مواضيع اليوم

رجال دين علمانيون.. !!

سلمان عبدالأعلى

2012-01-04 15:33:43

0

رجال دين علمانيون ..!!

بقلم: سلمان عبدالأعلى

لم يستطع كثيراً من الناس نسيان نداءات السيد إياد جمال الدين ومطالباته التي أطلقها من على القنوات الفضائية بعد إسقاط نظام البعث الصدامي في العراق، وكيف لهم أن ينسوا حماسته وهو يطالب بالعلمانية نظاماً للحكم الجديد ؟ وهل لهم أن ينسوا ذلك وهو صادر من رجل دين يرتدي العمامة السوداء والعباءة الرجالية (زي رجال الدين المعروف) ؟ ! وهل كان متوقعاً ممن يحسبون على رجال الدين أن يفكروا يوماً بالعلمانية فضلاً عن أن يطالبوا بها ؟ !


لقد اخترق السيد جمال الدين الكثير من الحواجز والحدود وخالف المعروف والمألوف بمطالبته هذه، إذ أن ما فعله لم يكن ليُتصور لو أنه لم يحدث .. لذا كثيرون هم الذين صدموا وصعقوا من هول ما سمعوا، إذ وقفوا مذهولين -وكأن على رؤوسهم الطير- عندما قرعت أسماعهم هذه الكلمات، ولذلك نرى أن الكثير من هؤلاء قد انحازوا ضده واستهجنوا خطابه، خصوصاً وأنه خطاب صادر من رجل يرتدي لباس رجال الدين ويتشبه بهم، ولو أنه صدر من غيره من البعيدين عن الأجواء الدينية أو من غير المحسوبين على رجال الدين لما كان مستغرباً ولا مستهجناً بنفس النسبة والكيفية .

ومع أن الكثير من الناس نجدهم يرفضون العلمانية ويهاجمونها أشد المهاجمة، إلا أن كثيراً منهم يجهلونها ولا يعرفون ما هيتها ؟ ولقد قمت بعمل استطلاع مبسط لمجموعة من الناس الذين يرفضون العلمانية رفضاً قطعياً، وفوجئت بأن غالبيتهم لم يستطع أن يصفها أو أن يعرفها على النحو الصحيح ..

إذ كان السؤال الموجه هو : ما هي العلمانية ؟ ومن خلال الإجابات التي حصلت عليها تبين لي أن هناك تخبطات مهولة لدى أغلبهم، فالأكثرية -كما وجدتهم- لا تعرف العلمانية ولا تدرك معناها، ومع ذلك يرفضونها ويحاربونها، كما أنهم أيضاً قد لا يترددون في اتهام غيرهم بها .

عموماً، بعض من سألتهم عن العلمانية أجاب بأنها: التخلي عن القيم الدينية، وبعضهم قال بأنه يفهم العلمانية على أنها تساوي الكفر والإلحاد .. وقسم آخر رأى أن مفهوم العلمانية يقف ضد المفاهيم الإسلامية على نحو التحديد .. وغيرها من التخبطات التي حرفت العلمانية عن مفاهيمها الأساسية .

وحتى أولئك الذين قالوا بأن العلمانية هي: ((فصل الدين عن الدولة)) كما هو التعريف الشائع لها فإن أكثرهم كذلك كان يعرف اللفظ فقط، ولكنه لا يدرك المقصود به على نحو الدقة، إذ أن مفهومه لهذه العبارة هو نفس ما عبر عنه غيره في العبارات التي ذكرناها أو أنه مشابه لها إلى حد ليس بالقليل.

لهذا نجد الدكتور محمد عابد الجابري يرى أن استعمال مصطلح العلمانية في العالم العربي يفقده قسماً كبيراً من مضمونه إذ يقول: (أنني أرى- وهذا قلته منذ سنوات- أن مصطلح "العلمانية" مصطلح لا يساعد على التفاهم حين يستعمل في وضعية كوضعيتنا في العالم العربي. ذلك لأن هذا المصطلح يفقد قسماً كبيراً من مضمونه إذا استعمل في مجتمع لا كنيسة فيه: وبالتحديد الكنيسة الكاثوليكية كما كانت قبل لجوء الأنظمة الأوروبية إلى العلمانية ".

ويواصل كلامه قائلاً : " إن العلمانية التي تعني في الزمان والمكان اللذين استعملت فيهما أعني، أوروبا القرن التاسع عشر، تعني ما يلي منقولاً عن معجم روبير الفرنسي: " العلمانية هي المبدأ الذي يقضي بالفصل بين المجتمع المدني والمجتمع الديني، وذلك بأن تكف الدولة عن ممارسة أية سلطة دينية وأن تكف الكنائس عن ممارسة أية سلطة سياسية". ويستشهد المعجم المذكور بالفيلسوف العلماني الفرنسي المشهور، إرنس رينان، الذي قال: " العلمانية ، أي الدولة التي تلتزم الحياد إزاء الأديان" .

نلاحظ من عبارات الدكتور الجابري أن كثيراً من الذين يستنكرون العلمانية ويحاربونها يمارسونها أو يمارسون بعض أشكالها في الواقع العملي من حيث لا يشعرون، وعلى رأس هؤلاء بعض رجال الدين، فبرغم من كونهم من المحذرين الدائمين من العلمانية وخطرها إلا أنهم متمسكون وملتزمون بها أشد الالتزام.

وقد يتساءل البعض ويقول : كيف يكون ذلك وهم لا يتركون فرصة تمر من أمامهم إلا ويغتنموها للتحذير من خطر العلمانية والعلمانيون؟ !!


ولكي نجيب على هذا التساؤل نقول: أن الكثير من رجال الدين نجده لا يتدخل ولا يخوض في الأمور السياسية ويتهرب حتى من الاقتراب منها، وإذا سُئل لماذا ؟ أجاب بقوله : ((لا ينبغي لرجل الدين الخوض في القضايا السياسية لأن هذا يعد مخالفةً وتشويهاً للدين))، إذ نرى هذا جلياً في سلوك بعضهم حتى ولو لم يعلنه صراحةً. والسؤال هنا : ما هو الفارق بين مقولة وسلوك رجال الدين هؤلاء، وبين المقولة التي يقولها بعض العلمانيين من ضرورة (فصل الدين عن الدولة) ؟ !!

ولعل بعضهم يجيبنا بقوله: بأن الهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على الدين وقدسيته وليس التخلي عنه .. وهذا الأمر لا يشرح ولا يبين لنا أي اختلاف في أصل المسألة، كما أنه أيضاً لا يثبت فرقاً بين كلا الاتجاهين من ناحية الممارسة، فحتى بعض العلمانيين يرون بأنه : " يجب الفصل القطعي بين السياسة والدين، بين الدولة والدين، لأن الدولة دائما وأبداً توظف الدين لغايات رديئة آنية، ظرفية وانتهازية، توظف الدين للقهر" .

فلهذا هم يرون –أي بعض العلمانيين- بضرورة إبعاد الدين عن السياسة حفاظاً على مكانة الدين وقدسيته من التدنيس السياسي، وليس لإبعاد الناس عن الدين. وينقل الأستاذ زكي الميلاد في كتابه الإسلام والتجديد مقولة للسيد حسن الأمين ينقلها من كتاب ماهر شريف رهانات النهضة في الفكر العربي إذ يقول: (بأن السيد الأمين يرى أن علاقة الإسلام بالدولة تظل أكثر تعقيداً من علاقة المسيحية بالدولة، ويميز بين ما يسميه بالعلمنة الملحدة التي تنفي الدين أساساً، وما يسميه بالعلمنة المؤمنة القائلة بفصل الدين عن الدولة دون التورط بنفي الدين) .

إذ أنه ليس كل من يطالب بالعلمانية السياسية هو ملحد أو أنه يطالب بالتخلي عن الدين والقيم الدينية كما يُصور البعض أو يتصور، ويرى الدكتور الجابري بأن مصطلح العلمانية في مجتمعاتنا غير دقيق لهذا السبب، إذ يقول: (إن غياب الكنيسة بهذا المعنى يجعل مضمون عبارة "فصل الدين عن الدولة" ينصرف إلى شيء واحد غير مقصود، وهو فصل الدين عن المجتمع، أي تجريد الناس من الدين، وهو ما يسمى باللادينية. وهذا ليس من معاني العلمانية إطلاقاً) .

ولهذا يحق لنا وضع علامة استفهام كبرى وأكثر من علامة تعجب؛ عندما نرى خطابات بعض رجال الدين –الموصوفين سابقاً- التي تستنكر العلمانية وتهاجمها وتحذر منها .. وذلك لأننا نراهم يمارسونها أو يمارسون بعضاً من أشكالها من حيث لا يشعرون ! إذ نلاحظ من مقولاتهم وتصرفاتهم، أنهم يتفقون مع المفهوم الذي يقدمه بعض الباحثين للعلمانية، حيث أنهم متمسكون وملتزمون بمضمونها عملياً، ولكنهم مع ذلك يدعون مخالفتها ويرفضون القبول بلفظها، فهم عندما يعرضون مصطلح العلمانية للناس يعرضونه وكأنه مصطلح لا يمكن الجمع بينه وبين الإسلام ، فإما العلمانية أو الإسلام !!

لعل البعض من رجال الدين هؤلاء يبررون لنا موقفهم هذا ويشرحونه – أي يبينون الفرق بين العلمانية وبين أقوالهم وسلوكياتهم التي يسمونها بالإسلامية- بقولهم : (بأن تكليفنا الشرعي في عصر الغيبة الكبرى هو عدم الدخول أو التدخل في الأمور السياسية، وإنما علينا انتظار الفرج وظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله لنا فرجه الشريف، فإذا خرج فسيكون التدخل في الأمور السياسية بإذنه وتحت إشرافه مباشرة، أما أن نخوض في ذلك في غيبته عجل الله فرجه، فإن هذا مرفوض لأننا لن نسلم من الوقوع في المحاذير الشرعية).

إن هذه الأقوال لا تثبت فرقاً نستطيع أن نذكره بين العلمانية وسلوكياتهم - التي يطلقون عليها عبارة إسلامية- إلا أنه يحد منها ولا يجعلها مطلقة، أي أننا نفهم من هذا بأنهم سيلتزمون بالعلمانية السياسية – بمعنى فصل الدين عن الدولة- حتى ظهور الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه، فحتى ذلك اليوم سيظلون يتمسكون بالعلمانية في المجال السياسي حتى وإن وصفوها أو أطلقوا عليها مسميات أخرى .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !