مواضيع اليوم

رجل اسيا المريض

nasser damaj

2009-02-12 13:49:33

0

رجل أسيا المريض

 

ناصر دمج

 

يستخدم هذا الوصف من قبل بعض دوائر صنع القرار في الغرب حاليا ، للتعريف بحالة جمهورية الباكستان الاسلامية الراهنة ، وذلك تمهيدا لأتخاذ مجموعة مواقف متدرجة، بدأت بهذا التوصيف وستنتهي بالتصفية المادية لهذه الدولة، وهو منهج اعتادت عليه دول الاستعمار الغربي، وقد سبق لها ان أطلقته على اثنتين من الإمبراطوريات الكبيرة في التاريخ، وهما:-

الوصف الأولى.

أطلق على إمبراطورية تشينغ الصينية التي استمرت من عام 1644-1912 ، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث أجبرت الصين على تقديم تنازلات إقليمية هامة في شرق وجنوب أسيا انتهت باحتلالهامن قبل اليابان وبريطانيا.

الوصف الثاني.

كان بحق الإمبراطورية العثمانية والتي سميت برجل أوروبا المريض، في إشارة إلى ضعفها مع بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر،الى ان هزمت امام الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الاولى وتم تقسيم أراضيها واحتلال غرب وجنوب الأراضي التركية من قبل القوات اليونانية والفرنسية .

باكستان أو جمهورية باكستان الإسلامية كما تعرف رسمياً، تقع في جنوب آسيا وشمال غرب الهند ، انفصلت عن الهند البريطانية على أساس ديني ، حيث اعتبرت دولة المسلمين الهنود ،والهند دولة الهنود الهندوس والسيخ ، وكلمة "باكستان" تعني الأرض النقية أو الأرض الطاهرة.

الباكستان دولة إسلامية كاملة من حيث الانتماء الديني للسكان ، بل إن الإسلام شكل دافعها الأساسي في الوجود، فلا توجد أي مقوّمات أخرى يمكن أن توحد باكستان غير الدين، ولذلك فإن الباكستانيين متعصبون جدّاً للدين لأنه أساس بقائهم، و لولاه لما وجد الشعب الباكستاني، لان الدين الإسلامي هو سبب انفصالها عن الهند كما اشرنا، لذا فان كل ما تمتلكه الباكستان من ثروات هو أمرا يشبه الوقف الإسلامي وفي مقدمة ذلك القنبلة النووية فالإسلام بالنسبة للباكستانيين تحول الى هوية قومية أيضاً.

بلغ معدل الزيادة في تعداد سكان باكستان ثلاثة ملايين نسمة سنويا, وقد تضاعف عدد سكان البلاد خمس مرات منذ تاريخ استقلالها ليصل حاليا إلى 151 مليون نسمة فيما كانوا 32 مليون نسمة عشية يوم الاستقلال عام 1947, لتصبح  باكستان اليوم سادس دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية، فهي اذا ليست دولة مريضة، ولديها هذا المخزون البشري المسلح بالذرة.

لكن، يستدل من ذلك بأن إطلاق هذا الوصف على دولة ما أمرا لا يراد به خيرا لها، ووصلت الباكستان الى هذا المستوى بسبب السياسات الاستعمارية التي كان لها اليد الطولى في تصميمها، من الناحيتين الطبوغرافية والديمغرافية الاثنية، فهي في بنائها الاجتماعي خليط من السنديين البنجابيين و البوتوهاريين و السرائكيين و البلوشيين و الهزارة والمكرانيين و الكشميريين و البشتونيين و الهندكوه و الأفغانيين، وقبائل شرسة تسكن المناطق الجبلية المحاذية لأفغانستان، وهذا خليط غير متجانس  وينطق بلغات مختلفة تعمق الشرخ البيني في المجتمع .

فضلا عن استهداف موقع البلد الاستراتيجي لاستخدامه في ادارة صراع الاستعمار الغربي مع الاتحاد السوفيتي السابق ، واستغلال مواردها وإمكانياتها على نحو مرهق ومذل كانخراط باكستان الإجباري في الحرب على الإرهاب، لتخرج من هذه الحرب بعد رحيل مشرف بوضع داخلي مهلهل تسبب في بروز مشكلات داخلية لا حصر لها ، اهمها تغيب الحياة المدنية وشن الحرب على سكان مناطق القبائل ،الامرالذي استدعى تندر وشماتة الدول الغربية.

خلفية الاستهداف.

استهداف الباكستان على هذا النحو ، ينبع من وجود هذه الدولة في الشرق الأوسط وضمن دول الجوار العربي،واستكمالا لمشاريع تجزئة الشرق على أسس أثنية ودينية وهو الأساس الذي شكل شهادة ميلاد الباكستان نفسها بعد انفصالها عن الهند في عام 1947م، لتنفصل عنها في وقت لاحق من العام 1971م بنجلاديش بتشجيع من قوى الاستعمار ذاتها، إنَّ كلَّ الدلائل تؤكد على أنَّ انفصال الباكستان كان يعبر عن نبوغ استعماري مبكر لمستقبل العالمين العربي والإسلامي كما يستدل على ذلك من خلال عملية المتابعة الحثيثة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال مهمة بريطانيا في تفتيت العالم العربي والإسلامي، بعد طرحها لمشروع الشرق الأوسط الجديد.

عودة على بدء، ان جمهورية الباكستان أقيمت على أسس مذهبية وعقائدية إسلامية لكن سرعان ما تخلى عنها نظام الحكم  بعد أعلان الانفصال عن الهند ، وواجه بالحديد والنار كل من طالب بإعلاء راية الإسلام، وأعلنت في البلاد حالة الطوارىء في العام 1953، ولنفس السبب ساءت أحوال المسلمين في الهند بعد ان اضعف انفصال الباكستان عن الهند موقفهم كمسلمين هنود، وباتوا يطالبون من قبل اليمين الهندي بالرحيل الى الباكستان بعد ان حكموا الهند منذ اواخر عهد الأمويين وحتى بداية الاستعمار الإنجليزي في العام 1857م، ان المشكلة التي عاشها النظام الباكستاني منذ البداية بقيادة محمد على جناح هي مشكلة في انقلاب مهمة الدولة من مرسخة للفضيلة وراعية للقوانين الى دولة امتهنت الكذب والخداع وهي مجبرة على اللهاث خلف الاستعمار الإنجليزي، لقد حصدت الباكستان نتاج لهذا الخداع حالة مقيمة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتواصلة وتصفية الزعماء السياسيين.

وقد تقدم وضع الباكستان درجة إضافية في سلم الخطورة بعد امتلاكها للسلاح النووي في العام 1998م، وقد حاول الاستعمار بعد هذا التاريخ الاستحواذ على الهند، مستخدما الخطر الباكستاني، وخاصة بعد انتهاء زمن الحكام الوطنيين باغتيال راجيف غاندي في يوم 21ايار 1991م، وفي هذا السياق علينا ان نتذكر دور الهند الهام في دعم القضية الفلسطينية ومؤازرة م.ت.ف في المحافل الدولية، وقد كانت انديرا غاندي تولى علاقتها مع الرئيس عرفات أهمية استثنائية، لدرجة إنها كانت تستقبله في غرفة نومها، دونا عن زعماء العالم الذين كانوا يزورن الهند .

وقد مهد صعود اليمين الهندي الى سدة الحكم الى تطوير علاقات الهند مع اسرائيل والاستعانة بالخبرة الإسرائيلية في مطاردة الإسلاميين في كشمير، وتزايد مشتريات الأسلحة الهندية منها، ورفع مستوى العداء للباكستان وازدياد التعسف الداخلي ضد المسلمين وهدم مساجدهم في العديد من المقاطعات والمدن الهندية وقد تمكن المتطرفون الهندوس من هدم المسجد البابري الشهير في العام 1992 في مدينة أيودا كخطوة تمهيدية لرفع أعمدة معبد الإله راما على أنقاض المسجد،بل وانتهكت حرمة كثير من المساجد منذ ذلك التاريخ في حوادث سجلها ناشطون في منظمات حقوق الإنسان الهندية ،قدموا شهادات عن اقتحام الهندوس للمساجد وتنصيب تماثيل وصور الآلهة الهندوسية على جدرانها وفى مداخلها.

بل إن تيستا سيتالفاد، وهي إحدى الناشطات في منظمة محلية للمرأة، تمكنت من زيارة مسجد بابان شاه في إحدى قرى غوجرات التي شهدت آخر نوبة للعنف الهندوسي ضد المسلمين في العام 2002 فكتبت تقول " لم يتعرض القرآن لتمزيق صفحاته ودهسه فحسب، بل كان لدى المتطرفين الهندوس الوقت الكافي للتغوط عليه "  ان تأجج الصراع الهندي الباكستاني شجع كلا البلدين على الالتحاق بركب التحالف مع الولايات المتحدة بينما كانت هي تستخدم كل طرف ضد الأخر لتحقيق مأربها المتمثلة بالسيطرة المطلقة عليهما واقتيادهما كما تشاء في مشاريعها وخططها الاستعمارية في أسيا وفي مقدمتها.

1-     استخدام الهند في التصدي لصعود الصين.

2-   استخدام النظام الباكستاني في التصدي لنمو الروح الجهادية لدى الجماعات الإسلامية الباكستانية المرتبطة بالقبائل الأفغانية، وهي جماعات متعددة، تجاهر بتعصبها الإسلامي ، كالجماعة الإسلامية و جمعية علماء الإسلام بجناحيها و جمعية علماء باكستان وجمعية أهل الحديث والحركة الإسلامية.

وقد اصبح للباكستان دور أكثر خطورة بعد الحادي عشر من أيلول 2001م وإعلان الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، وانخراط النظام الباكستاني بكل قواه في هذه الحرب، وتزامن ذلك مع وجود استعدادات سياسية لدى نظام برويز مشرف لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل لضمان مساعدة الولايات المتحدة له ضد خصومه الداخليين ومن الخطر الهندي، وهذا الدور كان سببا مباشرا لنمو وازدهار الجماعات الإسلامية في الداخل الباكستاني ليظهر الى العلن تنظيم جديد يحمل اسم ( طالبان باكستان) ان فشل الجيش الباكستاني في لجم حركة تنظيم القاعدة على الحدود ومنطقة القبائل أدى الى تدخل الولايات المتحدة عسكريا منذ بداية العام 2008م والقيام بقصف يومي متواصل لمناطق الحدود الأفغانية الباكستانية.

لقد كانت هذه النتيجة أحدى ثمار الانخراط الباكستاني في الحرب على الإرهاب الذي لا ناقة لها فيه جمل، ان هذا المتغير دفع الولايات المتحدة الى التفكير بتغيير قواعد وادوات اللعبة في الباكستان وطلبت من برويز مشرف التخلي عن الحكم، والسماح بعودة بناظير بوتو ابنة رئيس الوزراء السابق ذو الفقار علي بوتو، الذي قتل في العام 1979م بعد ان قرر عدم الإصغاء للتهديد الأمريكي لثنيه عن السماح للعالم النووي الباكستاني عبد القدير خان الاستمرار في أبحاثه النووية فقال له هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي حينذاك " إذا صنعت قنبلة ذرية فسأجعلك أمثولة للآخرين" .  

وهذا يندرج في سياق مخطط أمريكي شامل للتدخل في الشأن الباكستاني الداخلي، ليتم تصفية بناظير بوتو على نفس طريقة اغتيال رفيق الحريري تقريبا، توطئة لتدخل الأمم المتحدة التي ستوصي بقرارات يخول مجلس الأمن بتنفيذها لاحقا، ضمن صلاحيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز لها شن عمليات عسكرية ضد دولة ما، كما كان الحال ضد كوريا الشمالية 1950 ـ 1953، وضد العراق في العام 1991، كما وشكلت بنود هذا الفصل غطاءا للدول الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة التمهيد لغزو العراق في العام 2003، وتشكلت بموجبه ايضا  قوات " حفظ السلام "  في كوسوفو، وتيمور الشرقية، سيراليون، الكونغو .

