منذ الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس في يونيو 2007 والكل ينتظر ما يسمى بالمصالحة الفلسطينية, واليوم بعد أكثر من عامين على ذلك الحسم العسكري يتوقع البعض أن تكون المصالحة قريبا , وهذه رغبة وأمنية الكثيرين وكلما تأجلت المصالحة وتعطلت أصاب البعض من عوام الناس الذين لا يدركون حقيقة الخلاف الحزن واليأس , وكأن هذه المصالحة شيء يسير , وكأنه لم تكن هناك دماء سالت واقتتال دام عاما ونصف سقط فيه العشرات من رجالات المقاومة , وهؤلاء من حقهم علينا أن نوضح لهم حقيقة الخلاف وكيف انه من الصعب تحقيق هذه المصالحة وأنه لكي تقبل حركات المقاومة بالمصالحة فلابد أن تقر وثيقة المصالحة إقرارا واضحا لا يقبل الشك ولا التأويل ولا التفسير المغلوط بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
أما دعاة الفتنة من أذناب المحتل ومنافقو السلطان في كل مكان فإنهم يرمون دائما حركات المقاومة بأنهم السبب في هذا التأجيل ويروجون ذلك للعامة لتأليبها على المقاومة وحركاتها ويبرزوا رؤوس الخيانة على أنهم هم الأبطال وهؤلاء إنما يخدعون أنفسهم وهم يظنون أنهم يخدعون الناس لأن الذين يدافعون عنهم من قادة التنسيق الأمني مع العدو يعترفون بألسنتهم يوما بعد يوم بجرائمهم والعامة يوما ما ستعرف حقيقة هؤلاء.
إن الوقائع والأحداث على الأرض تؤكد لنا أن هذه المصالحة شبه مستحيلة , لأن هذه المصالحة ليست كما يرى البعض أنها مصالحة بين فريقين متنازعين على سلطة لا وجود لها أصلا , أو كما يصور الإعلام إنها منازعة على رئاسة حكومة أو ما شابه ذلك , ولكن حقيقة الأمر أن الخلاف خلافا منهجيا بالدرجة الأولى , وهذا الخلاف أكبر من أن تحتويه بضع ورقات تسمى بنود المصالحة لأن كلا الفريقين كأنهما رأسي خط مستقيم يبتعدان دائما عن بعضهما ومهما حاولت الاقتراب من أحدهما ابتعدت بالضرورة عن الفريق الآخر.
إن هذه المصالحة التي يتحدث عنها الجميع تعنى بها أطراف أربعة وهم الطرف الأول الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية ومن ينتهج نهجهما , الطرف الثاني حركة فتح , الطرف الثالث حركة المقاومة الإسلامية حماس , الطرف الرابع فصائل المقاومة الأخرى وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي , وكل طرف من هذه الأطراف يريد أن يخرج بفائدة بل بكل ما يستطيع تحقيقه من هذه المصالحة المزعومة.
فالطرف الأول أي الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية يريدان أن تشمل هذه المصالحة الاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح المقاومة والاعتراف باتفاقيات منظمة التحرير الفلسطينية (سابقا ولكن اليوم هي منظمة التفريط) ولهذا كانت الإدارة الأمريكية السابقة تضع فيتو على هذه المصالحة إلا إذا قبلت حماس بشروط ما يسمى الرباعية الدولية وهى الشروط السابق ذكرها , لكن الإدارة الجديدة تستخدم سلاحا خادعا فهي تفرض ما تريده ولكن بدون استخدام لغة القوة لذا فهي سمحت للسلطة الفلسطينية بالمضي قدما في مفاوضات هذه المصالحة ولكنها تضمن أن السلطة لن توقع على أي اتفاق دون عرضه على الإدارة الأمريكية.
أما الطرف الثاني أي حركة فتح فإنها تريد من وراء تلك المصالحة أن تضمن كامل سيطرتها على أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية وخاصة الأجهزة الأمنية , فهي لن تقبل بأن تشاركها حماس فى إدارة شؤون السلطة , لأن وجود حماس سيمنع وجود فساد مالي وإداري ولأن حركة فتح وقيادتها أدمنتا الفساد بكافة أنواعه فهي ستعمل على إخراج حماس من كل شيء يخص السلطة , كما أن قيام أجهزة الأمن بالتنسيق الأمني مع العدو يعود على السلطة بملايين الدولارات الأمريكية ووجود حماس سيمنع التنسيق مع العدو وبالتالي سوف ستوقف تدفق هذه الملايين من الدولارات إلى قيادة فتح.
أما الطرفين الثالث والرابع فهما يشتركان في بعض الأهداف وهى التأكيد على الثوابت والحقوق الشرعية التاريخية للشعب الفلسطيني بدءا من مشروعية المقاومة الفلسطينية مرورا بحق العودة إلى التحرير الكامل للأرض الفلسطينية المباركة دون التنازل عن أي شبر فيها , كما يهدفون إلى وقف التنسيق الأمني وأي تعاون مع دولة الكيان الصهيوني من شأنه الإضرار بالشعب الفلسطيني والنيل من حقوقه ومصالحه.
كما تزيد حركة المقاومة الإسلامية على النقاط السابقة التوافق على قانون انتخابي مناسب وكذلك على كيفية وموعد إجراء كلا الانتخابات التشريعية والرئاسية , وكذلك كيفية إدارة شؤون السلطة وعمل الأجهزة الأمنية وكيفية اختيار عناصرها.
إن المعنيون بهذه المصالحة وهم الأطراف الأربعة السابق ذكرهم ينقسمون أيضا من حيث تحالفاتهم وتقارب أهدافهم إلى فريقين رئيسين وهما فريق حركة فتح وهو الفريق الذي لا يمكن أن يتحرك إلا بموافقة صريحة من الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية , والفريق الآخر وهو فريق المقاومة والجهاد وعلى رأسه حركة حماس الذي لا يأتمر بأمر أحد ولا يعمل إلا من أجل المصلحة الفلسطينية.
إن أي وسيط بين هذه الأطراف الأربع مهما كانت براعته لا يمكنه التوفيق بين أهداف ومتطلبات الأطراف الأربعة السابقة , لأنه إذا وافق طرف على عرض معين فسوف يرفضه طرفين آخرين على الأقل فلو عرضت مصر وقف التنسيق الأمني بين السلطة والكيان الصهيوني فستوافق حماس وقوى المقاومة الأخرى بينما سترفض فتح ومن ورائها الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية وهكذا , وهذا ما يفسر تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة أكثر من مرة وآخرها كان التأجيل من الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم إلى موعد غير محدد.
إن مثل هذه المصالحة لكي تتم فلابد أولا أن تتحقق عدة أمور منها:-
1. أن تتحرر حركة فتح من سلطة محمود عباس ومحمد دحلان ومن معهما من قادة الإجرام والتنسيق الأمني وأن تختار لها قيادة حقيقة صادقة لا تبيع الشعب والوطن بقليل من المال.
2. في حالة تحقيق البند السابق فعلى القيادة الجديدة أن تتخذ قرارها الذي يحقق مصلحة الشعب وأن ترفض أي ضغط من أي طرف كان وأقصد بالأساس الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية.
3. ثم على الوسيط أيا كان هو أن يكون وسيطا نزيها لا تؤثر على نزاهة وساطته علاقته هو بأحد طرفي الخلاف والنزاع , وأن يكون هدفه الحقيقي هو إنهاء الانقسام لا تمكين طرف على طرف آخر.
4. في حالة تحقيق ما سبق , على باقي الفصائل الفلسطينية وأقصد الفصائل التي لها وجود حقيقي ملموس بين الناس لا الفصائل التي لا تسمع عنها إلا بالبيانات أن تحدد موقفها وتقف في وجه كل من يحاول تعطيل المصالحة أو التملص من التزاماته تجاه شعبه ووطنه.
ولكن للأسف فحركة فتح لم تختر لها قيادة وطنية حقيقة , فهذا لم يحدث في المؤتمر العام السادس للحركة ولا أظنه يحدث في المدى القريب لأن هذا التيار قد توغل بشدة داخل صفوف الحركة فباتت الحركة تدين له بالولاء والطاعة وأصبحت القيادات الشريفة قلة لا قيمة لها بل إنهم يشاركون بصمتهم في إضاعة حركة فتح وبقائها أسيرة لدى تيار أوسلو خاصة بعد المؤتمر العام السادس الذي تم اختيار قيادة جديدة وهى القيادة التي وضعت يدها في يد العدو الصهيوني وطالبته بالاستمرار في الحرب على غزة إلى النهاية , وهى نفسها التي طلبت تأجيل المصادقة على تقرير جولدستون.
دون وجود قيادة جديدة لحركة فتح ودون البنود السابقة لن تكون هناك مصالحة بل قد يكون هناك توقيع على ورقة لن يكون لها أية قيمة تذكر , فالمصالحة لو تم التوقيع عليها الآن فهي لن تدوم طويلا بل ستنهار في أقرب فرصة ويجب أن نتذكر إن اتفاق مكة لم يدم طويلا وأعقبه الحسم العسكري في غزة.
كاتب مصري.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
التعليقات (0)