كدوامة من طرق ملتوية متقاطعة في سوق شعبي عتيق ..بات المشهد السياسي الذي اعقب الانتخابات النيابية الاخيرة في العراق..طرق متعرجة مضللة منها ما هو خانق برائحة المؤامرات النتنة المقززة كعفونة اسواق السمك..ومنها ما هو مغلق النهايات والآمال..ومنها ما يتحصل على عدة تفرعات متحاذية وملتفة كمتاهة..
بتبرم واضح يراقب الناخب العراقي المساومات البائسة التي يتعامل بها بعض ساستنا مع صوته المحمل بالكثير من الدم والدمع والجراح..وبألم ممض مبرح ينصت للمناوشات التي تدحرج مصيره كالكرة بين اقدام من تورمت وتعاظمت حجومهم بفضل اصرار وتحدي وتضحيات المواطن العراقي الشريف والبطل.. والذي ليس لمثل هذا التفريط وقف ثابتا صلبا مضحيا شاهرا اصبعه البنفسجي في وجه قوى التسلط والارهاب المنفلت وامتداداته في دول الجوار السئ..
وان كان قبول الطعون للنواب الفائزين من قبل الهيئة التمييزية لهيئة المسائلة والعدالة ..والاحترام العام والرضا الذي اظهرته جميع القوى الاساسية لما افرزته عملية العد والفرز اليدوي قد انار بعض الشئ الطريق المؤدي الى تشكيل حكومة الشراكة الوطنية العتيدة..نجد ان من الخطل وسوء الفطنة تجاهل عقم وجدب المنتظر من هذا الكم المسرف من التحاذق والتذاكي السياسي الذي تعتمده بعض الاطراف لتعظيم مواقفها اعتمادا على ادامة التقاطع ما بين الكتل الرئيسية الفائزة..ومن خلال التناسل المفرط للمتحدثين الرسميين الذي اصبحنا لا نعرف لهم عددا ..وتناقض تصريحاتهم وتضاربها والشكوك التي تثيرها توقيتاتها المتزامنة مع اي جهد للتقريب بين وجهات النظر المتناقضة..والمسارعة اللاهثة في رفع شعار مرشحي التسوية مع كل شبح ازمة يلوح في الافق..
فاي تسوية تكون بتخطي قائمتي دولة القانون والعراقية..وماذا بقي من مجلس النواب مع امتناع التحالف الكردستاني والتيار الصدري عن طرح مرشح لمنصب رئاسة الحكومة..وهل ينتظر منا ان نتقبل فكرة رئيس وزراء بعشرة مقاعد..
وما هذا الاصرار الغريب لبعض ساستنا العظام على الوضع القسري لجميع بيضهم المتنافر في سلة اللقاء المرتقب ما بين الزعيمين نوري المالكي واياد علاوي..خصوصا مع كل هذا الكم من الاتهامات المتبادلة التي تحكم العلاقة بين الطرفين..والتي وصلت حد التلفيق المفتقر للخجل والادعاءات التي تصل للتجريم الجنائي تجاه هذا الطرف او ذاك.. مما قد يثير في النفس بعض الشكوك حول مدى تفهم واستيعاب رموزنا السياسية لمعطيات وحراجة المشهد السياسي الحاضر..
وعلى الرغم من ان عبثية ولا جدوى مثل هذا اللقاء لا تحتاج الى كثير دراية ولا تمكن من بواطن الامور..فان التعاطي المهمل والخفة الشديدة التي يتعامل بها الفرقاء مع هذه الجزئية.. رغم طرحها كنقطة مفصلية في مجمل الحراك السياسي الراهن من وجهة نظر البعض على الاقل.. قد يثير القرف والاحباط في نفس الناخب العراقي وهو يشهد استخدام هذا الحدث لتصنيع وادامة التكاره والتباغض الذي تعاظم اتساعه ما بين اقطاب العملية السياسية..
فمن المؤلم التفكير بان المخاض الذي تعيشه القوى السياسية العراقية في الراهن المعاش من ايامنا.. هو ممارسة لا تعدو كونها نوع من التخاتل السياسي يهدف الى تسويق الازمة وادامتها ونقلها الى مستوى القطيعة التي تتقلقل على حافة الهاوية من اجل التكسب والتربح الاقرب الى السحت السياسي العقيم..
ان الشعب العراقي البطل ينتظر ممن رفعهم بدمه ودموعه وتضحياته الجليلة الى مصاف القادة التاريخيين الحفاظ على جوهر العملية الديمقراطية واحترام الاستحقاق الانتخابي والرأي الشعبي واستكمال المسيرة التي بدأها شعبنا من خلال تحدي قوى الشر والارهاب والتسامي على المكبلات والعوائق التي رافقت العملية الانتخابية..مشفقين على قادتنا من السقوط في وحل المقايضة البائسة بالتاريخ النضالي المشع والمشرق مع مواقع ومناصب زائلة سوف تضعهم في اتون الرفض الشعبي والجماهيري وفي خضم التقاطعات السياسية الداخلية والاقليمية..
ننتظر من قادتنا الكرام الالتزام بالثوابت الوطنية التي تحفظ بيضة الديمقراطية ..ورفض التدخلات الاقليمية بالشأن الوطني الداخلي والعودة والاحتكام الى صوت المواطن العراقي الشريف والرهان على صبر وايمان وصلابة العراقيين ونقاء معدنهم في تجاوز هذه الازمة والنظر الى ما هو ابعد من السنوات الاربع القادمة ..والعمل على تحصين وترصين وتعميق التعددية والتداول السلمي للسلطة المبني على الشرعية الدستورية والاستحقاق الوطني..والا فانه ستكون هناك من كلمة للشعب العراقي الصابر العظيم الذي يرقب بحزن نبيل شفيف صناعة وتخليق الخراب على ارضه المعطاء..وتلك الكلمة لن تكون بالتأكيد ضمن اجندة وحسابات ساستنا الكرام..
التعليقات (0)