مواضيع اليوم

رأي الشيخ .. هل أصبح حكما شرعيا وفتوى دينية ذات طابع مقدس ؟

تركي الأكلبي

2011-05-09 06:39:24

0

 

 

لعوامل اجتماعية واقتصادية نشأت حاجة المجتمع السعودي للفتوى و"الاستفتاء" لتصبح إحدى أهم المكونات الثقافية ، وبطبيعة الحال كان "الشيخ" أو الفقيه أو رجل الدين أو عالم الدين يحتل مركزا ومكانة اجتماعية بارزة في المجتمع . ولكن علاقة أفراد المجتمع بالشيخ لم تكن أكثر من الاحترام والتوقير والتقدير الاجتماعي ، وكان الشيخ يتجنب الخلط بين آرائه الشخصية وأحكام الدين الشرعية الثابتة ، وبالرغم من محدودية تأثير التعليم على المستويين الكمي والنوعي إلا أن المتلقي ربما كان يدرك هذا التمييز .
وكان الشيخ يعنى بدوره بالتعاطي والتفاعل مع هموم المواطن وحاجاته في إطار تنظيمي هو المؤسسة الدينية والتي كان من أشهر علماءها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الذي استطاع بتواضعه وحبه للناس وتفاعله مع حاجات المواطنين وقضاياهم أن ينزل منزلة رفيعة من نفوسهم .

ومع التحولات الاجتماعية ، والتغير الديمغرافي والاجتماعي ، وانعكاسات المشروعات التنموية .. الاقتصادية والاجتماعية ، وتطور أنماط "الاستخدام والاستهلاك" للوسائل الحديثة ، وظهور الجديد وغير المألوف في كل المجالات التقنية والتعليمية والاقتصادية والخدمية ، ولأن المجتمع متدينا ومحافظا بطبعه وبعوامل تكونه وتكويناته ظلت تلك العلاقة لفترة على هذا النحو. وكانت الفتوى الدينية المجردة من تأثير الاتجاهات الفكرية حاضرة في الذهن المجتمعي كلما جد جديدُ أو غيّر مألوفا إلا أن تحولا جوهريا حدث لبنائية تلك العلاقة على نحو مما يلي :

الشيخ أو رجل الدين : رجل لا صفة كهنوتية له ولا عقدية تقدسه . ولكنه رجل يحمل في "صدره" ما يكسبه تقديرا متميزا لدى المجتمع من العلم الشرعي ، وهو العلم الذي يحظى بدرجة أولى بموقع مؤثر في حياة الفرد والمجتمع ..
فما الذي حول آراء الشيخ خارج إطار الفتوى الدينية المستندة إلى الأحكام الشرعية القطعية الثابتة إلى فتوى في مقاصد الدين . أو بمعنى آخر :
ما الذي جعل رأي الشيخ أو رجل الدين ليس صوابا لا يحتمل الخطأ فحسب بل فتوى قطعية لا تحتمل النقاش وأمرا مسلم به ؟!
وكيف أصبح أكثر السعوديين مسايرين ومسلمين بقطعية كل ما يقال وكأنه وحي منزل ! وقليل من يبدئ رأيه خشية أن يبدو مخالفا . وفي إطار التفاعل الاجتماعي والحراك الفكري المتنامي والتحولات الاجتماعية والإقليمية المتسارعة يكاد يكون من "المنكر" أن يعترض أحد في مجالس العامة ومواقع منتديات التفاعل الاجتماعي على رأي قال به شيخ ! .. ليس هذا فحسب ، بل أن البعض يشعر بشيء من الرهبة والوجل أن سمع رأيا مخالفا للسائد في الخطاب الديني وكأنه سمع ما يخالف ثوابت الدين .
وهذا بلا شك نوع من الرهاب الاجتماعي !

فهل يمكن أن نجد الإجابة على هذه التساؤلات في قراءة واقع "الصحوة الإسلامية " بطريقة مختلفة ؟
اعتقد أن ذلك ممكنا إذا ما نظرنا إلى التحول النوعي في الخطاب الديني ليصبح شموليا ممنهجا ، ومؤطرا أيديولوجيا ، وداعما للربط العاطفي بشخص "الشيخ" أكثر من العلم في كل المجالات وما ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم ، وساعيا لصهر وتشكيل العقل المتلقي في قالب فكري واحد ، ومركزا جل نشاطه على كره الحياة ..!

لقد كان لظهور الصحوة الإسلامية كامتداد لفكر المؤسسة الدينية الرسمية ، وكتيار فكري جديد تأثر بالحركات الإسلامية السلفية في العالم العربي والإسلامي ، وبالتحولات الدولية والإقليمية على كل الأصعدة ، دورا مهما في إحداث ذلك التحول وبالتالي التغيّر في نمط العلاقة بين المجتمع ورجل الدين .
وقد كان ظاهر خطاب "الصحوة" وحراكها الفكري دعويا بحتا وموجها بكثافة نحو المتلقي العادي الأمر الذي ساهم في بلورة الفكر التكفيري المتطرف ، أو ما يسمى بالسلفية الجهادية ، وخروج بعض المتشددين وتلامذتهم على نهج "الصحوة" ما أدى إلى تراجع قيادات التيار "الصحوي" عن طموحاتهم غير المعلنة وتحول بعض رموزه إلى مفكرين إسلاميين وباحثين اجتماعيين كالشيخ د. سلمان العودة ، وخليجيا الشيخ أحمد الكبيسي ود. طارق السويدان والمفكر الإسلامي د. عبد الله النفيسي .

ولأن المجتمع الذي يرجع أفراده إلى الشيخ في كل أمورهم الدينية بفطرة سليمة كان مهيئا للتفاعل مع الحراك الاجتماعي الجديد فقد زاد التيار الصحوي من تكثيف منهجه التدييني والوعظي والدعوي بطريقة تقول للمتلقي : هذا هو القول الفصل وما خالفني هو الباطل بعينه . وبنبرة صوتية أكثر تشنجا ، ولغة اقرب لغريب اللفظ ، وغلضة في التنفير من نوايا الآخر المختلف وشدة في التحذير منه بل من بعض أوجه الاجتماع البشري ، وبطريقة تعبوية وتجييشة ضد كل مخالف ومختلف ، وبتركيز على تذكية روح الاعتقاد بالمؤامرة والشعور بالعجز .. حتى أصبح المتلقي أكثر تقبلا لكل
ما يقال دون مناقشة أو تمحيص !

ذلك هو ظاهر الخطاب "الصحوي" ، أما طموحاته الأبعد فما تزال أكثرا بُعدا عن الوضوح ، بل أن بعض أنشطة الصحوة (الدعوية) الغريبة ضربت بمزيد من الضبابية على أهدافها لتجعل منها غير واضحة المعالم ويلفها الغموض في جوانب كثيرة ، ومن الأمثلة على ذلك منهج (الدعوة) في مدارس البنين والبنات الابتدائية !!

ولمواجهة خطر احتمال تأثر أفراد المجتمع بالأفكار المخالفة كان لا بد "للصحوة" من التأصيل لمفهوم آخر للمرجعية لتكن للشخص أكثر منها للعلم ، فظهرت مقولات ونصوص ربما كان لها رواجا في العصور القديمة من قبيل "لحوم العلماء مسمومة" ، و"العلماء ورثة الأنبياء " .. وأن كان حديث العلماء ورثة الأنبياء صحيحا كما في الحديث الشريف ، وربما كان المقصود كل من يستفيد البشر من علمه سواء كان علما دينيا بحتا أو في مجال علوم الطبيعة ، إلا أن الاستدلال به على وجه خاص أخذ منحى آخر ينطوي على الإيحاء بقدسية رجل الدين والواعظ حتى لو لم يأتي إلا بآراء شخصية وبفهم خاص لمعطيات دينية تحتمل الاختلاف في الدلالة . مع شيء من التركيز على مفهوم "العلم" على أنه العلم الشرعي والعلماء هم فقط علماء الدين ..

ولقد ساهم في نجاح هذا التأصيل وجود البيئة الاجتماعية المتدينة ، وانفجار تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة ، وانتشار الفضائيات ، وسحب "الصحوة" أي تمييز أو حدود فاصلة بين الفتوى الدينية التي ينبغي أن تكون وفقا لمعايير ثابتة وبين رأي الشخص ومفاهيمه الخاصة ، وبين عالم الدين المتخصص في علوم الشريعة الذي ينبغي أن تسند إليه الفتوى الدينية ، وبين المحدث أو الواعظ الذي يطرح دروسا عامة في الثقافة الإسلامية .
فنتج عن هذا الخلط خلطا ، وعن هذا المزج مزجا بين الآراء الشخصية للمحدث أو الواعظ وفهمه الشخصي الخاص للدين والحياة وبين واجب بيان تعاليم الدين وفقا لدلالة نصوصه الثابتة ، وبمعنى آخر ، بين التفاعل الاجتماعي والمشاركة بالرأي وبين القول الفصل الذي يتطلب شروطا خاصة ..

وفي سياق التصدي لاحتمال فقدان شيخ "الصحوة" مكانة حققت له امتيازات اجتماعية ولم تبعده عن مركز السلطة الدينية الموازية التي تحظى بها المؤسسة الدينية الرسمية اُختلقت في المجتمع قضايا معقدة كالخصوصية الاجتماعية ، ومحاذير أكثر تعقيدا كالعلمانية ، والتغريبية ، والغزو الفكري والثقافي ، وكانت وما تزال "المرأة" و- بكثير من التهويل - حاضرة في هذا السياق باعتبارها العنصر المستهدف في المجتمع لكل هذه المحاذير وصولا لطمس الهوية والعقيدة الإسلامية بينما لن تجد في الواقع من يفكر في المساس بهاتين القيمتين ( المرأة والعقيدة ) فهما أولى الثوابت إلا من شذ ومن شذ لا يمثل القاعدة ولا حكم له .. فنشأت على إثر هذه الاختلاقات "قضية المرأة " لتصبح قضية القضايا ..
وفي الجانب التطبيقي للخطاب "الصحوي" ظهر ما أصطلح عليه "بجماعة المناصحة " بقيادة نُشطاء في الفتوى بالرأي وكانت وزارات العمل ، والتربية والتعليم ، والثقافة والإعلام ، هدفا "للمناصحة" . ولم يكن من الواضح أن كان لحل إشكالية البطالة ، وتطوير المناهج الدراسية ، وحرية التعبير ، نصيبا من هذه "المناصحات" أم أن عمل المرأة ، ومشاركتها مختلف الفعاليات الاجتماعية ، والتضييق على حرية التعبير هي فقط نصب عين محاذير "المناصحة" ؟!

في مثل هذه الثقافة المتأصلة ، والعقلية الاجتماعية التي أصبحت تضفي قداسة من نوع ما على شخص "الشيخ" وليس علمه ، ومع انتشار "الفضائيات" كثر من يجلد الباطل كما يراه بالحق كما يراه هو أيضا ، والغالبية تتلقى دون تمييز أن كان فتوى دينية تستند إلى دلالات صحيحة للنصوص الشرعية الثابتة أو كان رأي شخصي بحت ..
ولعل من أبرز الناشطين في مجال استخدام القنوات الفضائية من المشائخ الشيخ د. محمد العريفي والشيخ د. محمد النجيمي والشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ المنجد وغيرهم من الدعاة الواعظين ..

ولأن التيار الصحوي تيار متسارع النمو بفضل ما تضخ في محيطه آلة التعليم الديني من مخرجات تشكل رقما متواضعا في نسبة البطالة .. لأن الخريج "طالب العلم" أن لم يجد وظيفة رسمية فمن السهل أن يكون واعظا ، وأن يحقق مكاسب جيدة حتى إذا أصبح "شيخا" تنافست "الفضائيات" على استضافته وعلى برامجه الوعظية .

وعلى صعيد آخر ، وبسبب هذا الخطاب التدييني الوعظي المكثف والعقلية المجتمعية التي أصبحت أكثر تقبلا لكل ما فيه من مزج وخلط ليس فقط بين آراء الشخص وتعاليم الدين بل بين الشيخ و"المتشيخ" أصبح للخرافات سوقها "المشيخي" فكل متمظهر بمظهر الشيخ يستطيع حصد المزيد من المكاسب الهائلة جراء إدعائه علاج كافة الأمراض ، وعلاج الجن وإيهام الناس بإيذائها لهم ، فلا يكاد يخلو حي من أحياء المدن والمحافظات من طوابير المراجعين طلبا للعلاج والشفاء على أيدي
"الشيخ المقرئ" !! .. ومنهم من قضى نحبه ضربا بأيدي هؤلاء المعالجين والمقرئين بعد أن جاء به ذويه واهمين وهما مضاعفا فيزيدهم "الشيخ" وهما على وهم فيضرب جسده الواهن ليزيده وهنا على وهن فيموت !!
ليس هذا فحسب بل أن الدين أصبح في حد ذاته تجارة رائجة ، فالمتاجرة بالدين أصبحت تشكل ظاهرة متنامية ، فمن إضفاء طابعا إسلاميا على سلع أو خدمات لا يحرم الإسلام نظائرها الأخرى إلى استغلال تقنيات التواصل الاجتماعي و"مسجات" sms في بيع الأحاديث النبوية الشريفة والأدعية والمواعظ !!

خلاصة القول : من المؤكد أن هذا الوضع الذي استقر عليه الخطاب الديني ، وهذا التقبل السلبي لكل إنتاجه دون تمييز .. من المؤكد أن كلاهما أثّر سلبا على إفادة المجتمع من علم علماء الدين الأجلاء العارفين بحاجات المواطن الحقيقية وما يتطلبه مستقبل الوطن من تنمية حقيقية علمية ومعرفية وإبداعية ..

تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !