ذكريات هاربة (من رسائل قديمة)

هذه مقتطفات من بعض الرسائل التي وصلتني على مدى أعوام عديدة...حفتها الذكرى بجمال مشاعر وبراءة أيام جميلة اندثرت فجأة حيت فرق القدر الأحبة..
منهم من واراهم الثرى ومنهم من ضاعوا في دوامة الحياة اليومية..
لذلك أحببت أن أسجلها هنا..كنوع من الوفاء لتلك الأيام الرائعة والذكريات الجميلة...


1-" أحاول أن ألملم أشلائي المتهالكة..أحاول أن أسترد بعض قواي المنهارة..فأكتشقت أنه لا يعدو سوى محاولات فاشلة....أمارس بها سحق روحي أكثر من ذي قبل...
صديقتي..
أشتاق لذلك الشتاء..لركضنا المتواصل في ساحة مدرستنا الثانوية..نطلق أرجلنا للريح..نطلق أرواحنا للمطر..وللهواء البارد الذي يداعب خدودنا بجنون..
أمازال للشتاء نكهته الجميلة تلك..؟! هـ .س /مصر /1408هـ"

2-" ....دراسة الهندسة متعبة جداً..ولكن من فوائدها أني أصبحت رسامة مشهورة في الوسط الأكاديمي..سأخبرك بخبر رائع…أتذكرين حينما كنا نجلس على مدخل الفصل في الثانوية أقول لك حلمي أن أزور بيت المقدس..وكنتِ تبادلينني ذلك الإحساس الجميل..
لقد ذهبت الخميس الماضي للقدس..يا الله..لو تعلمين كم هي جميلة..عندما تدخلين تشعرين بتلك الرهبة، ولكن أغلب سكانها من اليهود.
دخلت مسجد الصخرة..وصليت به..كم تمنيت لو كنتِ معي، رأيت الصخرة المعلقة..وأدخلت يدي داخل المحراب ولمستها..الله ما أجمل تلك الرائحة.
ثم زرت المسجد الأقصى..تصورت بجانبه وليس بداخله..ولكن ما يؤلمني أنه مقسم لقسمين أحدهما للمسلمين والآخر لليهود..ولكن الذي يؤلمني أن قسم المسلمين صغير وغير مهتم به بالمرة..

 ل. ع /نابلس /9/1995م"

3-" ....أمام إصرارك لإكمال دراستكِ..تركتُ لكِ الأمر برمته..وحتى لا ألوم نفسي في ما إذا حصل شيء لا قدر الله..وأصبحت هناك وحيدة..وسط ما أخاف منه..فهذا اختيارك أنتِ..مع أني لستُ بمجبورة على إرسالك بعيداً عني..ولكن لتحقيق ذاتك فأنا سأربط على قلبي حجراً صنواناً..وستسافرين..ولا أملك لكِ أنا ووالدكِ سوى الدعاء لكِ وحسب..
أعرف أني سأفارقكِ لا محالة..وضعي في اعتبارك و نصب عينيك أنك بسفرك هذا قد أخذت من قلب والدك ومن قلبي قطعة معك..وهذا الشعور صعب أن أصفه..!!
لا تصل أعيننا إلى هناك فنراقبك و نرقبك..ولا تصل أيدينا إلى هناك لنذود عنكِ..هو الله وحده خير الحافظين..وخير المدافعين..اجعليه نصب عينيك..واخشيه في تصرفاتك ولا تخشينا..ولا تتركِ صلاتك مهما حدث..!!

والدتك /الرياض/ 1994م"

4-" عزيزتي الطالبة المجتهدة..
الحمدلله على سلامتك أولاً...وأدعو الله أن يشفيك..لقد أعجبني مستواك الدراسي رغم غيابك عن هذه الدروس وهذا يدل على حرصك على دراستك وخاصة في مادتي ..استمري على ذلك وليوفقك الله ويرعاكِ ويحفظك..!!
معلمة مادة الرياضيات: أ.ع /الرياض/1406هـ"

5-" غاليتي..
كم اشتقت إليكِ..وبدخول رمضان (كل عام وأنت بخير) أشعر أن هناك شيئاً ينقصني..وهو وجودك..فاجتماعنا خلال هذا الشهر لا تقدر بثمن..ترجعين لنا بسلامة الله وحفظه..
ماذا أخبرك عن أم الدنيا..مصر..تغيرت كثيرا من خمس سنوات إلى اليوم..أصبحت جميلة جداً..بلد يعشقها الطفل قبل البالغ..كانت رحلة جميلة بين القاهرة والإسكندرية، ولكن لم يتسن لي تقديم أوراقي في الجامعة..لابد أن أعود مع بداية العام القادم.تعلمت أن أكون صبورة.. لكي أحقق أحلامي وطموحاتي..أعرف أني سأتحدى نفسي وهذا المجتمع الغريب لكي أخرج وأتعلم..وصدقيني لن أجعلهم يندموا في يوم ما على هذه الخطوة..

 أ.ب/الرياض/ 1999م "

6-" عزيزتي
لا أتصور أن الأيام الجميلة واللحظات بحلوها ومرها سوف تصبح مجرد برقية تذكار..ولا أتصور أنني لن أرى قسمات وجهكِ المضيئة التي تلهمنا كل صباح الأمل والرغبة في الوصول..
هو القدر الذي وضعك في قفص من الهموم والمشاكل في تلك الفترة..ورغم كاهلك المثقل..وجدتك هنا بجانبي حين غادر والدي هذا الحياة..كنتِ لي قبساً من أسطورة لا تتكرر..وشعاع نور يخترق سديم الكون ..لا أعلم كيف ستنقضي أيام الجامعة الأخيرة..سأفتقدكِ كثيراً..

2001م /عدن/ و.أ"

7-"أختي وحبيبتي..
أتمنى أن تصلك بطاقتي وأنتِ بخير و عافية..خبر زواجك أفرحني..وأتمنى أن يكون رجلا يستحق تلك الجوهرة الغالية..أتمنى أن تزوري الإمارات لعلنا نجدد عهد وذكريات الجامعة وتلك الأيام.أرجو أن تقبلي مني هذه الهدية المتواضعة فقدرك أكبر منها.
أختك / ع.س/ الشارقة /2001م"

8-" غاليتي..
قرأت كتاباتك الجميلة..أين هذه الكتابات من أيام المرحلة المتوسطة؟!..تحسنت كثيراً.أعرف أني أتصرف كناقدة..ولكن هيهات..فأين النقد من الهندسة؟
على كل..عديني أن تهدي كتابك الأول لي بحكم الصداقة القديمة..ثقي أني انتظره بفارغ الصبر...

ل.ع / نابلس/ 1407هـ"

9-"صديقتي..
ما أسوأ الناس حين تتغير..ثلاثة أعوام عدت بعدها لأجد المادة تسيطر على قلوب وعقول الناس..ما أن يعرفوا أنك تعيشين في السعودية لتكوني ضحية سهلة..لو يعلموا أني مازلت أعمل لأوفر مصروف الجامعة ماذا ستكون ردة فعلهم..ماذا لو علموا أن والدي لا يصرف علي خارج نطاق الأكل والشرب فقط لا غير..وأن كل مصاريف دراستي من "عرق جبيني" تعبت يا غاليتي..واعذريني لأني أحملك من الهم ما لا تطيقين..
أكتبي لي عن سير دراستك ..وهل بدأ التدريب في المستشفى أم لا...

إ.ب/ الرياض/ 2000م"

10-" غاليتي..
أحزنني خبر تلك الحرب الأهلية التي اضطررت لخوضها..ولكن الحمد لله على سلامتك..لا تدعي حلم كلية الطب يتلاشى..ستنتهي الحرب وتعودين للكلية بإذن الله..صدقيني يا غاليتي..دراسة الطب صعبة جداً..بالذات هنا في مصر فليس هناك مراجع محددة ..وليتك تأتين هنا لندرس سوية مثلما كنا نعمل في الثانوية..
أتعرفين إلى ماذا أشتاق..إلى زيارتي لكِ في منزلك..وذلك الأكل الرائع الذي تطهوه والدتك..الله الله..وإلى ذلك الجنون حينما نرمي كتب الثانوية العامة ونرقص على أنغام بعض الأغاني..ولكننا نجحنا من ذلك الفك المفترس –الثانوية العامة- وإنشاء الله سنجتاز كلية الطب..هل مازلت تريدين التخصص في طب الأطفال..1994

هـ.س /القاهرة"

11-" أختي الحبيبة..
شكرا لمبادرتك بإرسال رسالة لي..وهذا الشيء أسعدني جدا..مبارك تخرجك..ولو أن المختبرات لم تبتعد عن الطب..لكن يكفي أنك تابعت دراستك..بعكسي أنا التي فرحت بذلك الثوب الأبيض وتزوجت..وليتني لم أفعل..لدي الآن ولدي محمد ..وحضرت كتاب كامل من الإرشادات لحديثي الولادة..بمجرد أن أسمع انك حامل سأقوم بإرساله لكِ..على فكرة..لماذا ضحكتم علي حين أخبرتكم أني لا أعطي ولدي منذ ولادته ماء..؟!
والله كنت أعتقد أن الله جعل في أحد الثديين لبن وفي الآخر ماء...

م.ص / حضرموت/ 2002م"

12-" حبيبتي..
ماذا أخبرك عن سكن الطالبات هنا في عمّان..أنه مريع جداً..الفتيات هنا ماديات لأقصى درجة..والدراسة متعبة ومملة..أحياناً أقول ليتني لم أختر هذا القسم(علوم سياسية واقتصاد) ولكن ماذا أفعل هذه ظروف البعثة..
البرد هنا قارص جداً..أين هو برد عدن وشتاءه..لا يوصف أمام برد عمّان وثلجه المتساقط..طيلة خمس سنوات في عمّان لم يتسن لي الخروج سوى خمسة أو ستة أيام..

ش.ع / عمّان/2003م"

13- " غاليتي هذه بعض كتاباتي المملة..أتمنى أن تحوز على إعجابك..وقد أرفقت مع رسالتي هذه ديوان نازك الملائكة هدية غالية من مكتبة والدي رحمه الله لكِ..
تأمليني في قلب الشمس والأسحار..في نبض الطفل والأخطار..
في حطام ..أو رفات دمرها في القلب إعصار..
في أحلامك النورانية..وفي كل ألم ينصب على جبينك كحصار..

و.أ/عدن/2000م"

14- غاليتي..
أنا لا أحسن الكتابة جيداً..ولكنكِ كنتِِ لي نعم الصديقة التي قطعت معها مشاور اللغة الإنجليزية في المعهد..وأول ثلاث سنوات في كلية الطب ..ثم كان وقع انسحابك قوي عليّ..ولكنك لم تذهبي بعيداً..كم كنتِ رقيقة ناعمة و جريئة..ولن أنسى أول يوم في المشرحة..كان مخيفاً..احتملتُه..وسقطتِ أرضاً لا تحتمليه..
تسأليني لماذا أكتب كل تلك الأمور..لأني ببساطة لا اعرف أن أكتب سوى ذكرياتنا لتظل على هذه الرسالة مهما كبرنا أو نسينا..

أ.س/عدن/ 2000م"

14-ابنتي العزيزة
كنتِ على مر الأعوام الأربعة في دراستك مثال للمثابرة والسلوك الراقي..رغم ما مررت به من صعاب وعثرات..
كنت طالبة مجدة تجيد فن الإصغاء وتقبل النصيحة والإرشاد..وروحاً مرحة دون إسفاف ولا ابتذال..
هاهي قد مرت السنوات وكأنها أيام مليئة بالدروس والعبر..أتمنى لك كل النجاح والتوفيق في حياتك الاجتماعية والأسرية والشخصية..

أستاذك/ رئيس قسم المختبر ز.خ2000م"



15- " إلى من سكن الفرح بعيداً عنها..إلى من غادرتها الضحكة ورنينها..إليك أنتِ يا من أصبح من حقك أن تأخذي قسطاً طويلاً من اللاوعي لتبحري في ذاتك لتفتشي عن كل جميل ..فهل ينصفك وقتك يا صديقتي..
وهل يجود بما بخل به الزمن أتمنى لك ذلك..
لو كان بأيدينا متسع من الوقت ..لتلوت عليك براعم أمنياتي..وتركتها لديك حتى نلتقي..فهل نلتقي؟!!"

أخوك/ م.ح /عدن/ حفل التخرج/2001م