كانوا يعتقدون قديما بأن الطفل رجل صغير وعالمه وحاجاته وتفكيره لا يختلف عن الراشد , ولكن (روسو) نبّه إلى الفروق القائمة بين الطفل و الراشد , و(بياجيه)علامة علم النفس في العصر الحديث - تعمق في ذهنية الطفل وأنويته , أما القصد من الأنوية (إن النوية هي حالة ذهنية تمتاز بعدم القدرة على التكييز أو التفريق بين الخيال والواقع , بين الذات والموضوع , بين الأنا والآخر أو بين الأنا والأشياء القائمة في العالم الخارجي .
بما أن الطفل في مداركه العامة , قاصر , فأن النوية تظهر في كل نشاطاته ولغته وإدراكه وكلامه وعالمه الخارجي , وهو في هذه الحالة يشبه الرجل الذي يعيش في منطقة جبلية منذ ولته ولم يذهب خارج هذه الحدود , فتصوره خاطئ , وهو يقيّم الأشياء والأشخاص بالنسبة لمفاهيمه الشخصية , وكذلك الحال بالنسبة إلى ذهنية الأطفال , تصور الطفل حتى السنة السابعة يبقى غامضا ومغلقا , والطفل يمتنح لجميع الأشياء الجامدة شعورا وحياة ويتكلم معها , بعد السادسة وحتى التاسعة تقريبا يعطي الشعور للأشياء المتحركة مثل الشمس والدراجة وبعد التاسعة تقريبا حتى العاشرة يعطي الشعور والحياة للأشياء المتحركة ذاتيا مثل النهر والساقية , ومن العاشرة حتى الثانية عشرة , يحدث تطور هام, فالشعور والحياة مرتبطان بالكائنات الحية مثل الإنسان والحيوان , وعلماء النفس يسمون هذه الحالات بالأحيائية .
وهناك إصطلاح آخر عند علماء النفس بأسم (الإصطناعية) يعني أن كل شئ مصنوع من كذا وكذا وبواسطة كذا , يحدد بياجيه تطور هذا المفهوم عند الطفل عبر ثلاث مراحل , في المرحلة الأولى , يربط الطفل مصدر الأشياء إلى إنسان جبّار , قادر أو إله , مثلا إذا سئل الطفل : (كيف تكونت الشمس؟) يجيبنا : ( جاء الله أو الإنسان القوي بالحطب والفحم وأشعلها) , وتستمر هذه المرحلة إلى السابعة .
بعد هذه المرحلة , من السابعة حتى التاسعة , يربط مصدر الأشياء إلى أسباب طبيعية يعني تولد الأشياء من أشياء أخرى , وإذا سئل الطفل يكف تكون القمر يجيبنا : من الشمس , ومن أين جاءت الشمس , من الجبل .
في المرحلة الثالثة وهي بداية العاشرة حتى الثانية عشر , يربط مصدر الأشياء إلى أسباب طبيعية بوضوح أكثر في المفهوم والتفسير , وفي جواب (كيف تكونت الشمس؟) يجيب أصلها هو ملتهب .
أما بالنسبة للمكان والزمان , فالطفل حتى السابعة من العمر , عاجز عن إدراك الماضي والمستقبل ولا يدرك الساعات والدقائق والأشهر والسنة واليوم والغد والبارحة , وتفكيره يبقى نغلقا وغامضا حتى السادسة أو السابعة , يركز الطفل محادثته على موضوع معين , يذكر بياجيه إن 47% من أحاديث الأطفال بين الخامسة والسابعة كانت مغلقة بالأنوية , وهذه النسبة تصل إلى 605 عند الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة , والتفكير عند الأطفال مرتبط بالذاتية , وهم بعيدون عن المشاركة الإجتماعية , وهم لا يستطيعون درك العلاقة بين العنصرين أو الناصر والتعليل المنطقي للأشياء ويقال له (التفكير اللامنطقي) , والتعليل المنطقي يتوقف على السن وكلما تقدمت السن يستطيع الطفل الكشف عن الدلائل والتعليل المطقي , وفي السابعة أو الثامنة من العمر , يبدأ التفكير المنطقي والتفاعل الإجتماعي , وعلى المربيي أ،ن ينظر إلى مسائل الطفل من وجهة نظره لا من وجهة نظر الراشد
التعليقات (0)