العرب شعوب تصنعهم العواطف وتشكل الشعارات الزاعقة خطرات وجدانهم . . فى موروث ثقافتهم حتمية وجود شخص البطل المنقذ , ولكى يكون البطل حاميا ولا غنى عن إمكاناته الخارقة فلا بد من وجود عدو , وإن لم يوجد فلا بد من اختراعه , العدو الجاهز هو إسرائيل , ولا مانع من إضافة كل دول الغرب لتدخل فى منظومة الأعداء لتزداد الحاجة اإلى الزعيم الملهم أو القائد الضرورة إلى آخر هذه التسميات الت حفل بها قاموس العرب , , فلو قبل العرب قرار التقسيم الذى أصدرته الأمم المتحدة عام 48 لكان هناك دولة فلسطينية كاملة السيادة على ضعف الأرض التى نطالب بها الآن , ولكن هذا كان سيحرمنا من أن يوجد بيننا الزعيم المنقذ , وقد تمثل هذا الزعيم فى جمال عبد الناصر , ولكى يتم تحرير فلسطين من النهر إلى البحر قامت الوحدة بين مصر وسوريا فى مثل هذا اليوم من عام 58 , وقيل إن إسرائيل أصبحت بين يدى الكماشة وصار يوم تحريرها قريبا بفضل خليفة صلاح الدين . , فى مثل هذا اليوم ألقى عبد الناصر بيان الوحدة أمام مجلس الأمة المصرى فى مظاهرة حماسية مذهلة , وكان بيانا كتبه هيكل الذى يملك ناصية بلاغية عالية , وقد ختم البيان بالعبارات الرنانة الآتية - اليوم قامت فى ربوع الشرق دولة كبرى , دولة تحمى ولا تهدد ,تصون ولا تبدد , تقوى ولا تضعف ,تسالم ولا تفرط , ترد كيد العدو , تشد أزر الصديق , تحقق الرخاء لها ولمن حولها وللبشر جميعا بقدر ما تتحمل وتطيق . صدقونى إننى أكتب هذا الكلام من الذاكرة حيث لم يمح منها تأثرا ببلاغته الهيكلية . نعم لقد عشنا عصرا على بلاغة الكلمات . الآن ماذا يحدث ؟ لا توجد دولة كبرى , ولا دولة وحدة , يوجد فى مصر ثورة لم تصل إلى أهدافها , وقد أسلمها خلفاء عبد الناصر من العسكر إلى التيار الدينى الذى يريد أخذها خارج العصر أما فى سوريا فإن بشار سليل البعث الذى صدع رؤوسنا بأحاديث الوحد ة , يقيم عرسا للدم فى سوريا فى مجزرة لا أعرف كيف يواجه الضمير العالمى نفسه وهو يشاهده كل يوم ولا يحرك ساكنا , . ويل لأمة تعيش على الشعارات والهتافات والخطب البليغة !
التعليقات (0)