ذكريات وخواطر رمضانية طريفة
بقلم الكاتب الساخر رضا التونسي
كل سنة لما يحل شهر رمضان المبارك
ببهجته وبركات الله التي تتبعه ، إلا
وأتذكر بعض ذكريات الطفولة وما بعدها ،
فلما كنت طفلا صغيرا لم أبلغ الحلم بعد
، كنا كل يوم راحة أسبوعية نحل ضيوفا ،
عائلتنا وعائلة خالي وخالتي في منزل
جدي للأم الفسيح والمحاط بحقل كله
أشجار مثمرة ، كنا نلهو ونلعب ،
ونعمل
جو قبل حلول موعد الإفطار ،
إذ كان
الكبار يأمرونا بالصعود للسطح لانتظار
اشتعال الضوء فوق منارة المسجد القريب
إيذانا بحلول وقت الإفطار ،
ولو إنه في
نفس الوقت تسمع طلقة مدفع رمضان كالرعد
، لكن أحيانا تأتي الطلقة ضعيفة ههه ،
لذا نعلمهم بأن ـ الثريّا شعلت ــ
ونستمر نحن في اللعب واللهو خاصة لعبة
الغميضة ، إلى أن يحل الظلام عندها ندخل
للمنزل نغسل أطرافنا ونتناول عشاءنا ،
كم كنا نلهو بلعبة ـ الزربوط ــ أي
الخذروف الخشبي ذي الشوكة المذببة الذي
نديره بقوة بواسطة خيط خاص ،
وكم كنا
نقوم بإطلاق صواريخ ، إذ نتدبّر بعض
حصيات ـ الكربيل ـ وهي حصيات بحجم
سنتمترين لونها رمادي يستعملها الناس
وقتها من الذين ليس لهم تيار كهربائي
للإنارة لذا يستعملونه ــ كوقود صلب
ــ لتشغيل الكربيلة وهي مصباح إنارة ،
إذن كنا نحفر حفرة صغيرة في التراب نضع
فيها بعض تلك الحصيلت النارية ،
ونغطيها بعلبة طماطم فارغة ،
ثم نشعل
تحتها عود وقيد ، فسرعان ما يحدث دوي
وتنطلق علبة الطماطم تشق عنان السماء
في ارتفاع ٥٠ مترا كالصاروخ ، ثم تسقط ،
وهكذا نبقى في تلك اللعبة حتى ينفذ
الوقود الصلب ـ ههه ،
ما أحلاها من أيام
، وقد كنا نتسامر بعيدا عن آذان
الوالدين ، فتدور نقاشات فيقول ابن
خالي ، بالأمس ضبطت أمي فاطرة ،
فتعجّبت وسألتها مالك أفطرت في رمضان ،
فقالت لي مبتسمة ، لقد نسيت ، إني غلطت
، والغريب أنها تمضي أياما أخرى مفطرة
كخههه ، فيقول ابن خالتي أنا أيضا لاحظت
ذلك في الأسبوع الماضي إذ أمي قبل
الآذان بعشر دقائق أفطرت ،
إذ قالت نسيت
فذقت الطعام ،، لذا يجب علي إرجاع
اليوم بعد رمضان ، فيقول ، قلت لها ، لا
عليك يمكن لك من الغد ، أن تضيفي العشر
دقائق الضائعة اليوم وياناس ماكان باس
فتبتسم ، فيقول الآخر ،
حقيقة شيء عجيب
هذا سيما إن آباءنا لم يفطروا ولو يوما
واحدا ، لا بد إنهم ـ أكمل دين وعقل ـــ
مضافة هذه الآن كخههه ــ حتى فهمنا السر
شيئا فشيئا ، فقلنا ،
توّا فهمناكم ،،،
كنا نتبلطج على معلم العربية ونحن في
السنة الرابعة ابتدائي ، إذ في رمضان
يكون هناك شبه هدنة وتفتّح من المعلم ،
لذا يعمل لنا درسا عن الصيام وعن رمضان
وعن موجباته ونواقضه ،
فيقول ، يجب
الصيام على البالغين ، وذلك يعرف من
علامة في البدن تسمى علامة البلوغ ، وهي
بروز شعر تحت الإبط ،
فيقوم له تلميذ ـ
من ثوار ـالقسم ، نعم ياسيدي مازال ،
وماذا أيضا ؟ فيبتسم المعلم رادا هناك
أيضا الصوت إذ يخشوشن ،
فيرد عليه أحدهم
، وهذا بالنسبة للشاب ، والفتاة أيضا
صوتها يخشوشن ؟ هناك يغضب المعلّم ،
ويقول للتلميذ ، هيا إقرأ سورة قل يا
أيها الكافرون ،
أو غيرها والويل له إن
تلعثم ، وقتها يصب عليه المعلم
دكتاتوريته ، فيصمت الجميع ههه ، ثم
كبرنا وانتقلنا للتعليم الثانوي حيث لا
عقاب بالعصا ، كنا وقتها قد أصبحنا
شبانا يافعين نصوم رمضان ،
وكان وقت
الدخول للمعهد هو نفسه أي من الساعة
الثامنة صباحا إلى السادسة مساء ، حيث
كان موعد الإفطار ونحن في القسم ، كان
ذلك زمن بورقيبة لم يراع تقديم ساعة أو
ساعتين كما وقع إقراره بعده ،
لذا كنا
نفطر في القسم على الساعة الخامسة
والنصف ، على تمرتين وكأس ماء ، هناك
تلميذان يطلبان من الأستاذ بعد الإفطار
السماح لهما بالخروج للتواليت ،
لتطيير الماء ، وافق الأستاذ في اليوم
الأول لكنه في اليوم الثاني رفض قائلا
لهما ، كيف يعقل ، تشربان الماء الآن ،
ثم بعد دقيقة تطلبان الخروج للتواليت
،، هل الأمر كقارورة مثقوبة ؟ فقام أحد
ـ البايوعة ــ من التلاميذ يضحك ، فأصر
الأستاذ على معرفة سبب ضحكه فاضطر لبيع
زميليه بعد تردّد ، قائلا ، إنهما
يدخّنان يا سيدي ،
وما يطلبان الخروج
للتواليت إلا لتدخين سيقارة ،، كخههه ،
هناك في الثانوي ــ ننتقم ــ من أستاذ
التربية الإسلامية وهو عادة تجده ـ نصف
ــ شيخ وعطوف لا يخبّش لا يدبّش ، لذلك
تلقى عليه أسئلة رمضانية من نوع ،
أنا
يا سيدي بالأمس نسيت فشربت نصف كأس ماء
، فيجيبه ، لا عليك ،
أتم صيام يومك ولا
يستوجب عليك القضاء ، لقد طعمك الله
وسقاك يا ابني ، فيقوم له تلميذ آخر ،
فيقول يا سيدي أنا بالأمس لما كنت
نائما في النهار إذ حلمت بكذا ،،،،
فيقول له لا عليك ، اغتسل وليس عليك
قضاء ، فيقوم تلميذ آخر يعقب بهمس لمن
بجانبه على كلام الأستاذ بخصوص لقد
سقاك الله ،
ويحاول تركيبها على السؤال
الثاني ـ مفهومة ــ فيضحكان ويسكتان ،
في يوم من الأيام كان برنامج وقت
التعليم من الثامنة صباحا إلى منتصف
النهار ،
ثم من الثالثة بعد الزوال حتى
السادسة ، أي لما بعد الإفطار بنصف ساعة
، لما خرجنا من المعهد في منتصف النهار
لم نذهب لمنازلنا بالطبع إذ لا فطور بما
أننا في رمضان لذا نقضي فترة بين
الحصتين أمام المعهد أو في الساحات
المجاورة له في الظل ،
لنراجع بعض
الدروس مثلا ، لكن في ذاك اليوم ، استقر
رأي التلاميذ على إجراء مباراة في كرة
القدم في ساحة الرياضة الكائنة قرب
المعهد فيها المرمى بالشباك ،
كونّا
فربيقين ، وبدأت المباراة وحمي وطيسها
ونسينا رمضان وضرورة عدم اللعب تحت
الشمس القويّة ،
دارت المباراة حماسية
فأخذ التعب منا كل مأخذ جوعا وعطشا ،
هناك من انهار وهم الأغلبية ،
إذ بعد
الإنتهاء من اللعب ودخولنا للمعهد ،
ارتمينا على حنفيات الماء لصبه على
رؤوسنا ، يومها أفطر الجميع ما عدا أنا
وتلميذ آخر تمسكنا وصمدنا ، وقلنا
للزملاء إحذروا الإفطار سوف تطالبون
بقضائه ستين يوما ،
لكنهم انهاروا
الواحد تلو الآخر وقالوا ربّي يغفر لنا
إننا نكاد نموت من العطش ، لذا لا نلقي
بأيدينا للتهلكة ،
ها إننا شربنا
وسنقضي يوما وربي يغفر ، والطريف أنهم
لما كنا في القاعة بعد ذلك ب٣ ساعات ،
عند حلول وقت الإفطار استخرجوا تمراتهم
وأفطروا عليها كأن شيئا لم يكن كخههه
يالها من أيام رمضانية لا تنسى ،
علما
وإنه بالنسبة لي في تلك الفترة أي في سن
١٨ سنة ، كنت أقضي رمضان قائما إذ جدي
الورع ،
له جيرانه كلهم ورعون ، لذا لا
أغيب يوما عن قراءة القرآن معهم أنا
وأخوالي وأبناء خالي وخالتي ، إذ كنا
نتنافس في من يتلو أحسن من الآخر ، ثم
نقوم بالختم في منزل جدي ،
وبعد ذلك
ننتقل لمنزل جاره فلان ، وهكذا دواليك
نمضي رمضان كله صياما وقياما وتلاوة
والحمد لله رب العالمين ، وطبعا أن
الجميع ماتوا الآن جدي وجيرانه ،
فانتهت تلك السنة الحميدة ، وأصبح كل
أحد يقرأ في منزله ،
لا أدري ربما هناك
أناس آخرون الآن يعيشون فترة مثلنا ولو
بصفة أقل ، ولابد من الإشارة أن هناك
فارق في الذكاء ـ والخبث الحميد إن صح
التعبيرــ بين طفولتنا نحن وطفولة
الأبناء الآن ،
إذ ينقصهم التركيز بسبب
وسائل اللهو الإلكترونية والكمبوتر
وغيره مما بلد إحساسهم في عديد الأمور
حسب رأيي ، خاصة أن تعليمهم ضعيف الآن
وغير مركز كما هو معروف ،
هذه خواطر
رويتها لكم ولابد أن لكل خواطره
وطرائفه ،
لذا نرجو أن نستمع لخواطر
الإخوة هنا
/ ودمتم بخير مع تحيات أخيكم
رضا التونسي ، ،، ، ، ،
التعليقات (0)