لقاء قناة الشرقية بالدكتور إبراهيم الجعفري
الجزء الثاني
- ماذا بشأن ورقة الإصلاح التي اعتمدها التحالف الوطنيّ؛ لحلحلة الأزمة السياسية، وتصحيح مسار العملية السياسية؟
الجعفريّ: ورقة الإصلاح التي تبنيناها في التحالف الوطنيّ هي عصارة لمُجمَل الملاحظات التي كانت تـُبديها الأطراف بعضها على البعض الآخر، وهي ليست صفحة من ورق إنما هي خطوات عمل على الأرض؛ لذلك ثبّتت منذ البداية بأن لا يُطرَح شيء اسمه (ورقة إصلاح) إنما تُطرَح خطوات عملية لمعالجة المشاكل، وحلحلة الوضع بين الأطراف المعنيّة.
تحرّكنا في داخل التحالف الوطنيّ، وكانت هناك نقاط محدَّدة، ونحن معنيون بها، وأنا شخصياً معنيّ بها، وأنا دائماً أقدّم وأؤخر بنقاطها بين فترة وأخرى، حسب تطوُّرات الوضع، وأولويات النقاط المُزمَع تطبيقها؛ فنحن أمام قضية عملية لا أمام بحث نظريّ كبحث الماجستير أو الدكتوراه، أو مقالة صحفية إنما أمام قضية على الأرض، وكلَّ يوم تتقدّم نقطة، وتتأخّر أخرى.
- هذا يعني أنك شخّصت روح الخلاف؟
الجعفريّ: دعني أضرب لك مثلاً: الإخوة الكرد كانت لديهم ملاحظات وأولويات على النفط والغاز، ويركِّزون عليها كثيراً، فقفزت قضية، وتقدّمت على هذه الحالة حين حدثت الأزمة في سورية على الحدود السورية - العراقية، وتحرّكت ثلاثة ألوية عراقية هناك من منطقة القاهرة، فاتصل بي الأخ مسعود، فصار لقاء قبله في الشهر الرابع في أربيل، وصار الإجماع بحضور الخمسة الذين حضروا وهم رموز يطالبون بالاستجواب، وحجب الثقة، وهذه طبعاً تركت ظلالها على الطرف المقابل، فجاءت قضية حجب واردات النفط التي كان يصدّرها إقليم كردستان عن الحكومة الاتحادية، فصارت ثلاث نقاط، ونحن تعاملنا معها، وما غيّرنا الورقة، وجئنا بها في المقدّمة، وأصبحت الأولوية لقضية البيشمركة.
نحن كنا دائماً نعمل على تحديثها واحدة واحدة، وكلُّ نقطة نتداولها بالهاتف، أو من خلال وفد إلى بغداد يتحاورون معي بشكل مباشر -بتقديري- خطوات عملية صارت مثلاً قضية النفط، فدعونا الأخ نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني، وسألناه عن هذه القضية، والرجل استجاب، وجاء إلى الهيئة السياسية، وشرح القضية، وحضر أيضاً إلى لجنة الإصلاح المشكَّلة في التحالف الوطنيّ.
استفدتُ من الأرقام التي طرحها، وجرى حديث مباشر بيني وبين الأخ مسعود بالتليفون، ومع مَن يمثـّله الأخ روش والأخ زيباري حين جاءا إلى البيت، وقلت لهما: نستطيع أن نقول قليلاً حللنا القضية، ومثال آخر: إصرار الأخ مسعود في الشهر الرابع، وبعده شهرين أو ثلاثة أصرّ في أكثر من مناسبة على قضية سحب الثقة، فساهم في تشنيج الأجواء أيضاً، وتحدّثنا بالقضية، وانسحبت هذه القضية من خطاباته.
أنا أعتقد أن هذه بادرة طيبة، وهناك نقطة ثالثة، وهي: كان هناك قلق من تحريك القوات المسلَّحة العراقية على الحدود، واتصل بي، وكنت حينها في البرلمان، فقد كان قلقاً من هذه القضية، وتفاهمتُ معه على ضرورة ضبط النفس، وهدأت، وهذه قضية دستورية، وأنتم لستم مقصودين بها، فالقضية على الحدود وهو القائد العامّ للقوات المسلَّحة لكلِّ العراق.
نحن تحرّكنا على الأرض لإنجاز أشياء.
بالنسبة إلى العراقية لديهم مسألة وزارة الدفاع، وفي الوقت نفسه وزير الداخلية وصلت إلى حدّ اللقاءات بين الإخوة الأطراف، والحديث عن الأسماء، فاندفعنا بهذا الاتجاه.
أقول لك: مررنا بأزمة، ويبدو في الآونة الأخيرة -للأسف- تظهر بين فترة وأخرى أزمة جديدة.
- من خلال اتصالاتك ماذا رأيت مطالب أم الموضوع هو انعدام الثقة؟
الجعفري: توجد أزمة، وأطراف مأزومة. لا تنظر إلى حجم الأزمة إنما انظر إلى الأطراف المعنيّة بالأزمة هل هي مأزومة أم لا.
إذا لم تكن مأزومة فأكبر أزمة تُحَلّ، وإذا كانت مأزومة فسيتعقَّد الأمر.
أنا لا أرى حجم الأزمة كبيراً جداً، لكنّ درجة تأزُّم الأطراف كانت عالية جداً
-للأسف الشديد-، وهذه مشكلة، وإلا فقد مررنا بمشاكل في المعارضة، ومررنا في الحكم أكبر منها بكثير كحادث جسر الأئمة، وسامراء، فلا تحتاج القضية أن نتوقّف بهذه الدرجة.
هذه -على كلّ حال- كلُّ واحد له ادّعاءاته، ونحن لا نقرأ قلوب الناس، ونفسِّر نواياهم، لكن من حقنا أن نقيّم الأمور بتمظهراتها الخارجية. أعتقد أنها ما كانت تستحقّ أن تأخذ هذا الوقت، ونراوح في أفق الأزمة، فيما كان ممكناً وإلى الآن حلها لو تمتّع المعنيون بـ(الأريحية) أي أصرّوا على تجاوز هذه القضية، وهذا الوقت الذي نصرفه نحوّله إلى مشاريع عمل وتعبئة للكفاءات الموجودة لوعى الجميع أنهم جميعهم لا يستطيعون أن ينهضوا بالمسؤولية، ونحتاج بعد إلى طاقات من أبنائنا وبناتنا، بدلاً من أن نشتـّتها في أمور لا طائل من ورائها.
- أين تقصير السيد رئيس الوزراء؟
الجعفري: لا نضعها كلَّها على عاتق رئيس الوزراء، فتكون حصته من الرياح أكثر. أنا أقول: كلُّ الأطراف معنيّة بلا استثناء، ولو حلّلنا الأشياء التي تُطرَح الآن لوجدنا تجاوزات متبادَلة.
-الخلاف بدأ بالرأي القائل: إنَّ اتفاقية أربيل لم تُنفـَّذ، وحين أخذتَ على عاتقك موضوع ورقة الإصلاح يُفترَض أن يكون هذا الموضوع أساسياً؟
الجعفري: هناك مشاكل، وعلى رأسها، أولاً: ضعف مستوى الثقة بين الأطراف، ثانياً: عدم مراعاة أولويات النقاط التي تُطرَح.
أنا منذ البداية صرخت في وجه التجربة السياسية بأن لا تحلَّ بعض الملفات بهذه السرعة كملف كركوك، ويجب أن نستفيد من تجارب العالم.
الدساتير التي كُتِبت في العالم أخذت وقتاً، لندع الشعب الآن يتذوّق ثمار سقوط الدكتاتورية، وحلول البديل الديمقراطيّ، فلينظروا إلى الخدمات، وتحسُّن الظروف المعاشية، ليأكلوا الخبز، ولتتوافر الأدوية، ويستتبّ الأمن.
فلا تستعجلوا هذه الأشياء.
المادة 140 قد حدّدت مشكلة ملف كركوك في نهاية عام 2007، وانتهى عام 2007، وألفين وتسعة، وعشرة، وأحد عشر، وتوشك ألفان واثنا عشر أن تنتهي لم تُحَلَّ المشكلة.
وقد حدثت مثل هذه الضجّة معي عام 2005.
أنا أعتقد أن هناك استعجالاً، ولو تُترَك الأمور لمواقيتها الصحيحة لمرّت بسلام، لكنها دخلت في مناكدات بين الأطراف.
يجب أن تكون لدينا أولويات، وهي أولويات العراق، حتى في طريقة الخطاب، لماذا تتقدّم الكردية على العراقية، لماذا تتقدّم العربية على العراقية، لماذا يتقدّم الانتماء الطائفيّ على العراقيّ، لماذا لا تقول أنا عراقيّ، ثم قُلْ أنا سُنيّ أو شيعيّ؟
علينا أن نقدّم المشترك الذي يجمع الجميع.
حين تضع العراقية إلى الخلف، وتتكلّم بالنقطة التي تميّزك عن البقية فهذا يعني أنَّ الخطاب تحوّل من خطاب توحيد إلى خطاب تشتيت.
أعتقد أنّ الكثير من القضايا يعوزها خلفية ثقافية.
- يُفترَض أن يكون هذا من أبجدياتهم في بناء البلد؟
الجعفري: هذا المفروض.. أكبر دولة في العالم الآن هي الولايات المتحدة الأميركية، ومن مؤسّسي أميركا الحديثة جورج واشنطن، وجون آدمز، وجيفرسون.. أنا أعتقد أنَّ الذي أسَّس أميركا هو جيفرسون. هل تعلم أنَّ جون آدمز الرئيس الثاني وجيفرسون الرئيس الثالث لا يتكلم أحد مع الآخر لمدة 12سنة، هذا يعني أنّ هناك خلافات بين السياسيين لكنها حُفِظت في إطار المصلحة الوطنية.
ألمي، وحرقة قلبي أنه لماذا تؤدّي الخلافات إلى تعطيل إدارة العملية السياسية، لماذا تسمح بتدخُّلات خارجية إقليمية.. أما أن تقول خلافات فلا توجد سياسة بلا خلافات.. السياسة فنّ إدارة.
- نحن وصلنا إلى مُفترَق طرق، الموضوع تحوّل إلى احتمال الاحتراب؟
الجعفري: تبدأ القضية ببساطة بخلافات خصوصاً إذا خرجت من حيّز التعاطي الأخويّ، ودخلت في قضية التماكس، وينتقص البعض من قيمة البعض الآخر قد -لا سمح الله- يؤدّي إلى الاحتراب.
أنا أستبعد ذلك؛ لأنَّ كلَّ الأطراف متضرِّرة من هذا، ولديهم ثقافة عن الدكتاتورية حين حكمت، ولديهم ثقافة عن الحروب الإقليمية.
- كيف تستبعد وكلُّ القطعات العسكرية متأهِّبة.. هل تضمن أن لا تحدث شرارة هنا أو هناك؟
الجعفري: لا يوجد شيء مستحيل في السياسة، ولا يوجد شيء حتميّ أيضاً.
كلُّ شيء محتمل، ومن علامات النضج السياسيّ أن لا يقطع الإنسان بشكل كامل.
قراءتي: كُلُّ الأطراف متضرِّرة من النظام السابق، وكلُّها مستفيدة من الدستور الجديد. هل الإخوة الكرد في زمن صدام يحصلون على منصب رئيس جمهورية، أو وزير خارجية؟ كلُّ هذا جاء حين سقط النظام وإلى الآن.. هذا كلُّه بفضل التجربة الجديدة، وكذا رئيس الوزراء الشيعيّ، وكذا الإخوة السنة.
صدام كان متفرِّداً بكلِّ شيء، صدام كان الرجل الوحيد عسكرياً وسياسياً وحزبياً.
نحتاج أن نذكّر الإخوان بأنَّ اختلافكم ليس مشكلة، لكن اعرفوا كيف تديرون خلافاتكم بطريقة صحيحة، فأنا لا أتصوّر سياسة بلا اختلاف. هذا الكلام أوجّهه إلى الجميع بلا استثناء، وهو حديث أخويّ، وأنا واحد منهم.
- باستثنائك؟
الجعفريّ: لا. أعوذ بالله أن أكون نرجسياً.. كلُّ من لديه مؤاخذة عليّ فليوجِّهها، وسأكون شاكراً له سلفاً.
- أحد أسباب الخلاف هو اتهام السيد المالكي بمحاولة الاستئثار، والتفرُّد بالحكم؟
الجعفري: عدّاد العمل التنفيذيّ غير قابل للإيقاف؛ بين التفرُّد والتصدّي والحزم في التنفيذ خيط رفيع ، كما يقول افلاطون: الحكمة خيط رفيع بين الفضيلة والرذيلة
هذا لا يعني أن أزكّي أحداً، ولا يعني لا توجد لديَّ ملاحظات على الجميع بما فيهم رئيس الوزراء.
أنا لست مدّاحاً، ولا مُجنَّداً لأحد إنما أتكلّم لصالح العراق كلِّه.
هؤلاء لا نستغني عنهم، لا رئيس الوزراء، ولا رئيس جمهورية، ولا رئيس إقليم كردستان، ولا رئيس البرلمان كمواقع، وأشخاص، وأحزاب.
هؤلاء هم البديل عن النظام السابق.
- ما هي أبرز الملاحظات التي تُؤخَذ على السيد رئيس الوزراء وفي المقابل الملاحظات التي تُؤخَذ على من يعارضه؟
الجعفري: كُلُّ الملاحظات أسمعتها للجميع، ولا يوجد أحد خال ٍمن المشاكل، المهم كيف نواجهها بحلول.
هذه الملاحظات التي لديّ لا تعني أني لم أرَ جدّية عالية في أن نتحرّك بمشروع حلّ، فالجميع يتفاعلون، ويستجيبون.
- موضوع سحب الثقة كان بحماس أكبر بكثير من محاولة رأب الصدع؟
الجعفريّ: هذا واحد من المشاكل، وكان ردّ الفعل هو حلَّ البرلمان، وتقديم موعد الانتخابات، وكلا الأمرين دستوريان، لكني لا أراهما صحيحين.
أن تلتقي مجموعة في أربيل، وتسحب ثقة فهذا شيء ليس صحيحاً، وقد قدّموا لي دعوة للحضور، واعتذرت على الرغم من أنهم طرحوا اسمي بديلاً، والشيء نفسه مع الأخ رئيس الوزراء حين طرح البديل بحلِّ البرلمان، وتقديم الانتخابات.
- لماذا رفضت؟
الجعفري: لا أعتقد أنَّ لديّ كلاماً في أصل المبادرة.
- قرأت في أكثر لقاءاتك وتصريحاتك، ووجدت أنَّ عندك رؤية تعتقد أن من يتصدّى للمسؤولية تعطيه الوقت الكافي إلى أن تنتهي مسؤوليته؟
الجعفري: بغض النظر عمّن هو. أنا أتصوّر أننا في بداية تجربة ديمقراطية، فأن نجتمع، ونقطع الطريق على فلان وفلان لا أراها صحيحة.
هذا قلته للأخ أسامة النجيفي حين أخبرني بما أفضى لقاء أربيل، قلت له: أربع نقاط أولاً: أنا لا أقطع الطريق على أحد، ولا أعمل للحيلولة دون عمل أحد، ومن المستحيل أن أعمل على ملء الفراغ على التعاون بين الكلّ. ثانياً: لا أنسى ما حصل معي في عام 2006، فكيف أرفضه حين حصل معي، وأقبله حين يكون مع غيري، وعلى النقطة الأولى أنا قلت للأخ إياد علاوي الذي هو معك في نفس القائمة، واسأل الدكتور روش حين كان معي في رئاسة الجمهورية أنا كنت أحميه من موقع رئاسة الجمهورية، وهو رئيس وزراء وبيني وبين إياد علاوي بُعد المشرقين، نعم.. توجد مسافة بيني وبين الأخ المالكي ليست كالمسافة بين الأخ علاوي؛ فأكون كما قال الشاعر: لا تنهَ عن خُلُق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ثالثاً أنا أعتقد أنَّ صفقات اليوم لا تثبت غداً، ورابعاً أنا متحفظ على الوضع.
- النقطة الثالثة جديرة بالانتباه.. هل تعتقد أنَّ ما يجري هو صفقة مرحلية؟
الجعفري: أتصوّر أنهم اليوم التقوا على قضية وغداً يختلفون، وتأتي قضية أخرى في السياسة قد تتحوّل، وتصبح واحدة أخرى مقابلها.. دعني أسمّيها (تصافق) أي تبادل الصفقات.
- ألم تحبّذ أن تكون في هذه الصفقة؟
الجعفري: أنا لست قاطع طريق، ولا رجل صفقة، ولا بدل ضائع، أنا أتصوّر أنَّ هذا غير صحيح.
- كأنّ الأمور وصلت إلى عُقدة، وقد تنفرج هذه الأزمة، وتنحل هذه العُقدة بتغيير السيد رئيس الوزراء؟
الجعفري: لماذا لا نعالج المشكلة بشكل منهجيّ، وصحيح، ونتعاون معه، ومع المختلفين معه.
تعالوا نحلَّ المشكلة بينكم بطريقة صحيحة.
- لكنهم وصلوا إلى طريق مسدودة؟
الجعفري: لا -والله- يا أخي ليس إلى طريق مسدودة، وإنما -للأسف- قصر نظر فلم يروا نهاية الطريق.
- العراقية تحتج، وتقول: بقينا سنة ننتظر تعيين وزير دفاع، وموضوع الدكتور إياد علاوي ومجلس السياسات. هذا كلُّه لم يتمّ، والكرد أيضاً تحدّثوا عن موضوع العقود النفطية والبيشمركة؟
الجعفري: الملاحظات متبادَلة على الجميع، أقول بصراحة: الجميع عليهم ملاحظات، وما بنا نرمي الكرة بسلة واحد، الكلُّ يتعرّضون لهذه الإشكالات والأخطاء.
أنا أعتقد أنَّ الجميع يتحمّلون هذه المسؤولية.
- بهذا الوضع ستبقى الأمور كما هي؟
الجعفريّ: لا تبقى، وفي الوقت نفسه إذا أعدنا تصوُّر مشكلة رئيس الوزراء كشخص ستتكرر مع الذين يأتون بعده، وقد حصلت معي 2006.. على أيّ شيء؟
كان الخلاف على المادة 140 وهي أن تُشكَّل لجنة عام 2007، فشكّلت اللجنة، ودفعت مبلغ 200 مليون دولار إعادة تسكين، وكلُّ شيء حسب الدستور.
السياسيّ العراقيّ لم يعتدْ بعدُ على أن يكون مُعارضاً مسالماً فهو يفهم المعارضة حرباً كلامية تنتهي بالسلاح، بعض الدول الديمقراطية فيها حزب حاكم، وحزب معارض.
لندرّب القوى السياسية على أنَّ مكانها محفوظ في قطار الحكومة، وإذا صار خلاف على الحجوم فليكن التنافس في هذا الإطار.. هذا أفضل.
- موقفك هذا يُوحي بأنك تنتصر للسيد المالكي على حساب علاقتك بالكرد، فالأمثلة التي تضربها عام 2006 و2007 تشير إلى ربما المشكلة التي حصلت معك؟
الجعفري: أنا -الحمد لله- أدّيت دوري كوسيط، وأختزن في ذاكرتي المشتركات بلا تلفيق بين المكوِّنات الثلاث الرئيسة، كما أختزن ملاحظات خاصة لا أتحدّث بها إلا أمام القادة أنفسهم؛ حتى أكون اتجهت نحو الحلّ لا نحو المشكلة.
الفرق حين يُطرَح ملف من ملفات الخلافات بين التحالف الوطنيّ والإخوة في التحالف الكردستاني في الإعلام لا تُطرَح المشتركات إنما تُطرَح القضية المأزومة فإنه سيحصل تثقيفت على الأزمة. ينبغي طرح المشتركات، ونقول: تاريخنا النضاليّ مشترك، وصدام ارتكب المآسي في حلبجة والأنفال والانتفاضة الشعبانية، وفعل ما فعل بالإخوة السنة في الأنبار بانتفاضة المرحوم محمد مظلوم، ثم اجلس معه، وقُلْ بصراحة إنك بتصرّفك هذا تخرق الدستور، ودعنا نحتكم إلى الدستور.
الدستور ليس مقدَّساً، لكن علينا أن لا ننتهكه، بل نطبّقه.
- يوجد بُعد آخر.. إذا كنت تقول: إنَّ المشكلة تكرّرت معي إذن الموضوع ليس شخصيّاً؟
الجعفري: لذا أعتقد أنَّ الشيء الصحيح هو أن نتبانى على الدستور، ونطبّقه بطريقة صحيحة، وإذا كان هناك ملاحظات على الدستور، وهي موجودة فتُغيَّر بطريقة دستورية.
- الدستور بحاجة إلى تعديل؟
الجعفري: نعم.. أنا أعتقد أنّ على الدستور ملاحظات، وكلُّ دساتير العالم تتبدَّل ليس فقط نحن، فالدستور الأميركيّ من 1783 إلى 1971 تغيّر 26 مرة، وتعدّل الدستور خمس مرات في فرنسا، وسُمِّيت جمهورية فرنسا الخامسة.
التبديل الدستوريّ لا يعني ضعفاً إنما يعني قوة.
- الخلاف الأخير، واحتمالات الصِدام العسكريّ هدّد، وهزَّ هزّة عنيفة التحالف الكرديّ - الشيعيّ.. هل لهذا التحالف مبرِّراته الآن؟
الجعفري: ما كان صدّام يمثّل السنة العرب؛ لأنه قتل السنة قبل الشيعة ومنهم عبد العزيز البدري والشيخ ناظم العاصي، وانتفاضة الأنبار، هؤلاء كلهم سُنة، فمن الخطأ أن نثقّف بأنَّ السنة مثّلهم صدام ضدّ الشيعة هذا خطأ، ويوجد خطأ آخر لا ينبغي أن نفسِّر صدام بتصرُّفاته ضدّ الإخوة الكرد بأنَّ العرب انتهكوا حرمة الكرد، وعلى كلِّ الكرد أن يتثقفوا ضد العرب؛ لأنه ضرب حلبجة بالكيمياوي والأنفال هذا خطأ؛ لأنه ضرب العرب كلَّهم قبل ضرب الإخوة الكرد. وهو استأثر بالحكومة، نعم.. كانت حصة المظالم التي صُبَّت على رأس الكرد والشيعة كثيرة جداً، وأقصاهم من السياسة، والمواقع في الجيش وغيرها.
في زمن المعارضة كنت أرجو، وأتوسَّل بأصدقائي من الإخوة السنة -أنا دائماً أذكر اسم الشهيد عبد العزيز البدري والسيد ناظم العاصي- أقول لهم: اكتبوا بياناً أو أيّ شيء، فيقولون: ظروفنا تختلف، الظرف لا يسمح لنا فأنتم في المعارضة، وتتكلّمون، أما نحن فوضعنا ومناطقنا وغيرهما لا يسمحان بذلك؛ وهذا أدّى إلى أن يكون هناك تحالف ليس تحالفاً إقصائياً إنما تحالف ميدانيّ على الأرض، وانعكس، وترشَّح بوجود ميادين في الخارج، وصارت علاقة عميقة.
نحن نتكلم عن المكوِّنات (المجتمعيات الثلاث) هذه نحن أمناء عليها، ونلتزم بها، ونحفظ الوشائج، ونجسِّر العلاقة بينها. هذا كان ديدننا على طول الطريق، ويجب أن نحافظ عليه؛ إذن التحالف المزدوج لم يكن لإقصاء الإخوة السنة، وليس لإضعاف الدولة، بل لتقوية الدولة، وحماية المكاسب، وفي مقدِّمتها مكاسب كلِّ المجتمعية الكردية والعربية.
- هذا مفهوم في تلك الفترة.. نحن نتحدّث عن الفترة الحالية ألا تعتقد أنَّ التحالف الكرديّ - الشيعيّ يدفع بالسنة إلى أن ينغلقوا على أنفسهم؟
الجعفري: ليس المفروض أن يحدث هذا.. الإخوة السنة شعبنا، فنحن لا نتكلم عن شعب آخر، ولا عن إنسان آخر إنما نتكلّم عن الإنسان العراقيّ بالإطار الوطنيّ العراقيّ، وقد اشتبهت بعض الشخصيات حين حاولت بدلاً من أن تعمل على التقريب ومدِّ الجسور عملت على أن تؤزِّم من خلال اعتمادها على أوضاع خارجية، وانسياقها وراء شعارات، ومن خلال تبنيها العمل العنفيّ.
توجد قضية في الوسط السُنيّ هي الحالة الرمزية، ولم تكن متوافرة منذ مرحلة المعارضة بالعدد والمستوى المطلوبين، فعددهم قليل جداً، ونحن نتعامل معهم في الخارج في لندن أو الرياض، ونلتقي بهم، وهم شخصيات محترَمة.
الرمزية في الوسط الكرديّ موجودة منذ زمن المعارضة متمثلة الآن بجلال طالباني ومسعود البارزاني الأول رئيس جمهورية، والآخر رئيس إقليم كردستان، فما جلسا في البيت، وحصلا على هذه الرمزية، والشيء نفسه في الشخصيات الشيعية، لكن كانت عندنا مشكلة في الوسط السُنيّ؛ لأنَّ صدام كان يعمل على الإقصاء، وقطع الرؤوس، والإبادة.. هذه مشكلة؛ فجاءت بعض الشخصيات ربما كان يعوزها التجربة، وكيفية التحرُّك في إطار الوحدة الوطنية العراقية من دون تدخّل خارجيّ، أو التفريط بهذه المكوِّنات.
يُراد لهذا له تنظير، ورمزية، وهذه يعاني منها الوسط السنيّ، وقلتُ لإخواني من الوسط السني املأوا هذا الفراغ، ولنتعاون عليه؛ لنحفظ هذه المجتمعيات الثلاث التي تكوِّن العراق.
- إذن هو تقصير من السُنة؟
الجعفري: لا. ليس هكذا، وإنما هناك بعض الشخصيات السُنية ما أجادت في أخذ دورها بالشكل الذي تعمِّق الحالة الوطنية، وتمدُّ الجسور مع الآخرين، وهذه أيضاً مسؤوليتنا.
- هل هذا ما يبرِّر الاستمرار بالتحالف الشيعيّ - الكرديّ؟
الجعفري: إذا فهمناه على أنه تحقيق العدالة الاجتماعية وفق الدستور، ومراعاة كلِّ المكوِّنات بما فيها غير المسلمين فهذا يحصل عندما يكون في خدمة التحالف المتكامل، ويمدُّ الجسور مع العراقية أي المكوِّنات السُنية، ومع بقية أبناء الديانات والقوميات فهذا لا يُخشى منه.
- هل تتحدّث عن تحالف كرديّ - سُنيّ - شيعيّ؟
الجعفري: لِمَ لا.
- ألا تعتقد أنّ هذا شيء فضفاض؟
الجعفري: لماذا فضفاض، هذه المكوِّنات هي الشعب العراقيّ، يكون هذا الكلام فضفاضاً إذا تحدّثنا عن تحالف بوذيّ - مسيحيّ؛ والمكوِّن البوذيّ أو الزرادشتي غير موجودين في العراق.
أنا أتحدّث عن وجودات على الأرض، عن حالات مصاهرة تشكِّل رُبع نسبة المصاهرة في المجتمع العراقيِّ، هناك كرديّ متزوِّج سُنية عربية، وعربيّ متزوِّج تركمانية، وشيعيّ متزوِّج سنية.
- أعني فكرة التحالف على عِرق، وعلى مذهب، وعلى قومية؟
الجعفري: لا.. أنا أعتبر ذلك بذرة بذرها أناس خارج الإطار الوطنيِّ العراقيِّ، وأرجو أن لا تتحوّل -وهذه نصيحتي لكلّ المعنيين- أن لا يحوّلوها إلى عُقدة تستحكم في الواقع العراقيّ، وبالمناسبة أول جلسة لنا في مجلس الحكم كانت هذه الكلمات غريبة على آذاننا، وللحقّ أقول كان البعض يقولون هذه الكلمات من موقع الاستغراب، وواحد منهم الدكتور عدنان الباجة جي يقول: أنا رجل عراقيّ، فمن أين أتوا بهذه؟!
كان يوجد شيء مخطَّط له، فلا ينبغي أن نستجيب له، ولا يكفي أننا لم نتسبّب به، ولا توجد مسؤولية أخرى إنما يجب أن نمنع تجذُّره، وتأصُّله كبديل عن الوطنية العراقية، والأخوّة العراقية.
- أنت تقول: نحن متمسكون بالتحالف الكرديّ - الشيعيّ؟
الجعفري: هذا التحالف الوطنيّ الآن قدر واقع، لا نستطيع أن نقفز عليه، وكان في نظريتي أن تكون التحالفات مفتوحة على الجميع، والآن أصبحت عصيّة.
هناك دول عملت على تعزيز الحالة الطائفية، وإذا كانت العراقية أمراً واقعاً وغالبيتها من الإخوة السنة فالتحالف الوطنيّ غالبيته من الشيعة والكرد هم كرد طبعاً فيهم مسيحيون وفيهم آخرون.
لنعمِّق الحسَّ الوطنيَّ داخل هذه الكيانات، ولا نقف، وننتظر هذه الكيانات أن تنتهي. هذه الكيانات لا تنتهي، ويُراد لها وقت، لكن لنعمِّق الثقافة الوطنية المشتركة، ونجعل من هؤلاء غواطس تعمل في داخلها؛ لتحقيق مصالح وطنية، فيلتقي الغاطس الوطنيّ المُخلِص في الوضع الكرديّ وفي الوضع العربيّ الشيعيّ، وفي الوضع العربيّ السُنيّ.
- أعتقد أنّ هذا الكلام أنت سمّيته فيه جانب رومانسيّ مع الأحداث التي حصلت بين مكوّنات التحالف الكرديّ - الشيعيّ، والتي وصلت إلى حدّ التهديد؟
الجعفري: في البداية حاولوا أن يُضفوا عليها طابعاً سُنياً - شيعياً، وبعدها انجلت الغبرة، واتضح أنَّ القضية ليست قضية سُنية - شيعية، فما حصل في الأنبار أحداث سُنية - سُنية، وما حصل في كربلاء أحداث شيعية - شيعية، وما حصل في كردستان أحداث كردية - كردية.
أقول: عندما تغيب الثقافة الصحيحة والبنية القيمية التحتية يحصل التناكد والاحتراب.
- ألا تهدّد الحشود العسكرية، والتهديد باستخدام السلاح وحدة هذا التحالف؟
الجعفري: أنا لستُ مع هذا التأزيم، والتحشيد الذي كان بثلاثة ألوية على منطقة القاهرة على الحدود السورية - العراقية كنت معها؛ لأنَّ طبول الخطر بدأت تُقرَع على الحدود.
أنا مع تحريك ثلاثة ألوية بشرط أن لا يسبّب أذى للإخوة الكرد، وما كان للقائد العامّ للقوات المسلَّحة، وهذا عمله، لكنّ التعاطي مع تصعيد وتيرة التهديد أنا لست معه، ولا أقبلة أبداً.
- هل أنت مع عمليات دجلة؟
الجعفري: ليست المشكلة في عمليات دجلة إنما المشكلة في السياسات، فعمليات البصرة والفرات الأوسط تعمل، والجميع راضون بها.
أنا مع دجلة إذا كانت هناك حسابات استراتيجية عسكرية، لكن يُراد لها بالتفاهم مع الإخوة الكرد.
ولِمَ لا فهو لا يفعل شيئاً شخصياً، ولا يعمل شيئاً طائفياً، ولا عنصرياً.
- إذن أنتم مع عمليات دجلة بشرط التفاهم مع الكرد؟
الجعفري: أنا معها إذا كان هناك دواع ٍميدانية.
- نحن في لحظة حاسمة، يجب أن نشخّص الصواب من الخطأ. أعني ليس من المعقول أن نتحدث عمّا حدث لأناس أرادت أن تتقاتل، ونقول: إنَّ الطرفين في موقفهما الصائب؟
الجعفري: القتال عندي خط أحمر، وهدر قطرة دم عراقيّ خط أحمر، وحصار أيّ منطقة خط أحمر، وتجاوز الدستور خط أحمر، والتناكد والتناقص المتبادَل في الإعلام وما شاكل ذلك خط أحمر، واستهلاك القوى الوطنية العراقية بأيّ شيء خلاف التنمية التي ينتظرها الشعب العراقيّ، وعلى حساب الخدمات، وتحسين الوضع المعاشيّ، والإعمار، والبناء، واستتباب الأمن كلّها خطوط حمر.
أما هم فلا يحفظونها، ويعبرونها، ويختلفون على فلان قضية، وفلان قائد عسكريّ، ووزير دفاع ومرشَّح فهذه ليست مشكلة.
- إذن هي كانت خطوة تصعيدية من جانب الحكومة، وكان من الأفضل لو تمّ تجنُّبها؟
الجعفري: كان من الممكن أن يكون التفاهم عليها.
أيّ إجراء عسكريّ في هذا الجوّ يثير الاستفزاز، ويمكن بالتفاهم التوصُّل إلى قناعة مشتركة.
- هل أنت لست مع رئيس عراقيّ كرديّ؟
الجعفري: كنت أطمح -مادام رئيس الجمهورية بالتوافق- عام 2005 عندما تصدّيت لموقع رئاسة الوزراء، مع أن يتصدّى لرئاسة الجمهورية شخصية عربية سُنية ليس من موقع التمايز الطائفيّ، أو القوميّ ضدّ الإخوة الكرد بل العكس، وهم يأخذون منصب رئاسة البرلمان؛ لأنَّ 22 أو 23 دولة عربية باستثناء لبنان رئيس الجمهورية فيها ماروني كلّ الدول العربية رؤساؤها سُنة، والعالم الإسلاميّ باستثناء إيران رؤساؤه دوله هم من الإخوة السُنة وهم غالبية ديمغرافية سكانية، وهذا ليس عيباً علينا، وإلا لماذا يُسمَّون السنة أبناء العامة، ونحن أبناء الخاصة لأنّ العامة من العموم، وليس من العوامّ. أبناء العامة يعني الذين هم عامة، ونحن نسبتنا أقلّ، ومع بداية سقوط النظام دعونا نبعث رسالة بأننا نحفظ مكانة إخواننا السُنة، ولا نثير علينا العالم العربيَّ والإسلاميَّ، ولا نثير عموم الشباب العراقيَّ في الداخل من الإخوة السنة العرب، ونقدّمهم على طبق من ذهب لـ(أبو مصعب الزرقاوي) وغيره..
هذه هي نظريتي.
الآن مضى عليها عشر سنوات، وأنا أقول المخاوف العالقة حول الفدرالية والتمسُّك بها، وحقّ تقرير المصير، والانفصال كانت في أجواء غير مُعترَف للكرديّ بأبسط حقوقه المدنية، والآن هذه المخاوف غير مبرَّرة.
- التطوُّرات المتلاحقة في سورية.. إذا ما سقط النظام في سورية تتغير المعادلة السياسية في العراق؟
الجعفري: أقلمة القضية العراقية مرفوض في كلِّ الاعتبارات.. نحن نتمنى للشعب السوريّ أن يحقـِّق طموحاته، ويتجنّب المآسي التي مرّت بها بقية الشعوب مثل ما كانت تمرّ علينا في العراق.. من دون أن نتدخّل نحن، أو نسمح بالتدخّل في الآخرين.
هذا شيء متروك للشعب السوريّ.
التجربة الديمقراطية، والانتخابات، وسلسلة الدورات التي مرّت يجب أن لا نهدّدها بالتدخُّل الإقليميّ، إنما ينبغي أن تشعّ، ونحن نريد أن نصدِّر التجربة.
هل يوجد برلمان أوروبيّ فيه 82 امرأة، وهل توجد حكومة عربية فيها سبع وزيرات مثل ما كانت في الحكومة الانتقالية عام 2005، يوجد تعدُّد في داخل البرلمان العراقيّ. هل يوجد مثله في بقية الدول؟!
ليستفيدوا من تجاربنا.. نتمنى -بثقة- أن نصدِّر حمولة التجربة إلى الدول التي بدأت عدّادها من الصفر (دول الربيع العربية)، وكيف استطعنا أن ننزع فتيل التعدُّدية الثنائية من تعدُّدية متقاتلة إلى تعدُّدية متآخية.
- هل تعتقد أنَّ التجربة العراقية جديرة بأن يُقتدى بها، وهل الموضوع السوريّ لا يُثير قلقك؟
الجعفري: الموضوع السوريّ يُثير قلقي؛ لأنَّ هناك تداخلاً في الوضع الإقليميِّ، وأنا أميّز بين التداخل والتدخّل.
لا أسمح بالتدخّل لكن قد لا أستطيع أن أمنع التداخل في الوضع الإقليميّ، مثلاً: بعض الدول عندها موقف معيّن من المرأة، لكن عندما دخلت المرأة العراقية عبر الدورات التي مضت فعّلت الوعي المجتمعيّ لتلك المجتمعات.. هذا تداخل وليس تدخلاً، ونحن لن نذهب، ونحرّك عليهم مجتمعاتهم.
هذا تداخل في الثقافة، ويستتبعه تداخل في الموقف السياسيّ، أما التدخل فهو أن أبحث عن طابور خامس، وأعطيه أموالاً، أو أهدّده.
نحن ضدّ التدخُّل الإقليميّ، أما التداخل فلا أستطيع منعه؛ لأنه تنافذ مجتمعيّ بين المجتمعات المتشابهة.
هل تستطيع الآن أن تمنع أثر التجربة العراقية على الربيع العربيّ؟
مستحيل، لأنّ العراق في كلِّ دورة يأتي بباقة جديدة من أعضاء البرلمان وأعضاء مجالس المحافظات ينتقدون، ويتكلمون، ويحوّلون إلى النزاهة.. هذا خلق وعياً مجتمعياً لدى هذه الدول، يدفعها إلى تماثل التجربة.
- إذا جاءت حكومة في سورية يقودها الإخوان المسلمون مثلاً فماذا تكون تداعياتها على العراق؟
الجعفري: بالدرجة الأساس لا ينبغي أن يتدخلوا في شأننا (العراق)، كما لا ينبغي لنا أن نتدخّل في شؤونهم.
- هل يقلّل من الاحتقان الطائفيّ، أم يزيد؟
الجعفري: يعتمد على المتلقي الوسطيّ في العراق. الوسط الذي يتأثر، كيف يتلقى هذا، فقد يتأثر، وقد يكون هذا التداخل سلبيّاً؛ بهذا الشكل نفعل، ونترك.
- هل تعني سُنة العراق؟
الجعفري: إذا فسّرنا أنّ الإخوان المسلمين تعمل فقط في أوساط السُنة فقد يكون المتلقي يشتبه بين ما هو ليس بهذا الشكل. أنت هنا تأخذ حقك وحريتك، والطريق مفتوح أمامك، وتوجد انتخابات، أنا لا أخيّر نفسي بين أن أقف مع، أو أقف ضدّ نيابة عن الشعب السوريّ.
الشعب السوريّ مختلف، ومادام مختلفاً فأنا معه، لكن أتمنى أن تتوحّد كلمته، ويقرّر مصيره، وهذا هو سبيل الديمقراطية الصحيح، وسبيل الدستور الصحيح؛ لذا طالبنا أكثر من مرّة بأن تكون هناك تعديلات دستورية، وأن يسمح بالتعدّدية الحزبية، ويُطلق سراح بعض المعتقلين، وغيرها..
إذا أراد الشعب السوريّ أن ينتخب -وهي قضية تخصّه- توجد عوامل تستحقّ القلق، وهو قلق مشروع، وهي أولاً: تدخُّل الحالة الإرهابية بشكل مفاجئ: (إرهاب، وأسلحة ثقيلة)، نعم.. أنا لست مع توجيه أسلحة الحكومة ضدّ الشعب، ولستُ مع تسليح الشعب أو تسليح مجاميع -بتعبير أدقّ- بهذه الطريقة هذه ثانياً، والشيء الثالث: الخطاب الطافي هو خطاب طائفيّ، وشعارات شقّت طريقها إلى الإعلام وأنا أعلم أنَّ إخواننا السُنة براء من هذه..
هذه ثقافة يجب أن نقف منها موقفاً مُضادّاً، ولا يجرّونا -لا سمح الله- إلى كره الإخوة السنة، إنما إلى كره الطائفية سنية ًكانت أم شيعية..
القلق الثالث: هو التدخُّل الإقليميّ - الدوليّ، الوضع في سورية تأقلم، بل تدوّل.
رابعاً أنا خائف حتى على سورية فهم كشعب تربطني به حقائق، وجغرافية، ودين أخاف عليه من الأقلمة، وأخاف عليه البلقنة، وأخاف عليه من اللبننة.
أنا أناقش الحكم لا الحاكم فهو اليوم موجود وغداً يذهب، أنا أناقش الآن مستقبل المنطقة استراتيجياً، ويجب أن تستقرّ.
قلقنا مشروع؛ لأننا نرفض النعرة الطائفية من الجميع على الجميع.
http://www.al-jaffaary.net/index.php?aa=news&id22=1259
التعليقات (0)