ذهب مجنون ليبيا ... فمن التالي؟
بدخول قوات الثورة الليبية العاصمة طرابلس وتمكنهم من مجمع باب العزيزية ، وتخريب خيمة القذافي التي كان يحاكي بها خيمة النعمان بن المنذر ؛ فقد بدأت صفحة من تاريخ ليبيا تنطوي وتطوي معها وإلى الأبد حكم "مجنون ليبيا" الذي إستمر 41 سنة ، مارس فيه صاحبنا العجائب من تصرفات هوجاء وسياسات حمقاء . وتدخلات غير مبررة في كل كبيرة وصغيرة لدى الجار القريب أو البلد البعيد ... تهمّه أو لا تهمّه لا يَهُـم ... أضاع جرائها معظم ثروات ليبيا البترولية. وظل منزوع الثقة حتى لدى من يساعدهم بالمال والسلاح لغزو بلادهم وتخريب منجزات شعوبهم لا لشي سوى كي يصبح جزءاً من المشكلة ومفتاحا من مفاتيح الحـل .. فهذا ما كان يرضيه ويشبع غروره وخياله المريض وإعجابه النرجسي بذاته ....
كان غريباً فريداً من نوعه . تحنق عليه تارة وتضحك منه تارة .... يمارس الشيء وضده في آن واحد ... هكذا بكل عفوية وبساطة ومزاجية منقطعة النظير . يمارس تجاهك "عداء الأطفال" فلا تستطيع تحديد لماذا وكيف ناصبك العداء أو متى تنتهي الحالة ؟ ... أما الصداقة معه فهي واهنة كبيت العنكبوت ...
في السودان على سبيل المثال لا الحصر كان يتدخل بمساعدة وإيواء رموز المعارضة السياسية والحركات المتمردة المسلحة منذ إختلافه مع الرئيس جعفر نميري وحتى تاريخه. وخلال عهد عمر البشير الساري كنا نراه يدعم ويساعد المتمردين في كافة المناطق في ذات الوقت الذي كان يستثمر في الخرطوم ويؤكد الدعم والمساندة للحكومة المركزية ....
ويبقى السؤال الذي يحير العقل دائما هو كيف صبر الشعب العربي الليبي طوال هذه السنوات على مثل هكذا مجنون وجنون ممتد شمل الأب والإبناء ؟
ثم كيف إنتفض هذا الشعب وثار على هذا النحو البطولي فجأة دون مقدمات واضحة المعالم اللهم سوى خطوات سبقها بهم شعب تونس ثم مصر؟ ..
ثوار "البرمودا" الشباب يدوسون على قطعة سجاد جدارية لوجه القذافي
بمزاجيته وهوائيته بنى الأسوار حول ليبيا وحال بين شعبها والتمازج الفكري والثقافي مع غيرهم من شعوب وجعل كتابه الأخضر المادة الوحيدة التي ينفق على تدريسها وطباعتها بسخاء رغم أنه كتاب لا يساوي قيمة الحبر الذي طبع به .. وبسببه ولجنونه كان البعض ينعت الشعب الليبي بالجنون ويطلق عليهم وصف الأغنام لكثرة ما يرونه من إستسلامهم له وعدم مبالاتهم ومعارضتهم الواضحة لما يفعله يهم وكأنه نسخة أخرى من ذلك "الأحمق المُطـاع".
فجأة إنتفض الشعب الليبي دقعة واحدة وبطريقة مدهشة أعادت لأذهاننا ذكريات ثورة عمر المختار ضد الإستعمار الإيطالي والبطولات الأسطورية التي قدمها هذا الشعب . وبتنا نشهد مثليها وأكثر من شجاعة وإصرار وتحدي للموت مذهل خلال ثورة بنغازي التي قادت مسيرة التحرير من قبضة المجنون وأبنائه ويعض أقربائه.
إذن من كان يظن أنه بمنجاة من الربيع العربي فهو واهم ويحرث في البحر بكل تأكيد .... على الجميع ممن تبقى من حكام على سدة الحكم أن يعيد ترتيب أوراقه وأولوياته وتوفيق أوضاع نظامه السياسي مع شعبه قبل فوات الأوان. وأن يعمد للتعامل والإنصات بإهتمام والتوجه بجدية لحل مشاكل شعبه الحقيقية في كافة المجالات الغافل والمتغافل عنها على حدٍ سواء.
ساعة باهظة الثمن تحمل صورة القذافي .. سبحان الدائم .. ليتهم اقتنعوا بأن "الساعة" آتية لا ريب فيها
بات من الحماقة والسفه بمكان أن تعتمد الأنظمة الدكتاتورية والشمولية بالمطلق على البطش وعصا الأمن وهراوات شرطة مكافحة الشغب أو حتى دبابات وطائرات الجيش النظامي لتطويع شعبها ..... لو كان هذا الأمر يصلح في هذا الزمان بمستجداته لكان قد أفلح زين العابدين بن علي وحسني مبارك ثم مجنون ليبيا في البقاء على سدة الحكم حتى يأتيهم اليقين ، فيرث الحكم من بعدهم أبنائهم والشعب من حولهم نيامٌ نبامْ ولسان حاله يردد ما باليد حيلة... كان هذا هو المتوقع ... ولكن ضل سعي المتوقعين
غدا تدور الدوائر على كل من ظلم ولا مجال للعودة إلى الوراء والإستمرار في تقديم الحاكم حبيبا للشعب رغم أنف الشعب. ومحاولة تكريسه زوراً وبهتانا كنصف إله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
من المحال أن يبقى الحال على ما هو عليه وقد خرجت الشعوب بصدور مفتوحة وقناعات متجددة ترفض الضحك على دقونها وإستغلالها . تتحدى النار والموت ؛ وحيث بات شرف الإستشهاد أفضل بكثير من ذل الحياة....
هُــبـَـلْ يتدلّى .... الله أعلى وأجلّ
إنها بالقطع ثورات حتى النصر ؛ ومسيرات حتى خط النهاية .... وهي قد تأتي بأشكال متعددة مختلفة عن بعضها بين كل بلد وآخر وحالة وأخرى وظرف ونقيضه ... ؛؛؛ ولن ينجو منها ديكتاتور جاثم على صدر شعبه. أو حاكم طيب القلب يحسن الظن بكل ما يقوله له أنصاف المتعلمين وغلاة المتعجرفين ورأس المنافقين والمنتفعين والسماسرة وتجار الخُردة والباعة المتجولين في حاشيته وبطانته وتوهمه به من حب شعبه "الأبله" له .
على الجميع أن يعترف ويتفاعل وبتعامل بإحترام وجدية منقطعة النظير مع المستجدات والمستحدثات التي فرضتها عصر المعلوماتية ؛ والذي جعل من بائع تونسي متجول . وآخر شاب إسكندراني بسيط ملهمان للثورة التونسية فالمصرية ثم بطول البلاد العربية وعرضها.
إنها مسألة شرارة .. فقط شرارة تنطلق في دياجير ظلام حالة الإستعباد الإستثنائية فتنير الطريق أمام الشعب ؛ وتوقظه من غفلته وغفوته بل وإن كانت بمدد نومة الكهف الطويلة . وبعدها تتحول البلاد إلى نيران وسعير في وجه النظام الحاكم . وتتفتق الصدور العارية لشباب يتحدى الموت ويسخر منه حتى الرمق الأخير أو النصر المؤزر ..... ولن تفلح أعتى وسائل بطش القرن العشرين وإعلام القرن العشرين وما قبله من قرون أو تكون بقادرة على إسكات المعارضة والضحك على عقل الشباب من الشعوب ، وأعادة الحال إلى ما كان عليه.
دورية من " ثـوار البرمودا " الشباب تجوب شوارع طرابلس .... منظر بدأ بتكرر في معظم العواصم العربية ..... إنه ورد الربيع العربي الجديد
لقد مضى عهد ذلك الجيل الموظف البيروقراطي الخنوع البسيط الذي ترضيه اللقمة واللقمتين تقذفان في حلقه وتدخلان جوفه فتسكته إلى حين.
لقد فعل عصر المعلوماتية فعلته في عقل وأفئدة شباب الأمة العربية .. وها نحن بمواجهة أجيال جديدة لن ترضى الضيم والظلم والتهميش وسرقة ثرواتها والسكوت على إستعادة أراضيها المحتلة ، والإكتفاء بالإنكفاء على النفس كالتيوس والمعيز ؛ والتراص في خنوع كالخراف والنعاج في سجون زعماء ألـ 99.9% المفتوحة. والإرتعاش على وقع أصوات الأنين ولسع الكرابيج قبيل الرقص تحت وحول منابر إطلاق قصائد المدح التي يديجها المنافقون الذين إمتلأت بهم الساحات العربية الحكومية والخاصة وحتى مجالس الشعب فمجالس البلديات ترجو فتات الموائد على قفا الظلم الذي يعانيه شعبها ولسان حالها يردد "منافق شبعان خير من شريف جوعان".
التعليقات (0)