ان نجاح السياسات الاستعمارية ليس أمرا سحريا بمقدار ما تشكل خلافات الخصوم السياسيين في الدولة الواحدة مدخلا فريدا لنجاحه، ان الفشل في ادارة الخلاف ذات النزعات المادية والاثنية بين الخصوم السياسيين يودي في البلاد دائما الى الجحيم، وهو استغلال عبقري من جانب الاستعمار الذي يذكي نار الخلاف دائما بالمال والسلاح وهكذا تدور الإحداث بلا توقف وهي تطحن الشعوب المقهورة ، يقول هيجل " ان الخلافات هي المحرك الأساسي للتاريخ " تاريخيا ثبت ان ادارة الخلاف أهم من موضوع الاختلاف، لذا فأن الخسارة دائما تكون من نصيب الطرف الأقل تدبرا وإمساكا بإطراف الخلاف، وقد تمكنت إمبريالية القرنين التاسع عشر والعشرين من صناعة الخلافات بين الدول والتحكم بمسارها وسرعاتها ولربما سيستمر هذا الوضع لسنين طويلة قادمة

القلق المستمر.

ان قلق اسرائيل وحلفائها الغربيين من الباكستان ينبع من إمكانية وقوع البلد في قبضة القوى الإسلامية، وهو احتمال قائم على أية حال ، وتسعى تلك الجماعات إليه ليل نهار وبكل السبل، فإذا استولت هذه الجماعات على الحكم ، يعني وقوع الخطر وترقب انعكاساته بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين بعد ان أصبحت هذه الجماعات تملك مفاتيح تشغيل وإطلاق الصواريخ والقنابل النووية، فانعقد الرأي لدى الدول الاستعمارية بأنه لا حل للمشكلة الباكستانية الا بإشعال حرب وقلاقل أهلية داخلية الى ما لا نهاية، أو صناعة عدو دائم للباكستان يمكن ان تفرغ عليه حمولتها النووية، و قد لجأوا الى إذكاء العداء بين الباكستان وجارتها الهند، و التأكيد للباكستانيين دائماً على أن عدوهم الوحيد هم الهندوس وليس الصهاينة، و أن القنبلة الباكستانية يجب أن توجه ضد الهند وليس الى غيرهم، بالمقابل يقال للهنود بأن عدوكم الحقيقي هو باكستان، و إن القنبلة موجهة إليكم وليس إلى الإسرائيليين أو الأمريكيين.

عقبات في وجه المخطط .

وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2006 م " فان الباكستان تمتلك مجتمع مدني ناضج "، ونقابات مهنية قوية كنقابة محاموا باكستان التي أفشلت أكثر من قرار للحكومة الباكستانية أهمها فرض الإقامة الجبرية على رئيس المحكمة العليا، ويوجد في الباكستان شبكة أسطورية من المدارس الدينية تصل الى أربعة الآف مدرسة أنشئت في نهاية سبعينيات القرن العشرين وكانت تقوم بمهمة تجنيد المقاتلين العرب والمسلمين من مختلف دول العالم لمساعدة المقاومة الأفغانية في قتال السوفيت وساعدت الدول الغربية في تمويل ودعم هذه المدارس وهي ألان ممنوعة وملاحقة.

يضاف الى هذا،ان التنوع المذهبي في باكستان كان دائما في صالح البلاد وتبدل هذا الوضع خلال فترة برويز مشرف وما زال ، وخاصة بين السنة والشيعة الذين يصل تعدادهم الى خمسة عشر مليون نسمه، حيث تقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بحملة متواصلة لإثارة النزاع بين المذهبين الإسلاميين وذلك بتجنيد العملاء الانتحاريين الذين يفجرون المقامات الشيعية والسنية المقدسة، في محاولة لصناعة مدخل يفضي الولوج فيه الى التأسيس لقسمة مذهبية في الباكستان على شاكلة النموذج العراقي أيضا.

ان بلد إسلامي بحجم الباكستان يبلغ تعداد سكانه 151 مليون نسمه أي ضعف عدد سكان فرنسا أكثر من نصفهم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما وهو ما يعني امتلاك باكستان لثروة بشرية شابة، إلا أن انتشار الأمية والفقر في صفوفه جعل من أغلبية هذه الثروة مجرد طبقة عاملة ، حيث تعتبر باكستان من أهم الدول المصدر للعاملة إلى كثير من دول العالم وبالأخص دول الخليج العربي, فيما تصل نسبة النساء الى 47.5% من إجمالي عدد السكان ، اذا هي دولة قادرة على تجاوز هذه المحنة وعدم الوقوع في شرك التصفية التي اعدتها لها الدول الاستعمارية .

وهذه المعطيات وفرت البيئة المناسبة لنهوض الخيار الإسلامي الذي يحاكي الوجدان الانساني ويعالج الفقر بالصبر على البلاء، ان الإطلاع على الحالة الكلية لشعوب وسط جنوب أسيا وتحديدا ( باكستان وأفغانستان ) تشعرك بأنهم بحاجة للقران أكثر من حاجتهم للأكل ان نمو الروح القتالية والجلد على الصعاب هو أمر موروث ومكون أساسي لشخصية الإنسان الباكستاني ،وهو امر لربما لاتدركة الدول الاستعمارية ، او تعلمه علم اليقين وتصر على تجاهله .

عليه فإننا سنلاحظ بان هناك خطر متجدد يبرز من جديد إمام الإدارة الأمريكية ألان في أفغانستان وباكستان، لذا فان الرئيس اوباما طالب الحكومة الباكستانية بضمانات خطية في أعقاب رفع الاقامة الجبرية عن العالم النووي عبد القدير خان ، تؤكد بأنه لن يعود الى ممارسة نشاطه في نشر أسرار الصناعة النووية،وهذه الادارة جعلت من أفغانستان وباكستان أولوية لها خلال الأربع سنوات القادمة لذا من الممكن ان نرى انسحابا أمريكيا من العراق وتعزيزا للقوات في أفغانستان وتكثيف الغارات على الحدود الأفغانية الباكستانية ان لم تشهدا غزوا بريا لنفس المنطقة.

وذلك بعد سيطرت طالبان أفغانستان وباكستان على كامل المناطق الحدودية الوعرة وهي أمكنه صعبة التضاريس، وكانت رغم ذلك ممر لعبور المقاتلين العرب والمسلمين من باكستان الى أفغانستان في نهاية سبعينيات القرن العشرين،وهذا التطور يعبر عن فشل قوات الناتو في السيطرة على أفغانستان حيث تتوسع سيطرة طالبان في الجنوب والشمال الغربي رغم وجود هذه القوات فوق التراب الأفغاني ، فضلا عن سيطرة الجماعات الاسلامية على كامل منطقة القبائل الباكستانية المحرمة على القوات الحكومية الباكستانية.

ان الاستعاضة عن هذا الفشل بقصف الطيران الأمريكي لمناطق الحدود المذكورة لن يزيد الا من خسارة الأمريكان وتأليب الشارع الباكستاني ضد الحكومة التي ذاقت ذرعا بموقف المتفرج الذي تلعبه لغاية ألان على ما يحدث ،ان انتظار الولايات المتحدة الحالي لحدوث اقتتال بين الجيش الباكستاني ومسلحي القبائل لن تفيد في شيء ، لان ذلك لن يحدث رغم العداء القوي بين الجانبين، " ان تربص العدو الهندي بنا " وفقا لتعبير الباكستانيين يحرم عليهم الأقدام على مثل هذا الأمر، وان تجاوز النظام الباكستاني لازمة تفجيرات فندق مومباي في أكتوبر 2008م كان له الأثر الأكبر في توسيع مدارك النظام وقوى المعارضة والمجتمع المدني لما تحيكه الولايات المتحدة ضد بلادهم، لذا فان الرئيس الباكستاني( أصف علي زرداري )  استجاب لنداء المجتمع الباكستاني برفع الإقامة الجبرية عن عبد الرحيم خان، في يوم 6/2/2009م صانع القنبلة النووية الباكستانية وهو أمر يندرج ضمن إطار الاستعداد النفسي الباكستاني الجماعي للمواجهة مع الهند وحلفائها.

في نفس اليوم مساء أعلن بان كي مون عن انتهاء الأمم المتحدة من الاستعداد للبدء بالتحقيق في مقتل رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو التي قتلت في يوم 27/12/2007م تحضيرا لمثل هذه اللحظة، ياتي ذلك في اطار استخدام الاستعمار للامم المتحدة في تنفيذ مآربها في العالم على غرار ما حدث في العراق وافغانستان ،وفي حال فشل كل هذه الجهود وهذا أمر وارد جدا فانه لا يستبعد ان تامر الولايات المتحدة الهند بشن حربها المؤجلة ضد الباكستان.

استنتاج .

 

يستفاد من هذه القراءة لحالة الباكستان الراهنة بان هناك اصرار أمريكي واروربي على تصفية الباكستان كدولة موحدة ، واعادة تقسيمها على أسس عرقية ومذهبية بحدود جديدة لكنها من الدم ، لخلق دول جديدة مثل بلوشستان،عملا بنبوءة الشرق الأوسط الجديد الذي يشمل أفغانستان وباكستان وفقا للكاتب الأمريكي Ralph Peters  الذي كتب مقال بعنوان " حدود الدم " Blood borders How a better Middle East would look  ، والمقصود هنا مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي صدر في صيغته الأولى باسم مشروع الشرق الأوسط الكبير في 12/2/2004م لتشمل خطورته افغانستان وباكستان وايران واذربيجان وتركيا ، وفيه تصور لخريطة الشرق الأوسط الجديد التي بدأت أمريكا تتحدث عنها منذ ذلك الوقت  .

ويقول الكاتب " الكل خاسرون تقريبا في الشرق الاوسط الحالي  واكبر الخاسرين هي السعودية ان التقسيم الجديد يقوم أساسا على القومية والمذهبية " وإن الشرق الأوسط الجديد سيحتوي على الدول التالية :-

دولة للشيعة جنوب العراق تشمل الكويت والبحرين والامارات وشرق السعودية وغرب إيران، ودولة إسلامية مقدسة في الحجاز،ودولة للأكراد شمال العراق وجنوب شرق تركياواجزاء من غرب إيران وشرق سوريا، ودولة سنية وسط العراق وأجزاء من سوريا،ودولة الأردن الكبير ستشمل اجزاء واسعة من شمال السعودية وأجزاء من الضفة الغربية حيث ستكون هذه هي الدولة الفلسطينية النهائية ،والحاق قطاع غزة بصحراء سيناء ، واليمن ستتوسع لتأخذ جنوب السعودية، وتقسيم باكستان الى ثلاث دول وافغانستان الى دولتين .

ان هذا الخطر الذي يتهدد هذا البلد الإسلامي ذي القدرة النووية هو خطر حقيقي كما هو الخطر القائم في فلسطين،وهو تنفيذ لمشروع يفوق سايكس بيكو في خطورته على مستقبل الأمتين العربية والإسلامية، وان ألامعان في تنفيذه من قبل الاستعمار أمر يستدعي أحلال الخراب في كامل المنطقة الممتدة من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق الى فلسطين ومصر ، وإزالة الحدود الراهنة بالدم وفرض أخرى جديدة بالدم أيضا.



كاتب ومحلل سياسي

n-damj@maktoob.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات