في عالم يحكمه القوي و يسود فيه الأغنياء لا مكان لمن يقول الحقيقة الراهنة، حقيقة القهر و القمع الذي لا ينقطع، الذي ينهش لحوم الفقراء و يخدر عقولهم ليحولهم إلى آلات، حيوانات مطيعة
٢٣ آب (أغسطس) ٢٠٠٩بقلم مازن كم الماز
لن يكتب رأفت الغانم قريبا على هلوسات، فهو الآن يصارع من أجل حريته، أما قضية بشر فهي قضية حياة أو موت، تختلف العنوانين لكن تتشابه السجون، و ليس هناك من جديد، فالشرق ، بل هذه الأرض طالما استمعت فقط للقوي، لأوهامه و أكاذيبه، و خصصت السجون لمن يتجرأ على مخالفة تلك الأوهام و على التصريح بالحقيقة، طالما كان من السهل التعريض بأوهام سقطت فعلا لكن كم هو عسير و صعب قول الحقيقة في وجه أوهام الجلادين الفعليين في هذا الشرق، فالأوهام التي تشرع السلطة و الوضع القائمين و قهر الفقراء و استلابهم تستمر بالتصرف كحقيقة مطلقة لبعض الوقت، و ضحية هذه الحقائق المطلقة و هذه السلطات المطلقة هو أمثال رأفت الغانم، إضافة إلى ملايين الفقراء .
لا تعرف شهية الجلاد أي حد، رياض سيف، فداء الحوراني و مشعل التمو و مرة أخرى محمد موسى و آخرين و آخرين، لكن رأفت يختلف في أن أكاذيب حقوق الإنسان السائدة لا تتسع له، لا عربيا و لا حتى عالميا، فعرابي هذه الحقوق السائدة، التي تعني فقط حق الغني في استغلال الضعيف، لا يعرفون عن حقوق البشر الذين يعيشون في الخليج تحت سلطة أمراء و شيوخ النفط، أخلص حلفاء النظام الرأسمالي العالمي، "الحر"، يختلف رأفت في أنه أقرب إلى قول الحقيقة بشكلها الفكري المجرد جزئيا عن السياسة، الأمر الذي يجعل من السهولة بمكان تهميش قضيته و نسيانها وسط الجعجعة السياسيوية السائدة .
أما بشر فهو يختلف من حيث أن حياته، و ربما حتى استشهاده، يستخدمه النظام السوري إعلاميا لقضية لا علاقة لها بتحرير أرض الجولان، و هي القضية التي كرس بشر من أجلها حياته و تحمل في سبيلها أي عذاب ضروري، هذا القهر المضاعف لأسير الفقراء السوريين، الحالمين بالحرية و بغد أفضل، هو الملح الذي يصبه النظام على جروحنا، جولانيين و سوريين، هنا ينتصب من يقول الحقيقة في وجه السلطة الغاشمة، مباشرة في وجه الجلاد، من السهل اليوم انتقاد هتلر و ستالين، و حتى صدام، بل قد يبدو هذا "النقد" ضروريا لنيل حظوة ما عند جلادي العالم و الشرق الجدد، من السهل دائما قول الحقيقة عن الماضي، لكن في عالم يحكمه القوي و يسود فيه الأغنياء لا مكان لمن يقول الحقيقة الراهنة، حقيقة القهر و القمع الذي لا ينقطع، الذي ينهش لحوم الفقراء و يخدر عقولهم ليحولهم إلى آلات، حيوانات مطيعة، لهذا لا يحتمل هذا العالم أمثال رأفت أو بشر، لهذا اخترعت السجون و أجهزة "الأمن" و أقبية الظلام و كل قوانين الطوارئ، هكذا يسود "النظام" هذه الأرض، نظام الأغنياء و السادة، فلا نامت أعين الجبناء.
التعليقات (0)