مواضيع اليوم

راسكولينوف، أوريليانو، أم غرنوي

عبدالحق حباب

2010-07-26 21:59:42

0

 

 

في طريقه إلى عمله وجد أحدهم امرأة تعيسة بائسة تتلحف السواد وتمدّ يدها للغادين والرائحين في رحلتهم اليومية نحو الباقي من أيامهم.

قال لنفسه الكثير ولكن ما استقر في نفسه أنه أقل بكثير مما يرى!
وأجمل بكثير مما لم يرى.
توقف لبرهة أمام المرأة ووضع في يدها الباقي من حساب قهوته الصباحية دون أن يتكلم أو تتكلم ومضى.
لا يدري لماذا تذكر بطل (باربوس) وهو يصرخ في وجه بغيّ ويجيب عنها في نفس الوقت "لقد كنت مصدوماً، وقلت لها إن ما يدعو للأسف أن نفعل أشياء مثل هذه، أخبرتني أنها إن لم تفعل مثل هذه الأشياء ماتت من الجوع!".
فارق المهنة لم يغير في أمر الحاجة شيء!
أدار الراديو على إذاعته الصباحية فإذا ببيان يعلن أن أحد المجرمين قد هلك بعقوبة قطع الرأس ثم تبعه خبر آخر عن مجموعة إرهابية قطعت رأس ضحية لم تعتبره حكومته ذات أهمية لتفتديه، وقال في نفسه ماذا لو خرج (جان فالجان) من سطور (البؤساء)، ورأى مسافة الأمتار التي قطعتها هذا الصباح!
قال لنفسه لوهلة، بل ماذا لو طرحت نفسي في كل العصور التي قرأتها عند (فيكتور هيغو) أو (باولو كويلو) أو (دوستويفسكي)؟.
هل ثمة فرق بيني وبين مراهق دوستويفسكي؟
"يعود المرء إلى ذاته، يقطع كل صلة، ويرجع إلى ذاته"
"إلى الشيطان فليذهب كل الناس، امضوا في سبيلكم، كيدوا لبعضكم البعض، كلوا بعضكم بعضاً، فما يعنيني أنا في هذا كله؟".
لم يجب ولكنه راح يتمتم بأسئلة محرم أن تخرج من اللسان ولكنها مشروعة جداً في النفس، تفيض بها الكثير من العيون ولكنها بحاجة لأن تخرج لتعود بجواب نسبي!
حينما أراد أن يغني، كانت مقطوعات (ياني) التي تتهادى إلى أعماقه، أقل بكثير من استيعاب مداه وصوت العربية الفاتنة في (خيميائي كويلو) يرن في أذنه وكأنه (سانتياغو) المبهور بحلمه ونخيل الصحراء.
قبل أن يصل تذكر أنه خرج باكراً جداً عن موعده، لأنه منذ زمن بعيد لم ينم في وقت معين.
قال وهو يضع يديه خلف رأسه مغمض العينين، سأفعلها منذ اليوم.

تذكر أشياء كثيرة وفكر أكثر، سلسلة الأحداث تبدو مفككة وغير مترابطة وعقله الصغير أقل من أن يستوعبها، وعجز أن يجد لكل حلقة أختها المناسبة، رغم أنها متراتبة وواضحة جداً أمامه.
تساءل وهو يفكر بصوت عالٍ "لماذا أنا مثقل بهموم الأرض وتفاصيل مكنونات البشر وأكاد أعد أنفاسهم وأخترق عيونهم؟"
ظل يحاول الإجابة التي أنهكته، وهو الذي كان قبل برهة يردد ما قاله المراهق، وذلك بالضبط ما يفسر أي قلب يحمله!
لا يريد أن يصبح كخادمة فولتير التي خافوا أن تسرق الصحون عندما تعرف أن الله غير موجود!
ولا يريد أن يصبح أبو ذر في هروبه من مشكلات حدثت بين عقله ومنطقه!
ولا يريد أن يصبح نصف حقيقة ونصف كذبه، بل أحدهما كاملاً.
ثم بعدها سيحتمل ثقل حلقات السلسلة، سواءً عرف تماماً كل حلقة وأختها أو لم يستطع أن يعرف.
مع غروب كل نهار تعلن الدنيا الحداد على الواقع بأشكاله، وتلبس الثوب الأسود لتتفرغ للأحلام، وأحلام المفزوعين لا تنقطع.
عندما حان موعد النوم كان الباقي في ذلك الحداد هو تتويج كل متناقضات وتباينات ذلك اليوم القصير جدا والواسع جداً جداً.
يذهب الناس للنوم جميعاً، ويحلمون جميعاً، ولكنهم قليلاً ما يلتقون في أحلامهم، فالكل مشغول بما يحبه أو ما يفزعه!
حتى عندما تصحو أحلامهم يكون الأوان قد فات على إعادة ترتيبها وفق ما يشتهون.
لكنهم في النهار وفي وضح الشمس، يقولون أنهم يستطيعون فعل ذلك (الترتيب) ولكنهم يفشلون، إلا أنا، استطعت ذلك الآن.
لأني لازلت نائماً في انتظار المبعث الأخير.

 

 

alhazzaa@elaph.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !