فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
التعليقات (0)