هاتفني وقال لي بعد التحية: معك صديقك القديم محمد سواعد..هل تستطيع المشاركة مع طلابي في أسبوع التراث واللغة العربية..إذا سمح خاطرك...
ـ على راسي ...
ـ تسلم حبيبي...ولكن لي رجاء عندك...
ـ تفضل...
ـ نريد قصة شعبية ولا نريد سياسة..
ـ بلاش، نحن لم نولد لها أصلا.. دستورنا واضح لا لبس فيه.. ولولا ثلاث هن من لذة الفتى.....
قلت هذا ولكنني في الحقيقة اغتظت، ما الذي غيّره حتى صار يخاف من السياسة! أذكر كيف وبّخنا مدير المدرسة الثانوية التي درسنا فيها معا واستدعى والدينا وهددهما بطردنا لأننا أنشدنا أغاني وطنية خلال رحلة مدرسية...
تسلقت القمة الشاهقة حتى وصلت مفترق طرق، على اليمين شارع واسع معبد يؤدي الى المستوطنة، ولافتة بالعبرية مع سهم تقول لتحديد موعد زيارة للخيمة البدوية اتصل إلى (ليئه) رقم هاتف.... إمكانية للمبيت، أسعار خاصة للمجموعات!
إلى اليسار طريق صخري ولافتة تشير الى القرية التي أقصدها، خروب، سنديان، بطم، زعرور، قندول، بلان، مريمية، سرب حجل، ثم ربعان من زيتون كالعرائس وتين وعنب ولوزيات متعة للناظرين!
بعد ربع ساعة من القيادة المخضوضة وصلت القرية التي سبق وزرتها مراراً، إنها خليط من بيوت الزنك والشَّعْر والطوب المسقوف بالأسبست أو الخشب والجبص، غرفتان من حجر قديم مسقوفتان بالباطون، أنقاض غرفة، مسجد من الطوب والإسمنت قبته خضراء محكوم هو الآخر بالهدم منذ سنوات، بين البيوت وحولها أشجار مثمرة، ورود، أعشاب طبية، آبار، صهريج مياه وتراكتور، سيارات خصوصية، خيل وحمير ولاقط فضائي. وصلت المدرسة وهي عدد من الغرف الثابتة من الخشب والجبص، وأخرى متحركة في ساحة واسعة.
استقبلني محمد معانقاً، الطلاب والمعلمون اعتمروا الكوفيات والعُقل، فنجان قهوة سادة، طالبات بالجينز الكحلي وأخريات ارتدين ثياب والداتهن وجداتهن ورسم بعضهن شامات على ذقونهن وجباههن وظهور أيديهن، وهناك خباء هائل يطل على أفق المتوسط من جهة وعلى طبريا والأغوار من الجهة الأخرى ذكّرني بسميرة توفيق وهيام يونس في أيام عزهما، فراش عربي، كانون ومصبات قهوة، عازف ربابة ومهباج، أطباق قش، مناقيش بالزعتر، مسخن بالبصل، أرغفة في الثفال، حمّص وفول، منزّلة، وخبيصة خروب أصلية....
قال محمد مؤكداً: أريد قصصا شعبية ..لا سياسة...
ـ ولكن السياسة تعشش في رغيف الخبز والماء والهواء والأدب.......
ما يسمىالدوريات الخضراء سيّجت المراعي بالكهرباء وانتصرت نصرا مبيناً على قطعان الحلال، صادرتها وذبحتها، السلطة تقيم حظراً على استعمال مواد البناء منذ عقود، ومسيرة المصادرة التقليدية مستمرة لصالح المستوطنات الحديثة، باستطاعتك الذهاب الى المحكمة والاعتراض، وهذا أمر بسيط لا يحتاج إلا لمحام جيد، ولكن المحامي يحتاج الى وقود، ووقوده النقود، وأتعابه تحسب بالنسبة المئوية من ثمن الأرض، فإذا كنت فقيراً ولا تملك سيولة وهذا هو الأرجح حينئذ يطلب المحامي تعويضه بنسبة من مساحة الأرض التي نجح بإنقاذ قسم منها، وغالباً ما تتفرع معركة صاحب الأرض إلى جبهتين، واحدة ضد السلطة وأخرى ضد المحامي الذي قد تسول له نفسه عقد صفقة من وراء ظهر موكله، وهذا يحتاج إلى محام ثان لإنقاذه من براثن الأول.
الحكومة ليست من قراصنة البرّ، ولهذا تمنحك الحق بمتعة الوقوف أمام القضاة من الصلح حتى العليا، وتمنحك حق تنظيم تظاهرة أمام الكنيست ترفع خلالها شعارات احتجاجية، ونصب خيمة وإعلان الإضراب عن الطعام ليزورك رجال سياسة ثم ليقولوا من هنا نعلن تضامننا معك.. ثم يلتقطون معك صورة يطلقونها في مواقع الإنترنت لتصل في بريد الزبالة الالكتروني الى حواسيب الأمم. وطالما أنك لم تغلق شارعاً فلن تضربك الشرطة بالهراوات ولا بالغاز أو بالرصاص، أما إذا كسَرت الوحدات الخاصة أضلعك حتى وأنت داخل خيمتك، فمن حقك تقديم شكوى للشرطة ضد الشرطة وحينئذ تبدأ الشرطة تحقيقاً مع نفسها، وطبعا سيتضح أنك كسرت أضلعك عمداً لتشويه سمعة الشرطة!
الدولة لا تأكل حق أحد، فإذا صادرت أرضاً (للمصلحة العامة) تدفع تعويضاً لأصحابها، ولهذه الغاية الشريفة ترسل مخمناً لتقييم ثمن الأرض والمأوى المصادر، فإذا كانت الأرض (بتتكلم عربي) فهي للمرعى أو لفلاحة بعلية بائسة، فإذا نطقت بالعبرية صارت للبناء أو الزراعة المروية، وقد تصل قيمتها الى عشرة أضعاف قيمة أرض السيد مكاوي. ولأن الدولة ليست عصابة من العالم السفلي فهي تعلمك في رسالة مهذبة من بضعة أسطر أن ثمن أرضك المصادرة للمصلحة العامة تم تحويله الى حسابك في البنك بعد استشارة مخمن مهني... ومع كامل الاحترام! تشعر بالدوار، لأن المخمن اللئيم قرر أن ثمن أرضك لا يتعدى تسعيرة أسبوع نقاهة في فندق أربع نجوم مع وجبة فطور، تغضب وتركض لاهثاً الى المحامي الأول والثاني وتستشير ثالثاً وأنت مدجج بصورٍ عن صورٍ عن صورٍ عن (كواشين) من الباب العالي في استنبول، وهنا إما أن يسعى محاموك لإعادة الاعتبار لأرضك وقيمتها الحقيقية وإما أن تنتظر صلاح الدين..
أما الذين يرفضون التعويض بالمال ويصرّون أنه إذا كان لا بد من صفقة تبادلية فالدونم مقابل دونم والتراب لا يعادله قيمة سوى التراب... فهؤلاء هم المتطرفون الملعونون في الدرك الأسفل من حواسيب الدولة، وتلعنهم حتى حواسيب شرطة السير، فيمنعون من إضافة خشبة أو لوحة جبص إلى بيوتهم القائمة رغم ارتفاع العمران والبنيان ومرور الكهرباء والمياه من بين أيديهم ومن خلفهم الى المستوطنات القانونية الجديدة، وما زال بعضهم مثل صديقي القديم (أبو السواعد) يسعى بين أروقة المحاكم منذ عقدين، محاولاً إثبات معادلة رياضية تقول إن المتر المربع من أرض يملكها (محمد) له نفس قيمة المتر المربع التي أورثتها الدولة للسيدة (ليئه) لتقيم عليها خيمتها البدوية ومضافتها الالكترونية!
وأن خيمة البدوي تساوي الفيلا في قيمتها حسب النظرية النسبية، لأن الأصل من المسكن هو السكون والسكينة وليس ارتفاع أعمدة الإسمنت أو سمكها، ولهذا فإن حسابات مخمن الدولة مبنية على خطأ رياضي متعمد من أساسها، والقضاة أغبياء لا يستوعبون نسبية الأشياء، بل ويحثون محمد ( بنية سليمة) أن يرضى بقسيمة بناء من أربعمائة متر مربع في مكان تختاره الدولة مقابل دونماته العشرة التي له لون ترابها، ولكن ولأجل عدم المس بالقيم الديمقراطية فقد تركت له المحكمة الخيار بين البقاء حيث هو مع منع أية إضافة لما هو قائم ولا حتى لاستيعاب الزيادة الطبيعية التي ينتجها هو وزوجته وأمثالهم (أسوة بالمستوطنين في الضفة الغربية على الأقل) وإما الرضى بالقسمة الضيزى...
انتبهت للعريف يقدم فرقة الإنشاد المدرسية! توقعت أن ينشدوا مدرستي ما أحلاها أو لهجر قصرك وارجع بيت الشعر..ولكنهم افتتحوا بـبكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب....
قلت لنفسي هذه أغنية حيادية لا سياسة فيها، فمن حق الإنسان أن يكتب اسم بلاده حيثما يشاء! إلا أنهم أردفوها بنشيد موطني موطني.. الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك...!
حينئذ ملت عليه وقلت - يبدو أن طلابك مسيّسون...
فقال - هل تذكر يوم وبّخنا المدير واستدعى والدينا لأننا أنشدنا أغاني وطنية...
- أذكر..طبعاً أذكر..والحقيقة أنني (توغوشت) منك لأنك طلبت مني عدم الخوض في السياسة...
فرد مقهقهاً: ولك يا (عكروت).. قم إحك للأولاد قصة شعبية.....
a
--------------------------------------------------------------------------------
د. خليل كتانه - جنين - فلسطين - ما زلتم وستبقون تكتبون أسماء بلادكم وبلادنا في قلبكم النابض!
مع إحترامي للجميع دون إستثناء !!!!! في سورياالعزيزة قالوا: لأكتب إسمك يا بلادي عالشمس إللي ما بتغيب!! والشمس يومياً تغيب وكفرنا بها وعبدنا الله أسوة بإبراهيم عليه السلام.وفي الاردن دقوها وشام على صدورهم والصبايا في أماكن ظاهرة ومخفية إلا للمقربين من الجسد(دقوها وشام) وفي دول الخليج العربي تركوا الجمل الذي أمرنا الله بالتأمل به وكتبت أسماء البلاد على (الكابريس)والبعض نقشها في غرف ناطحات السحاب وفي اليمن حيث لا قراءة ولا كتابة وعدونا بأن يتذكروا إسم بلادهم ونسوها!!!في فلسطين (بكتب إسمك يا عارة وعرعرة وحيفا ويافا على قلبي)
--------------------------------------------------------------------------------
ظافر - بدها إرجال و مش ضايل
وين نروح وين نلقي رجالنا اما استشهدوا او دخلوا السجن واللي حاملين اللواء ازلام بطونهم كبيرة ولسانهم ما عليه حكي ولحين ماألله يفرجها علينا بزلزال اشي كبير يعني من فوق الخمسين ريختر يلعن ابونا بعزا امنا ويلحق القاصي بالداني حتى يحررلنا ازلامنا كبل بلادنا لأنه البلاد بدها رجال وما ضل رجال انا هيك شايف انها مليانه زلام بس ما فيهم رجال وحتى يرجع الزلام رجال بدها اشي رباني والله يعوض علينا مع تحياتي الصادقة لمن بقي من اللرجال
--------------------------------------------------------------------------------
AR - you are the best
no doubt you are the best! you writing has a special power that takes me back 50, or actually60 years ago.
--------------------------------------------------------------------------------
وردة العايد - لا سياسة
نعم لن نتحدث بالسياسة ولن نقيم لها وزنا ، لأننا نفضل التحدث بالوطنية الشاملة لمفتاح دار الجد , ووقاية الجدة( الوقاية هس التي تحطها المرأة الفلسطينية على رأسها تحت الغطا)وكعكوز الزيت ، وبقلولة اللبن وقرطلة التين ومسطاح الذبيل نقولها لولادنا ،وين كنا نستعملها وليش اليوم مش موجودة؟ لا ليش السياسة ، ماهي بتوجع الراس لكن الوطنية تبعث الاحساس بالحنين الى هناك . وكما قالت فيروز...... سنرجع يوما ليس الى حينا فقط بل الى ، من الميه للميه
--------------------------------------------------------------------------------
ا د نادي ساري الديك - شكرا لكل المبدعين
الاخ الاديب سهيل كيوان تحية ومحبة وشكرا لك على ما جادت به قريحتك وبنات افكارك فمثل هذا ليس جديدا على مبدع مثلك والى امام
--------------------------------------------------------------------------------
د. خليل كتانه - جنين - فلسطين - بكتب وليس سأكتب!!!!!!!!!
وفي حيفا ويافاوجنين ونابلس وطولكرم يكتبون (فعل حاضر مستمر)والعدو أمامهم يسلبون والعرب خلفهم يتفرجون!!سيروا والله معكم يا سهيل فأنتم قلب فلسطين النابض وتاج الامة العربية لا يراه إلا كل لاجيْء طرد من بلاده!إلى متى العمى العربي عنكم وعن صبركم الذي جاوز صبر أيوب. في الجزائر أصبحوا يتكلمون الفرنسية!!!وفي إفريقيا خليط وفي اسيا(Ya)وفي الكبابير بحيفا ختيار يغني (صبو القهوة) وزيدوهاهيل وإبن صهيون يقلب تذكرة سفره بالطائرة ليرى متى موعدالعودة من حيث أتى!!نعم أنتم الاهل والأصل ويكذب على نفسه من يقول غير ذلك. كلهم هربوا وتركوكم وحدكم ويتغنون اليوم بدل بلادي..موطني..بـ فدائي..الجمال والجلال ..واويرتلون القرآن في غزة دون أن يفهمون..حسبي الله ونعم الوكيل.لقد خجلنا من أنفسنا أمامكم!! د.خليل كتانه-قائد كتائب مثقفي الشعراوية-جنين Kh_Kittanih@Yahoo.Co
--------------------------------------------------------------------------------
سليم البيك - مجد الكروم
سهيل يا سهيل، شو هالقسمة الضيزى هاي :-) يا عزيزي بدي آجي ع مجد الكروم وآكل كل هدول: مناقيش بالزعتر، مسخن بالبصل، أرغفة في الثفال، حمّص وفول، منزّلة، وخبيصة خروب أصلية
--------------------------------------------------------------------------------
أحمد بنميمون - من أدب المقاومة الجديد
هكذا تكون النهاية التي تكسر التوقعات ، وهكذا يكون الحادث الطاريء المثير، الذي شغل من هذه القصة مرحلة العرض كلها، إذ لايمكن أن يتوقع أحد أن تنتهي هذه القصة، وقد انشغل كاتبها باستعراض صيرورات تحول العدوان ، وما أصبح عليه المواطن الفلسطيني من حال حرم معها من أبسط الحقوق في دولة الجيش،إلا إذا كان يظن أن كاتبها على رأي السلطة الفلسطينية ألتي لم يبق لها ما تتنازل عنه. من حيث اللغة : أضافت لنا هذه القصة تعبيرات جديدة عن المأساة الفلسطينية مثل : أنتظار صلاح الدين(محرر القدس)و(قيمة أرض السيد مكاوي)التي تتكلم (عربي) وهي تعبيرات ماساوية ايضا، لم تنس القصة التأكيد على مبدإ اختيار المقاومة، وفي هذا مجدها وما يحدد هويتها في أدب المقاومة الفلسطيني الجديد،. مبارك نصك الأدبي الرائع هذا يا صديقي سهيل كيوان.
--------------------------------------------------------------------------------
من الجليل - نعتز بك يا سهيل كيوان
.. ايهاالاديب الغير العادي وغير النمطي, ايها المبدع الرائع سهيل كيوان,,دمت لجليلنا وصمودنا وجرحنا وادبنا الهادف الجميل ذخرا ايها المناضل غير العادي,,اليك احر تحيات التقدير والاعتزاز
التعليقات (0)