مواضيع اليوم

رجال الدين وهوس العقيدة

سلمان عبدالأعلى

2011-12-26 13:26:40

0

رجال الدين وهوس العقيدة

بقلم: سلمان عبدالأعلى


من أخطر المشاكل التي تواجهها مجتمعاتنا في الوقت الراهن هو الهوس العقائدي- إن صح التعبير- الذي يروج له بعض رجال الدين بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات، ومقصودي من مصطلح ((هوس العقيدة))، ما نلاحظه وما نشاهده في مجتمعاتنا من التركيز المبالغ فيه على قضايا الاعتقاد، حيث وصل الأمر ببعض رجال الدين أو ببعض المحسوبين عليهم أن يعاملوا الناس بناءً على آرائهم ومعتقداتهم، فإذا وجد هنا أو هناك من يخالفهم في بعض النواحي العقائدية.. رموه بوابل من التهم، وحاربوه أشد المحاربة، بغض النظر عن ما إذا كان هذا الاختلاف في قضايا عقائدية جزئية وليست أساسية أم لا.


إن هذا الهوس ليس حالة طبيعية ؛ وإنما هو مرض فتاك يفتك في جسد المجتمع ويجعل أفراده يتناحرون فيما بينهم، وخير شاهد على ما نقول ما نشاهده من ممارسة بعض رجال الدين للإقصاء والاعتداء – ليس بالضرورة أن يكون جسدياً أو مادياً – على من يختلفون معهم في بعض الآراء – وغالباً ما يكون المعتدى عليهم من رجال الدين أيضاً – فنراهم يحاولون جاهدين زج الجموع من المؤيدين لهم ليمارسوا السلوكيات الإقصائية على اختلاف أشكالها لمن يخالفهم أو يختلف معهم، وإذا سألتهم لماذا ؟؟! أجابوك بقولهم: " إن هذا هو تكليفنا الشرعي".. ولا أدري كيف يتم تشخيص التكليف الشرعي بهذه الصورة ؟!!


للأسف الشديد بأننا لم نعتبر بما حدث في العصور السابقة نتيجةً لهذا الهوس العقائدي، فكم من الظلم ومن القتل وقع على الكثير من أبناء الأمة الإسلامية، بل على الكثير من رموزها الدينية.. نتيجة لما يسمى في التاريخ بفتنة خلق القرآن، ومع ذلك ترانا نجدد هذه الفتن، ولكن بطرق ومسميات مختلفة، والخوف كل الخوف أن نصل إلى نفس النتائج التي حدثت في تلك الحقبة، فعلى الرغم من التقدم الذي نمر فيه، إلا أن بعض النواحي هي كالسابق لم تتغير، إذا لم نقل بأنها تطورت ونمت كما تطور الزمن ولكن بشكل سلبي ومعاكس.

لذا نلاحظ في مجتمعنا المعاصر بوادر رهيبة لهذا الهوس العقائدي، ولكن ليس كما كان في السابق – غالباً – أي بين دين ودين، أو مذهب ومذهب، وإنما بدأ فينا أكثر عنفاً، حيث أنه بين أبناء الدين الواحد، والبلد الواحد، والمذهب الواحد، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان حتى بين أتباع المرجع الواحد، وكل هذا بسبب بعض رجال الدين – هداهم الله – الذين يلعبون أدواراً كبيرة في خلق ذلك وابتداعه، فنراهم يربون الناس ويشجعونهم على ثقافة الخصام والنزاع، من خلال نشرهم لثقافة التشكيك في إيمان الناس وفي صحة معتقداتهم.


ولذلك نسمع بين الفينة والأخرى التصنيفات الغريبة؛ والتي ما أنزل الله بها من سلطان لعقائد الناس، فهذا كامل العقيدة، وذاك ناقص العقيدة، وهذا عقيدته ضعيفة، وذاك عقيدته مختلة، وهذا ضال، وذاك مشكك ومضل، وغيرها من التصنيفات والمسميات .. التي ذكرتني بتصنيفات بعض الشركات التجارية لمنتجاتها (حليب كامل الدسم، حليب قليل الدسم، حليب منزوع الدسم)، فقد أصبحت العقيدة عند بعضهم بهذا الشكل (( كاملة وناقصة ومنزوعة)) !!


لدرجةً تمادي البعض في هذا الأمر، وأخذ يدخل من يشاء في المذهب ويخرج منه من يشاء، وكأن الدين والمذهب ملك له ولأتباعه !!

بأي مقياس تقاس العقيدة ؟
لا أتذكر أنه يوجد جهاز لقياس العقيدة، ولا أدري هل أن مقياس ((رختر)) والمعروف لقياس الزلازل والهزات الأرضية تم تطويره أو تطوير جهاز مماثل له لقياس قوة العقيدة من ضعفها أم لا ؟ !!


فإذا كان لا يوجد جهاز يختبر العقيدة ويعطينا نتائج واضحة ودقيقة، فعلينا أن لا نبالغ في الأمور ونعطيها أكبر من حجمها، فنحن نعرف إذا كان هذا الإنسان يعتقد أو لا يعتقد بشيء معين بناءً على قوله وإعلانه لذلك، لا بناءً على الشكوك والظنون التي تدار حوله، إذ لا ينبغي لنا التنبؤ برأيه ومن ثم نحاول البرهنة والتدليل عليه، فإذا قال شخص بأنني أؤمن بكذا فعلينا أن لا نشكك في صدق إيمانه، وإذا قال بأنه لا يؤمن بهذه القضية أو بتلك الرواية أو ... فينبغي علينا أيضاً أن لا نشكك في إيمانه بالكامل ونخرجه من الدين والمذهب، ونحيل ذلك لخبث سريرته وسوء نيته، لأن هذا الأمر مرفوض ديناً ومنطقاً !!

وأنا هنا لا أدعوا إلى قبول الرأي المخالف والاستسلام له أو الاقتناع به، ولكن أقول علينا أن نُحسن الظن بصاحبه وإن وجدناه مخطأ، لأننا إذا لم نفعل ذلك سوف ننقاد إلى سلوكيات وتصرفات غير متزنة، وستتحول المسألة من كونها خلافاً فكرياً إلى كونها خلاف شخصياً، إذ سيبدو الحال وكأن هنالك ثأر ينبغي أن يأخذ، ولهذا ينبغي إحسان الظن حتى لا نصل إلى هذه النتائج السلبية، كما أنه ينبغي العلم بأن إحسان الظن مبدأ إسلامي حثت عليه الكثير من النصوص الدينية.

إن من المهازل التي نراها من بعض رجال الدين، الذين يحملون راية العقيدة – هوس العقيدة – ليحاربوا بها أو تحت لوائها كل من يخالف العقيدة الصحيحـــة ـ في وجهة نظرهم ـ أنهم يغضون طرفهم عن بعض السلوكيات المنحرفة والمخالفة للشرع .. التي تصدر من بعض أتباعهم، ولا يتخذون أي إجراء أو موقف تجاهها، مع علمهم بها وإطلاعهم عليها، في حين أنهم يبالغون في مواقفهم وفي ردة فعلهم تجاه من يرونهم مشككين أو مختلين عقائدياً .. فيا سبحان الله ((مالكم كيف تحكمون)) !!

وهذا الأمر ليس من نسج خيالي؛ وإنما هو أمر واقع عايشته في أحد رجال الدين ((المهوسين عقائديا))ً، حيث وجهت إليه سؤالاً يخص قضية معينة وقف فيها موقف سلبي، إذ لم يقف فيها في وجه رجل دين آخر لديه بعض السلوكيات غير المتزنة، إذ كان السؤال الموجه له هو : إذا كنت يا شيخ تحارب الانحراف .. كما هو معروف في سيرتك وأقوالك .. فلماذا وقفت ضد السيد فلان والشيخ فلان، في تلك القضايا ولم تقف ضد الشيخ فلان في هذه القضية ؟ !!

فأجاب قائلاً: أنني وقفت ضد السيد الفلاني، والشيخ (العلاني) في تلك القضايا لأن لديهما انحرافات عقائدية، وهذا الأمر لا ينبغي السكوت عليها، أما الشيخ فلان، فلا توجد لديه أية انحرافات عقائدية .. إن هذا لمن المفارقات العجيبة، إذ كيف أصبح الانحراف السلوكي غير مهم في مقابل الانحراف العقائدي ؟ !!

والغريب في هذا الأمر أن من لديه انحرافات عقائدية – بحسب وجهة نظر المهووسين عقائدياً – أو لنقل أن من لا يؤمن ببعض العقائد أو ببعض الروايات المتداولة.. لديه أدلته وبراهينه التي تجعله يتمسك برأيه ويصر عليه، فهو حتى وإن كان مخالفاً للمشهور، فإنه غالباً ما يكون مخلص النية، كما أن لديه أدلته وبراهينه التي يستدل بها على صحة آرائه و قناعاته، لأنها لم تنبع من هوى نفسه أو من مصلحة شخصية.

أما من لديه انحرافات سلوكية .. فهو في الغالب على علم بأنه مجانب للصواب، أي أنه غير مشتبه في الحق، كما أنه لا يوجد لديه أي دليل أو حجة شرعية ليدعم بها موقفه.. فبأي منطق أو شرع يعذر هذا ولا يعذر ذاك ؟ !!

يجيبنا رجل الدين المعني نفسه بقوله: بأننا يجب علينا إحسان الظن بهذا الشخص، كما يجب علينا ستر عيوبه .. والعجيب في هذا الأمر أنه هو نفسه لا يحسن الظن بمن يراهم مخالفين له في بعض الآراء أو بعض المعتقدات الجزئية، ونراه يحاربهم ويشهر بهم على المنابر ويتوعدهم بالعار والنار، وإذا سألته لماذا ؟؟ ! أجاب بالجواب التقليدي المعهود قائلاً: " أرى ذلك تكليفي الشرعي " .. ولا أدري لماذا يكون تكليفه الشرعي انتقائيا ومزاجياً على أناس دون أناس؟!!

محاولة الاغتيال الاجتماعي :
من المناسب هنا طرح هذا التساؤل: إذا كان الشخص يختلف معي فكرياً في بعض الجزئيات التي لا تمثل أساساً عقائدياً لا في الدين ولا في المذهب .. فلماذا يحارب بهذه الكيفية ؟!!


ربما تكون المشكلة بشكل أكبر ليس فقط عندما يعلن أن فلان ناقص أو مختل عقائدياً، وإنما إذا أسيء الظن به وتمت التحليلات لمقاصده ونواياه بصورة غريبة وبطريقة عجيبة، فنسمع مثلاً أن فلان يشكك في هذه الحادثة، وذاك في تلك الرواية، وهذا في تلك الزيارة .. وكلهم على الرغم من اختلافهم وتعدد آرائهم، يهدفون من وراء ذلك إلى هدم الإسلام المحمدي الأصيل، أو إلى إضعاف المذهب والكيد به .. لذا ((عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين أبد الآبدين))!!


بالله عليكم ماذا نتوقع من عامة الناس إذا أوحي لهم بهذا الكلام، إلا أن ينهضوا ليواجهوا هذا الخطر، وليذودوا عن حمى الدين والمذهب دفاعاً عنه في وجه من يحاول هدمه وطمس حقائقه، ومن المعلوم أن أسلوب عامة الناس لن يكون على وتيرة واحدة، فكل شخص سيكون له طريقته الخاصة للدفاع عن دينه ومذهبه، وما علينا إلا توقع وانتظار ومشاهدة هذه الطرق والأدوات وما تحمله من ويلات و وويلات!!

للأسف أن من يشاع عنه على أنه منحرف عقائدياً يتم قتله اجتماعياً، فإذا كان يصلي بالناس جماعة ينبغي أن يطرد ويعزل، وإذا كانت لديه أنشطة اجتماعية خيرية يخدم بها المجتمع، ينبغي أن يقاطع ولا يتعاون معه .. وهكذا يترك المختل أو المنحرف عقائدياً – بحسب رأي هؤلاء – في أيدي العامة من الناس لكي تنهشه بأنيابها وتمزقه بمخالبها وكل ذلك يتم طاعة وقربة إلى الله تعالى !!

لماذا لا نحسن الظن ؟
ينبغي علينا حتى وإن كنا نختلف مع هذا الشخص في بعض آرائه الفكرية التي لا نرى صوابه فيها أن نعالج هذا بأسلوب حضاري، ونبتعد عن التحليلات والتعليقات التي تشكك في نيته أو في نزاهته .. حتى وإن لم نستطع إقناعه بما لدينا، قال تعالى: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " .. فإذا كانت دعوتنا صادقة وخالصة لوجه ـ سبحانه وتعالى ـ فلا بد أن نعتمد المعايير الإلهية والطرق الربانية للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وحتى وإن لم نحقق النتائج التي كنا نرجوها من وراء ذلك، ينبغي علينا أن نترك الحساب إلى الله سبحانه وتعالى، لأننا غير مسئولين وغير مكلفين بمحاسبة الخلق (دع الخلق للخالق).




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !