تستطيعان المشي ما طاب لكما مطلقان العنان لساقيكما تسابقان الريح وعندما تتعبان تتوقفان عند محطاتكما المشتركة في ذات النقطة التي التقت فيها أزمنتكما على حين غرة دون وعي منكما،تلك التي اسمها الصدفة والتي بين ثناياها تذوبان في حرارة جسد واحد. أنت وهي، وهي وأنت،ولا أحد شريك لكما غير المكان والروائح وهبوب ريح ذات الشتاء الجاف الذي جمعكما قبل أعوام ثلاثة... حينها كنت تضحك للمطر وأنت تنهل من شفتيها كل الأسرار التي لم تشأ أن تبوح لك بها...في ذات الزمن كانت عيناها دليلك الذي تنظر به إلى ما حولك وأنت وحيد مهجور كأرصفة الشتاء، فلا شريعة كانت تقيدك إلا شريعتها ولا قانون يحكمك إلا قانونها.
أميرة مطاعة كانت وزهرة في طي الأضلع أخذتها وحميتها من شر العالمين ولم تكن لتكترث أو تحسب للزمن العصيب القادم حسابا، معها كنت تتجاهل سيوفا أمضى من حد المدية تحيط بكما من كل جانب،هي المحكومة بالدين والأب والعشيرة، وأنت المتمرد المسكون بنكبات الوحدة والعزلة وسطوة الأعراف والتذمر من حتمية المشي مع القطيع فوق حبل رفيع متلاشي من التقاليد الزائفة.
غربتكما التي بحجم الجبال جعلتكما قريبين بعيدين،رقمين في معادلة جاهلة تعمم وتضع رأسيكما في مقصلة الزيف والنفاق المشتركين،فكنتما الرقم المجهول الذي لم ترحمه المعادلة لأنها لم تعرفه.
تستطيع الاستلقاء ما شئت بين ظلال أحضانها التي تقيك شمس هجير حارق، لكنك منعزل لم تصدق بعد أنها لك ،لم تستطع إقناع نفسك بإمكانية اختزال الحب في محض كلمتين نطقت بهما ولم تزل،خيالك المرعب يجعلك في دائم حيرة من أشياء قد تحدث و قد لا تحدث، فكنت الواثق المتشكك،والعاشق الكاره، والمتيم المنزوي الباحث عن المجهول الذي يتبدى في كل الأشكال والمحطات التي ما إن تصل إلى إحداها حتى يأفل لمعان الوصول وتتقلص سعادة الإدراك بأن شيئا ما تحقق.
تستلقيان معا.أنت وهي ، وهي وأنت ،فوق ارض ليست كأي أرض لأنها تضمكما وتجعل الوجع يلتقي بالوجع، والحيرة بنبض يزداد بطئا أكثر كلما اقتربت منك، حتى خلت الصفر ساعتها محطة أخيرة وصلتها دون إدراك، حاملة معها إشراق طفولة أخرى وأطيافا تنأى بك بعيدا عن ترهات الزمن المتوحش الحاد كسكين.
تسألها فلا ترضى منها بأي جواب مهما كان في نظرها مقنعا ، وتجهد نفسك وأنت تحاول ترتيب ما لا يرتب، فلا أنت ارتحت ولا هي استطاعت أن تجعلك تؤمن بما تشير به مشاعرها نحوك،لذلك كنت تتذمر وأنت تخفي ما يجيش به خاطرك من غضب ووجد.
وفي سراديب اللغة و منحنيات الكلمات دخلتما وقلتما أشياء غير ذات أهمية لكنها عادة ما تقال.
قلتما الكلمات دون رغبة في الإقناع ولا في الاقتناع، فقط لمحو الفراغ والفرار من قيود الصمت المرعب الذي تستكينان إليه عادة كلما حاصرتكما حبال الواقع ولاح لكما المستحيل جاثما مسيطرا على القدرة والإرادة،فلا تجدان سبيلا للفرار غير التذكر واجترار سحر النظرة الأولى و قدسية اللقاء الأول و رعشة الهمسة الأولى.
لطالما سألتها وكلك حيرة :
- لما تبقى الأشياء الأولى وهاجة وبأفل لمعان ما يليها.؟
وبعد قليل صمت تجيب :
-لأن الزمن الحاضر ليس هو ذاته الذي مضى.ألا تذكر،؟"إننا لا نستحم في النهر مرتين".
وأتمم ما بدأته عن اقتناع :
- إننا لا نعيش ذات الزمن مرتين.... أجل،و-
حينها حط الظلام دامسا على أطراف المدينة وشعرا ببرد وحنين جامح للافتراق بغية ترتيب أجزاء الصورة بهدوء أكثر بعيدا عن ضغط وقلق القرب.
وافترقا كما اتفق عند مدخل آخر زقاق يوصل إلى بيتها،سارت دون أن تلتفت وكذلك هو فعل. كأسيرين يذوقان طعم الحرية بديا وهما يجتازان دروبهما،فكر أنها النهاية وفكرت أنها لم تعد تحتمل التكرار أكثر.
محمد الشاوي/الخميسات/ ذكريات 2007 الجميلة
التعليقات (0)