لماذا نسخر من المغاربة الفقراء الذين يتزاحمون على محلات الحلوى من أجل اقتناء «طورطة أعياد الميلاد»، كما يسميها المسيحيون العرب، أو «الطـّارطا ديال راس العام»، كما يسميها المسلمون الذين حسن إسلامهم؟
الفقراء الذين يقفون في الطوابير كل مساء 31 دجنبر لشراء الكعكة، يمارسون حقا طبيعيا من حقوقهم، أي أنهم يريدون أن يكونوا جزءا من هذا العالم، وهذا حق تضمنه لهم كافة الشرائع والقوانين الدولية.
صحيح أن الكثير من الفقراء يشترون الكعكة ثم يتزاحمون في الطوبيسات الرديئة فتتعرض كعكتهم وفرحتهم للدمار، وصحيح أن كثيرين منهم يتناولون حلوى أعياد الميلاد وهم يتجنبون قطرات المطر التي تنزل عليهم من السقف، إلا أنه في كل الأحوال يحق للجميع الاحتفال. وعندما يظهر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وهو يهنئ العالم كله برأس السنة الجديدة، فلا يجب أن نكون خارج هذا الإجماع العالمي، وإلا فإن تهمة الإرهاب ستصلنا عاجلا أم آجلا.
الاحتفالات برأس السنة التي تجري بين الطبقات الشعبية لا تزال محدودة إلى حد ما، لكنها لن تكون كذلك بعد سنوات قليلة، فالشعب، والحمد لله، يصبح كل يوم أكثر تحضرا، حيث سيصبح راس العام جزءا حميميا من حياتنا، وقريبا ستطلب الزوجات المتحضرات من أزواجهن إحضار شجرة راس العام إلى المنزل قبل ليلة رأس السنة بعدة أيام من أجل إدخال البهجة والسرور إلى نفوس الأطفال، تماما كما كان يفعل الناس سابقا مع كبش العيد، قبل أن يتغير الوضع حيث صار الكثيرون لا يرونه إلا مذبوحا صباح العيد.
قريبا أيضا ستبدأ شركات القروض المتوحشة في نصب لوحات إعلانية كبيرة في مختلف المدن والقرى المغربية، إعلانات تغري المواطنين بقروض سهلة وميسرة الدفع من أجل شراء شجرة أعياد الميلاد والهدايا المتبادلة بين الأهل والأحباب.
وبعد سنوات قليلة، سيبدأ أطفال المدارس في اعتبار بابا نويل أهم من طارق بن زياد وابن عبد الكريم الخطابي وموحى أوحمو الزياني وغيرهم، على الأقل لأن بابا نويل يأتيهم بالحلوى كل عام، والباقون لا يسمعون بهم إلا لماما لأنهم مدفونون بين ثنايا التاريخ.
في السنوات المقبلة، سيخطف راس العام النجومية من عاشوراء، وسيصبح الآباء مجبرين على شراء هدايا ولعب لأطفالهم في راس العام وليس في عاشوراء.
بعد سنوات قليلة، سيضعون في ساحة البرلمان شجرة كبيرة وعليها أضواء وهدايا، وسيظهر النواب وهم يضعون على رؤوسهم طرابيش البابا نويل ويرفعون كؤوس نخب راس العام وينشدون أغاني عيد الميلاد المجيد... ثم يختفون طبعا.
قريبا، سيظهر أيضا الوزير الأول على شاشة التلفزيون وخلفه شجرة أنيقة مزينة بالأضواء والهدايا، وبعد أن يبدأ كلامه بعبارة «الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله»، سيتمنى للمغاربة أعياد ميلاد سعيدة.
في السنوات اللاحقة، ستشتمنا المنظمات الحقوقية الدولية لأن مناهجنا الدراسية لا تتوفر على القدر الكافي من المعلومات حول السيد المسيح من وجهة النظر الكاثوليكية، وسيعاب علينا أننا لا نقوم بالمجهود الكافي لكي يفهم التلاميذ الصغار عقيدة التثليث التي تجعل النبي عيسى إلها وابن إله ونبي.
في كل الأحوال سنة سعيدة للجميع، وعلى كل واحد منا أن يشارك العالم في هذه الاحتفالات الكونية التي تلغي الفوارق الدينية والطبقية والاجتماعية، حيث يتساوى الساكن في صندوق قصديري في «سيدي مومن» مع الساكن في قصر فرعوني في هوليود. علينا أن ننسى، مثلا، ما حدث قبل عامين في راس العام عندما شاهدنا طفلا فلسطينيا وهو يخطو وسط أنقاض منزله أو ما كان سابقا منزله.. كان يبحث عن أمه وأبيه وإخوته وأخيه، يبحث عن جدته وخالته وعمته، لكن لم يجد غير قطته التي نجت من الموت بأعجوبة، فاحتضنها وبدأ يبكي، كانت القطة تواسيه وهو يواسيها. فرؤوس أهله كلها قطعتها إسرائيل في قصف همجي وعلقتها على شجرة الاحتفالات مزينة بأضواء من كل الألوان، وذلك أمام أنظار العالم كله... عالم رأى رؤوس 1500 طفل وشيخ وامرأة في فلسطين معلقة على شجرة العيد.
لا يهم.. ليهتف الجميع: عيد ميلاد سعيد.
التعليقات (0)