هناك أشياء قد يندم عليها الإنسان طوال حياته ، فلم أكن أتخيل أن يكون المهندس المحترم المرحوم ذو الهمة الشرقاوى نائب رئيس هيئة السكة الحديد الأسبق من ضمن تنظيم الضباط الأحرار القطاع المدنى ، فكثيراً كثيراً ما زار الحاج ذو الهمة والدى بمنزلنا ، ولأننى أميل إلى العزلة بعض الشىء فكنت أتمنى فقط أن أفاتحه فى موضوع سمعته من والدتى حيث قالت لى كثيراً (( عبد الناصر كان ساكن جنب عمك الحج ذو الهمة فى الإسكندرية وكانوا أصحاب وبعدين دخل السجن أيام عبد الناصر فراحت والدته لعبدالناصر وكان يعرفها فقال لها أول ما حتوصلى البيت حتلقيه هناك وطلعه من السجن )) وقال والدى (( عمك الحج ذو الهمة كان من الإخوان المسلمين )) ولكن لا أدرى حتى الآن مدى صدقية هذا الكلام ، وفى الشهر الماضى كان شقيقه الحاج ناصر الدولة الشرقاوى يزور والدى فتجرأت وسألته عن حكاية إخراج عبد الناصر للحاج ذو الهمة من السجن رغم إنه - كما سمعت - من الإخوان المسلمين فقال لى عمك ذو الهمة كان يكلفه عبد الناصر بأشياء أيام وجود الإنجليز فى القناة و كان يتولى بعض العمليات بمنطقة القناة وكان الرئيس عبد الناصر يريد تعيينه وزيراً معه أكثر من مرة ولم يوافق عمك ذو الهمة ، وقال أن الوزير سامى شرف ألمح وذكر إسم الحاج ذى الهمة فى مذكراته ، وبعدها بحثت عما قاله الوزير سامى شرف عن المهندس ذو الهمة الشرقاوى فوجدته يقول عنه وفى أول مهمة يكلفه بها الزعيم عبد الناصر قائلاً له (( ودلوقت عليك ببحث موضوعين، الأول خاص بالسكة الحديد، والثاني خاص بالارشيف الخاص بمصطفى أمين في “اخبار اليوم”. واستطرد قائلا: “أما موضوع السكة الحديد فهو باختصار يتعلق بالدراسات عن الوسائل الجديدة لتشغيل القطارات بالديزل بدلا من الفحم، فهناك اختلافات كبيرة بين وزير المواصلات محمود ابو زيد الذي يقول ان المشروع سيكلف الدولة حوالي سبعين الف جنيه كان بمقاييس وقتها مبلغا كبيرا والفنيين في السكة الحديد، كما ان هناك أساتذة في الجامعات وخبراء السكة الحديد الذين لهم آراء مختلفة حول هذه القضية، والمطلوب عمل حصر وبحث لكل الموضوع واستطلاع آراء الفنيين، كما يمكنك طبعا ان تستعين بأي عناصر سواء من المرفق أو من خارجه للوصول الى نتائج تساعدنا على اتخاذ القرار السليم”. وأضاف: “يمكنك ان تستعين من السكة الجديد بالمهندس ذو الهمة الشرقاوي والمهندس حامد معيط ومن يرشحونه لك.. وبهذه المناسبة فقد كانا من ضمن تنظيم الضباط الاحرار “القطاع المدني”، والذي كان يضم على وجه التحديد كلاً من صلاح الدسوقي (ضابط الشرطة والسفير فيما بعد)، وشوقي عزيز وحسن النشار، ومحمد مراد غالب، واحمد فؤاد. وأضاف جمال عبدالناصر: “يمكن ان تتصل ايضا بدكتور مهندس شاب في كلية الهندسة في جامعة القاهرة عائد قريبا من امريكا اسمه مصطفى خليل، عامل دراسة يمكنك الاطلاع عليها أو الاجتماع معه للاستفادة منه ومن آرائه. )) . فرغم مكانة المهندس ذو الهمة الشرقاوى والتى كنت أعلمها بالتأكيد فقد كان شديد التواضع ، ورغم كبر سنه كان لا يترك مأتماً فى قريته إلا ويحضر من القاهرة ليعزى ، كنت أسمع مآثره فى الشرف والحفاظ على المال العام ولا أتعجب ، فكان شقيقه الحاج ناصر الدولة بنفس الإحترام فكان يتولى شركة النصر وهى من أكبر شركات القطاع العام ولها فروع فى معظم البلاد العربية والإفريقية ومع هذا لم تمتد يده لحرام وكشف عن جرائم لكبار متعاملين مع الشركة وقرأت عن تلك الوقائع فى مجلة روزاليوسف فى نهايات التسعينات فعبرت لوالدى عن خوفى على الحاج ناصر فقال لا تخاف (( دول ناس محترمين شبعوا على طبلية أبوهم )) وسمعت بعدها أنه قد عُرِضت عليه الرشاوى بالملايين ليصمت فأبلغ عنها بكل شرف ووقع تحت التهديد وخطف إبنه ووضعته الشرطة تحت أعينها لتحرسه وأبنائه لتحميه من تهديدات اللصوص الكبار .
كم كنت أتمنى أن أسأله بعضاً من الأسئلة الخاصة بتنظيم الضباط الأحرار ومن يعرف منهم وهل إنضم عبد الناصر للإخوان المسلمين أو لا بالتأكيد كانت ستكون عنده إجابات ربما أكثر حيادية وصدقية مما قيلت لأنه صديق لعبد الناصر وجار له فى الإسكندرية ، فكانا الإثنان أبناء لموظفين قادمين من أرياف الصعيد ومن أرياف الشرقية حديثاً للإسكندرية تعلما وعاشا معاً فترة زمنية .
التعليقات (0)