مواضيع اليوم

رايس، أولمرت وعباس: قراءة مغايرة

إدريس الهبري

2009-02-24 12:43:18

0

عشية كل قمة فلسطينية-إسرائيلية، تنشط ماكينة الإعلام العالمي عموما والعربي خصوصا في قراءة التوقعات و سقف النتائج الممكن التمخض عن كل قمة؛ و الملاحظ أن لا أحدا من قراء الأحداث و محللي مجريات الأمور على ساحة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يلتفت إلى الجوانب المحيطة و الأجواء المحتضنة لتلك اللقاءات التي باتت نتائجها مفضوحة حتى قبل انعقادها، كما هو حال القمم العربية.
و الملفت للنظر أكثر أن الإعلام العربي يسير على خطى اللغط الإعلامي الذي يسبق أو يتلو تلك اللقاءات، من دون أن يعي خطورة ذلك على القضية الفلسطينية و باقي القضايا العربية الأخرى؛ لأنه لم يعد يقوى على الانزياح عن المسار الذي ترسمه و تحدده الآلة الإعلامية الغربية عموما و الأمريكية على وجه الخصوص، هذه الأخيرة التي تجد و تجتهد في المساعدة على تهيئة الأجواء لتنفيذ المخططات الأمريكية الهادفة إلى الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط و الخليج.
لقد سارعت وسائل الإعلام العربية عشية لقاء القمة الذي عقد بالقدس الغربية يوم الاثنين 19 فبراير 2007، بين عباس أبو مازن و أولمرت و كوندوليزا رايس، سارعت إلى الحديث عن أن أولمرت يرى في نجاح القمة فرصته الوحيدة في النجاة من نتائج التحقيقات التي تجرى في تقصيره في حرب لبنان الأخيرة، كما ذهبت أكثر من ذلك إلى القول بأن أبو مازن معني بتحقيق إنجازات تعزز من موقعه في مواجهة حركة حماس، و أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى تحقيق إنجاز في ظل ورطتها المتواصلة في العراق؛ في الوقت الذي انتهت القمة من دون منح فرصة لأولمرت و تعزيز موقع لعباس و تحقيق إنجاز للولايات المتحدة الأمريكية...
فلماذا قمة فلسطينية-إسرائيلية إذن؟
إن شفرة الإجابة عن هذا السؤال موجودة بكواليس البيت الأبيض و أروقة وزارة الدفاع الأمريكية، و معها الحكومة الإسرائيلية، و معهم محمود عباس أبو مازن؛ لكن ذلك لا يمنع من محاولة تفكيك رموز تلك الشفرة للحصول على إجابة مقنعة عن السؤال المطروح، وفقا لقراءة مغايرة تماما لما راج و يروج بشأن تلك القمة الفلسطينية-الإسرائيلية.
في تصريح لكوندوليزا رايس عقب انتهاء القمة، قالت:"أكدنا نحن الثلاثة التزامنا بحل يقوم على قيام دولتين واتفقنا على أنه لا يمكن أن تولد دولة فلسطينية من العنف والإرهاب".
و في تصريح لجورج بوش في 24 يونيو (حزيران) 2002، حول مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، طالب في كلمته بتطبيق رؤية وجود دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن. وطالب الفلسطينيين بانتخاب قادة جدد لهم، "قادة لا صلة لهم بالإرهاب". ووعد بتقديم دعم الولايات المتحدة لدولة فلسطينية "حينما يكون للفلسطينيين قادة جدد ومؤسسات جديدة وترتيبات أمنية جديدة مع جيرانهم."
و المشترك ما بين التصريحين الأمريكيين هي الأجواء المحيطة بتحريك عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، وفق الزمن الأمريكي الماكر.
عشية التحضير لضرب العراق و الانقضاض عليه، و منذ عام 1991، دأبت الإدارة الأمريكية على توظيف الورقة الفلسطينية لفائدة حيازة الموقف العربي الرسمي على الأقل، و التمكن من استخدام الأراضي العربية المجاورة منطلقا للهجوم على العراق و غزوه؛ و علني من الذين لا زالوا يؤمنون بأن أوسلو (1) و أوسلو (2) أتت في سياق اللعب القذر للولايات المتحدة الأمريكية بالقضية الفلسطينية كورقة رابحة لها، بعدما وظفتها الأنظمة و الأحزاب العربية من اليمين إلى اليسار لفائدة أجنداتها و حساباتها السياسية الضيقة لسنوات طوال، و هو ما فطن إليه الأمريكيون و هم في أوج البحث عن عظمة كلب يرمون بها إلى الرأي العام العربي، مقابل الاستئثار بالعراق و تسهيل عملية الغزو.
إن ما يدل على صدقية هذه القراءة هو ما انتهى إليه مسلسل السلام الشاق والطويل بين الفلسطينيين و الإسرائيليين مباشرة بعد سقوط بغداد عام 2003، حيث أعلن رئيس الوزراء شارون في شهر ديسمبر (كانون أول) 2003 عن عزمه "فك الارتباط" بشكل أحادي مع الفلسطينيين، استنادا إلى مبرر عدم وجود "شريك للسلام" على الجانب الفلسطيني. و حتى بعد التخلص من ياسر عرفات الذي كان يعتبر في نظر الأمريكيين والإسرائيليين عقبة في وجه السلام، و مجيء محمود عباس أبو مازن من بعده، لم تعرف عملية السلام النشاط الدبلوماسي المعهود على عهد الإعداد لغزو العراق.
و انتعاش عملية السلام اليوم يندرج ضمن سياق التحضير لعمل عسكري جديد ضد إيران هذه المرة، عشية انتهاء مهلة الأمم المتحدة لوقف تخصيب اليورانيوم، و على الرغم من اختلاف التقديرات بشأن إمكانية شن هجوم عسكري واسع خاصة مع وجود انقسامات عميقة في الكونغرس والإدارة وعدم توافر تحالف دولي مساند لواشنطن. إلا أن الإعلان عن وصول حاملة طائرات أمريكية ثانية إلى الشرق الأوسط، و تأكيد رايس خلال تصريح لها بخصوص منظومات الصواريخ بأوربا الشرقية أن العملية لا تستهدف روسيا بقدر ما تستهدف إيران، وإعلان طهران عن تحقيق مناوراتها الصاروخية نجاحا يفوق المتوقع؛ هذا فضلا عن حديث وسائل الإعلام عن وجود خطة أمريكية لضرب إيران، تُستهدف من خلالها القواعد الجوية والقواعد البحرية ومنصات الصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة العسكرية.
و المستخلص من كل هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست لديها نية حقيقية في إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أن الإسرائيليين ليس لديهم رغبة في إقامة دولة فلسطينية، و ما يجري على الأرض يثبت صحة هذه المقولة.
لكن المطلوب من الإعلام العربي هو عدم الانجرار إلى تسويق المنتوج الإعلامي الغربي كما تحضره مصانع إعلام البيت الأبيض و وزارة الدفاع و السي آي إي، بل عليه التحرر من هذه التبعية العمياء، و إيجاد موقع مستقل و حر لتقديم قراءة داعمة للمصلحة العربية، على اعتبار أن الحياد و شعار "الرأي و الرأي الآخر" لا يصلح استخدامه سلاحا في مواجهة إعلام آخر غير محايد، و لا يؤمن بذلك الشعار.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !