كزنبقة شارفت على الذبول، ولّت هاربة لألا تسمع ضجيج النسوة ليلة مقتل قلبها. هذا القلب الذي اغتيل مرتين وهي في عمر الفراشة.
جلست في ركن مظلم ساكن، وكانت دموعها تنساب في تمرد صامت، تمرد لا يحتويه سوى موج البحر وعمقه وغموضه المجهول. عادت ذاكرتها لماض قاس وواقع مرير مرّ بها. رافقتها تنهدات وآهات لقهر سكب وظلم توارى، وحرمان أليم عانت منه.
كالنار توهجت حقداً، وارتجفت خوفاً لهبوب نسمات من الماضي البعيد عليها. أخذت تناجي القمر، فهو أرحم من البشر.
أرادت أن تطوي صفحة من صفحات العمر بخطوة صادقة وقالت: كان له علاقات عابرة. عرف الكثيرات قبلي. ملابسه، تصرفاته وكلامه كلها تدل على أنه رجل عصري.
في إحدى اللقاءات تجردت من خجلي وخرجت من صمتي، وقلت له:
لم أكن أعلم ما يدور حولي. كنت طفلة صغيرة في الثانية عشرة من عمري، عندما اغتيلت براءة طفولتي. كان ذئباً بشرياً يرتدي ثياباً أدمية. اقتلع مني الطمأنينة والسكينة إلى ألأبد. بعدها خيم الصمت والسكون على كل من حولي. كانوا يتمتمون: دمّرها في غفلة من الزمن. لم أفهم شيئاً يومها، وخسرت أغلى ما أملك. تحالف كل من حولي مع الصمت ودفنوا فقيدهم بكتمان شديد، خوفاً من العار.
نظرت إلى السماء وقالت :
يا قمر، ما ذنبي أنا من كل هذا!!! تركني بين سيف ذو حدين. تخاذل ورحل. تركني أتخبط بين الماضي والحاضر؛ ماض يجر أذياله خطيئة دون خطأ، وحاضر يجر أذيال الخيبة بين أصداءٍ تردد: أنا رجل شرقي يطلِب ولا يطالَب، يحاسِب ولا يحاسَب.
اختفى القمر خلف سحابة سوداء.. أظلمّ المكان...
وما زالت روحها تحتضر وجرحها ينزف وقلبها ينبض، كزنبقة شارفت على الذبول على رصيف الانتظار.
التعليقات (0)